تصريحات الرئيس الإيراني حسن روحاني، وأعضاء حكومته بقرب رفع العقوبات والتوصل إلى اتفاق خلال مباحثات فيينا، والحديث عن "تفاهم عام بشأن جميع الخلافات"، رفعت منسوب التوقعات بتصاعد الدخان الأبيض في مباحثات فيينا النووية غير المباشرة بين طهران وواشنطن في جولتها السابعة مطلع الشهر المقبل، بعدما انتهت الأحد الماضي الجولة السادسة.
غير أن ما يثير التساؤل والريبة، أنّ هذا التفاؤل الكبير الذي تبديه الحكومة الإيرانية لا يقابل بتفاؤل مماثل من الإدارة الأميركية، إذ تتعامل هذه الإدارة مع الحديث عن مخرجات مفاوضات فيينا بحذر شديد، متحدثة عن استمرار الخلافات في مسألتي رفع العقوبات والإجراءات النووية الإيرانية، من دون الإعلان عن استعدادها لرفع جميع العقوبات، الذي اشترطته طهران، للتوصل إلى اتفاق لإحياء الاتفاق النووي خلال مباحثات فيينا.
تصريحات روحاني التفاؤلية إلى حد كبير، ليست بجديدة، إذ سبق أن أدلى بها أيضاً أثناء الجولات الأخيرة، من الجولة الرابعة إلى نهاية السادسة، كما أنها لا تعبر بالضرورة عن رأي كل صانع القرار الإيراني بشأن الاتفاق النووي، وإنما عن أحد الأطراف في عملية صناعة هذا القرار.
فالمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، هو المخول باتخاذ القرار اللازم حول كل ما يرتبط بالاتفاق النووي، وكل ما يجري في مفاوضات فيينا، ويتكون المجلس من جميع رؤساء المؤسسات السيادية الإيرانية (السياسية والقضائية والعسكرية) والحكومة لا تملك الأغلبية في المجلس، فعدد أصوات أعضاء الحكومة في مجلس الأمن القومي لا يتجاوز الأربعة من أصل 12 عضواً، على الرغم من أن الرئيس حسن روحاني هو الذي يترأس المجلس.
وأدلى روحاني، اليوم الأربعاء، خلال اجتماع حكومته بتصريحات حول مفاوضات فيينا، تؤكد ما ذُكر آنفاً، إذ إنها كشفت عن وجود خلافات بين الحكومة وبقية صناع القرار في إيران، بشأن هذه المفاوضات، إذ قال الرئيس الإيراني "إنني أعلن للشعب أن الحكومة قد أنهت الحرب الاقتصادية"، في إشارة إلى رفع العقوبات الأميركية.
وفيما أكد روحاني أنّ حكومته نجحت في إرغام الولايات المتحدة على الجلوس إلى طاولة التفاوض في فيينا، أضاف أنها "تفاوضت وحلّت القضايا الأساسية، وإذا أرادوا فاليوم يمكننا رفع العقوبات، نعم أنا أقصد اليوم، فلنمنح الآن الصلاحيات للدكتور (عباس) عراقجي (كبير المفاوضين الإيرانيين) ليذهب إلى فيينا ويتوصل إلى اتفاق خلال أيام، وسترفع العقوبات. نحن أنجزنا عملنا، وهنا لا أريد الخوض في بعض تعقيدات سياسية، فلا أريد تعكير مزاج الشعب".
وفي السياق، يؤكد الخبير الإيراني في العلاقات الإيرانية الأميركية، هادي خسروشاهين وجود هذه الخلافات، قائلاً لـ"العربي الجديد" إنّ "هناك خلافات بين النخبة السياسية الإيرانية بشأن إحياء الاتفاق النووي"، مشيراً إلى أن "الحكومات عادةً في الشهور الأخيرة من حياتها السياسية لا تمتلك الصلاحيات اللازمة لاتخاذ القرارات الاستراتيجية والمهمة في السياستين الداخلية والخارجية".
وشكلت إيران أخيراً لجنة لمتابعة مفاوضات فيينا واتخاذ القرارات اللازمة بشأنها، بمشاركة مندوبين من البرلمان والحكومة وأعضاء مجلس الأمن القومي، فتشكيل هذه اللجنة "إن تمت إحالة الملف إليها" من شأنها حل تلك الخلافات، وتعزيز فرصة التوصل إلى الاتفاق خلال الفترة المتبقية لولاية روحاني، قبيل تسلم الرئيس الجديد إبراهيم رئيسي مهامه في أغسطس/آب المقبل.
ويضيف خسروشاهين أن "هذه اللجنة التي تشكلت من داخل مجلس الأمن القومي، لها الوزن اللازم لاتخاذ القرارات الاستراتيجية بشأن إحياء الاتفاق النووي خلال الفترة المتبقية لولاية السيد روحاني".
وكان عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية البرلمانية شهريار حيدري، قد كشف، لوكالة "تسنيم" الإيرانية، عن تشكيل لجنة عليا لتقييم مفاوضات فيينا، مشيراً إلى أن اللجنة تحت إشراف المجلس الأعلى للأمن القومي، وتتكون من أعضاء المجلس وبرلمانيين واثنين من أعضاء الحكومة.
وأضاف حيدري أن اللجنة ستناقش تطورات مباحثات فيينا وتتخذ قرارات ليطرحها كبير المفاوضين الإيرانيين كمقترحات لإيران خلال الجولة المقبلة للمفاوضات.
وعلاوة على ذلك، يتحدث خسروشاهين عن محفز آخر، من شأنه أن يشجع صناع القرار الإيراني نحو إبرام الاتفاق خلال المستقبل القريب، مشيراً إلى أنّ وجود "مصالح مشتركة" بين طرفي الاتفاق النووي في الداخل الإيراني، اللذين لديهما خلافات بشأنه، يسهل التوصل إلى اتفاق.
وفي هذا الصدد، يؤكد الصحافي الإيراني أنّ الرئيس روحاني يرى أن الاتفاق النووي هو من إنجازات حكومته، فيسعى جاهداً إلى إحيائه، ليبقى كإرث له، وفي المقابل "ثمة جهات في التيار المحافظ لا ترغب أن تقع مسؤولية إبرام الاتفاق (في فيينا) على عاتق حكومة محافظة وترغب أن توقعها الحكومة الراهنة".
غير أن خسروشاهين، لفت إلى وجود "عقبات" قد تمنع التوصل إلى الاتفاق في عهد روحاني، متحدثاً في هذا الشأن عن تباينات أخرى داخل المحافظين، منها أنّ جهات في هذا التيار تفضّل أن يسجل إنجاز هذا الاتفاق باسم الحكومة المحافظة، ومنها جهات "لديها موقف متشدد وراديكالي في معارضة الاتفاق النووي ومضمونه والاتفاق لإحيائه".
وأضاف "يبقى احتمال التوصل إلى الاتفاق قائما سواء في عهد السيد روحاني أو الحكومة المقبلة لوجود توافق في المؤسسات العليا على ضرورة إحياء الاتفاق النووي ورفع العقوبات". ويضيف أن "هناك مسافة للتوصل إلى اتفاق بالنظر إلى الشروط الإيرانية على الرغم من التقدم الكبير الذي قد حصل".
وفي السياق، يشير إلى أنباء حول استعداد الولايات المتحدة لإلغاء أو تعليق نحو ألف إجراء حظر من العقوبات من أصل 1500 عقوبة، بينما تطالب إيران برفع جميع العقوبات، "فلديها مخاوف من أن عدم إلغاء جميع العقوبات يمنح الولايات المتحدة شرعية للقيام بفرض عقوبات أخرى عليها بعد الاتفاق في فيينا في بقية المجالات الأخرى غير المجال النووي".
وفيما يخص الـ500 عقوبة، التي ترفض واشنطن رفعها وترى أنها لا تتعارض مع الاتفاق النووي، يقول الخبير الإيراني إن "بعض المسؤولين والمؤسسات العليا (في إيران) يساورها قلق من أن تعود الولايات المتحدة إلى فرض العقوبات مجدداً بشأن الملفات الأخرى في ظل معارضة التفاوض بشأن البرنامج الصاروخي والسياسات الإقليمية، فضلاً عن فوز محتمل للجمهوريين في الانتخابات التكميلية للكونغرس" الأميركي.
ولذلك تصر إيران على ضرورة تقديم واشنطن ضمانات لها لعدم الانسحاب من الاتفاق النووي، سواء من قبل الإدارة الأميركية الراهنة أو الإدارات المقبلة لاحقاً، غير أن خسروشاهين يستبعد أن تتجاوب واشنطن مع هذا المطلب لأسباب سياسية وحقوقية، مشيراً إلى أن الأمر بحاجة إلى تحويل الاتفاق النووي إلى معاهدة دولية في الكونغرس الأميركي "لكن تركيبة مجلس الشيوخ لا تسمح بإقراره كمعاهدة، إذ إنه بحاجة إلى موافقة ثلثي أعضاء المجلس".