حرب غزة الثالثة: خلاف الحكومة والجيش بشأن استمرار العمليات

5A458314-B668-4D87-8BBA-20F88DC1E23B
صالح النعامي

باحث وكاتب فلسطيني

30 يوليو 2014
E16E43F9-3D78-489C-9273-137FF8296BF3
+ الخط -
فجّرت حرب غزّة الثالثة استقطاباً حاداً وغير مسبوق بين جيش الاحتلال من جهة، ودوائر صنع القرار السياسي والحلبة الحزبية من جهة ثانية. وفيما يضغط جيش الاحتلال على الحكومة لاتخاذ قرار حاسم ووقف العدوان، الذي استنفد أهدافه، بحسب ادّعاءاتهم، "تركن" الحكومة إلى دعم اليمين الإسرائيلي، الذي يروّج لتوسيع العدوان على القطاع، لمواجهة ضغوط الجيش.

وتكاد تكون هذه الحرب الأولى في تاريخ الكيان الصهيوني التي يضغط فيها جيش الاحتلال على دوائر صنع القرار لوقف القتال والانسحاب، مع العلم أنه في بعض الحروب لم تتردد قيادة الجيش في التهديد بالانقلاب على الحكومة في حال لم تسمح له بشنّ الحرب، كما حدث عشية حرب العام 1967، عندما وجه الجنرال عيزر وايزمان تهديداً لرئيس الوزراء في ذلك الوقت، ليفي أشكول.

وعلى مدى ثلاثة أيام، حرصت قيادات بارزة في جيش الاحتلال على تسريب انتقادات موجهة للمستوى السياسي الحاكم، بسبب ميله لإطالة أمد الحرب لاعتبارات سياسية.

ونقلت وسائل الإعلام الإسرائيلية أمس الثلاثاء، عن جنرال، لم تذكر اسمه، قوله إنّ الجيش يوشك على الانتهاء من تحقيق الهدف الرئيس الذي حددته الحكومة للجيش، وهو معالجة تهديد الأنفاق الحربية، مع تشديد الجنرال على أنّه ليس بوسع الجيش تدمير كل الأنفاق، التي حفرتها حركة "حماس"، لأنّ لا معلومات استخبارية حولها.

وعلى الرغم من أنّ الجيش يؤكّد استعداده لتنفيذ أية تعليمات للحكومة بتوسيع وتعميق العملية البرية، غير أنّ قيادته تحذر من "الثمن الكبير" الذي ستدفعه إسرائيل من أرواح جنودها في حال صدر قرار بالتقدّم في عمق القطاع.

ولا يفوت قادة الجيش فرصة دون التأكيد على أن من المستحيل تصفية خطر صواريخ المقاومة بدون إعادة احتلال قطاع غزة بالكامل، مشدّدين على أن الأمر يتطلب بقاء الجيش في القطاع لعامين على الأقل، مع كل ما ينطوي عليه الأمر من خسائر فادحة في صفوف جيش الاحتلال، وما سيترتب عليه من تهاوي مكانة إسرائيل الدولية بسبب سقوط الآلاف من المدنيين الفلسطينيين بين قتلى وجرحى.

وفي الوقت نفسه، يحذّر قادة الجيش والمعلّقون العسكريون من أنّ بقاء الجيش في مواقعه الحالية على تخوم القطاع سيعرّضه أيضاً لمزيد من الخسائر، لأن الأمر سيمكّن مقاتلي كتائب الشهيد "عز الدين القسام"، الذراع العسكرية لحركة "حماس"، من تسديد ضربات قوية ضدّه من خلال توظيف شبكة الأنفاق الدفاعية، التي تتيح لهؤلاء المقاتلين إنزال قوات خلف خطوط جيش الاحتلال، كما حدث أكثر من مرة.

لكن في مواجهة قيادة الجيش، فإن وزراء اليمين، الذين يمثلون الأغلبية في الحكومة الإسرائيلية يعارضون بشدّة وقف إطلاق النار، قبل "تصفية" تهديد الأنفاق والصواريخ بشكل جذري.

ويدرك ممثلو اليمين في الحكومة والكنيست، أنّ الرأي العام الإسرائيلي يؤيد حتى الآن استمرار الحملة البرّية وتوسيعها وتعميقها، وبالتالي يحاولون تحقيق مكاسب سياسية وتحسين مواقعهم في التنافس على المواقع القيادية في أحزابهم وحركاتهم.

ولا خلاف على أن تأييد الرأي العام الإسرائيلي الكبير للحرب على غزة، كما يعكس ذلك استطلاعات الرأي العام، ناجم عن حرص الحكومة على زيادة سقف التوقعات من الحرب؛ فصناع القرار في تل أبيب لم يقدروا بشكل دقيق قدرات "حماس" العسكرية واستعداداتها الحربية.

فقد افترضت إسرائيل أنه في ظل التحولات الإقليمية التي شهدتها المنطقة، والتي أضعفت "حماس" كثيراً، فإن الأخيرة ستقبل بصيغة "الهدوء مقابل الهدوء"، التي اقترحتها المبادرة المصرية، مما يعني أنّه لن تكون هناك حاجة إلى شن حملة برّية.

لكن بعد رفض "حماس" المبادرة المصرية وشروع إسرائيل في الحملة البرية، وما رافق ذلك من خسائر كبيرة في أرواح قادة وضباط ألوية الصفوة في الجيش الإسرائيلي، فإن الرأي العام الإسرائيلي لا يبدي استعداداً لوقف الحرب، ما دام الأمر مقترناً بقبول شروط "حماس"، إذ يجري النظر للأمر كهزيمة مدوية.

من هنا، فإن ممثلي اليمين في الحكومة والكنيست يتجاهلون تحذيرات قادة الجيش من خطورة توسيع وتعميق الحملة البرية، ويطالبون، على الأقل، باحتلال مناطق واسعة من القطاع، في حين يذهب وزير الخارجية، أفيغدور ليبرمان، إلى حد المطالبة بإعادة احتلال القطاع كاملاً.

ومما يزيد الأمور تعقيداً هو أنّ مسار الحرب أثبت مجدداً تجرد رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، من القدرات القيادية، التي تمكنه من الحسم، إذ إنه يقبل وجهة نظر قيادة الجيش المطالبة بوقف الحرب والانسحاب، علاوة على إدراكه حجم الضغوط الدولية التي تمارس عليه، في ظل العدد الهائل من الشهداء في صفوف المدنيين الفلسطينيين، وهذا ما يفسر توجهه لوزير الخارجية الأميركي، جون كيري، مطالباً بمحاولة التوسط للتوصل إلى وقف إطلاق نار.

غير أن نتنياهو يتردّد، من جهة ثانية، في الاستجابة للجيش، لخوفه من انتقادات نخب اليمين السياسية، التي تتهمه بـ"الجبن والتردد".

وما قد يساعد نتنياهو على اتخاذ قرار بوقف الحرب والانسحاب، هو التحول في مواقف وسائل الإعلام، التي تراجع مستوى حماستها للحرب؛ فقد بات بعض المعلقين من ذوي التوجهات اليمينية الصرفة، مثل يوآف ليمور، يطالبون بوقف الحرب والانسحاب، بل إن هناك من يرى أن المطالب التي تطرحها "حماس" لوقف الحرب لا تتعارض مع المصلحة الإسرائيلية، كما يقول المعلق الإستراتيجي، نمرود نوفيك.

ذات صلة

الصورة
أعداد محدودة من المصطافين على شاطئ صور (حسين بيضون)

مجتمع

لم يثن القصف على الحدود مع فلسطين المحتلة منذ 8 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بعض اللبنانيين عن ارتياد شاطئ مدينة صور من أجل الاستمتاع.
الصورة
تظاهرة في عمان دعماً لغزة 9 أغسطس 2024 (العربي الجديد)

سياسة

شارك المئات في الأردن في مسيرة انطلقت بعد صلاة المغرب، الجمعة، من أمام المسجد الحسيني بوسط العاصمة عمان، تحت شعار "اغتيالات قادة المقاومة، وقود معركة التحرير".
الصورة
تظاهرة في واشنطن لوقف النار في غزة 3 أغسطس 2024 (العربي الجديد)

سياسة

تظاهر ناشطون في العاصمة الأميركية واشنطن، السبت، مطالبين بوقف إطلاق النار في غزة، وذلك مع مرور 300 يوم على بدء إسرائيل الإبادة الجماعية للمدنيين.
الصورة
نائل النجار ووالدته في غزة، 29 يوليو/ تموز 2024 (الأناضول)

مجتمع

عاش الأسير الفلسطيني نائل النجار 20 عاماً في أقبية السجون الإسرائيلية، ينتظر بفارغ الصبر لحظة الحرية ليتمكن من لقاء خطيبته والزواج منها.
المساهمون