تجاوز الصراع العسكري في السودان بين الجيش وقوات "الدعم السريع" شهره السادس، وسط استمرار للمعارك داخل العاصمة الخرطوم وعدد من الولايات، وسقوط ضحايا مدنيين، في وقت يتواصل فيه تدهور الوضع الإنساني وانهيار الاقتصاد والنظام الصحي وانتشار عدد من الأمراض والأوبئة مثل الكوليرا وحمى الضنك.
ومنذ 15 إبريل/ نيسان الماضي يعيش السودان صراعاً عسكرياً تسبب في نزوح أكثر من 4.2 ملايين شخص إلى 3929 موقعاً في جميع ولايات البلاد الثماني عشرة وفقاً لمنظمات الأمم المتحدة، وسط محاولات محلية وإقليمية ودولية وضع حد للأزمة واستئناف التفاوض بين الجيش و"الدعم السريع" في مدينة جدة السعودية.
اشتباكات متواصلة في الخرطوم
وكان أبرز حدث عسكري الأيام الماضية فقدان الجيش السوداني ضابطاً رفيعاً، هو اللواء أيوب عبد القادر قائد الفرقة 17 بولاية سنار وسط السودان، بعد استهدافه بقذيفة خلال وجوده داخل مقر سلاح المدرعات في الخرطوم يوم 15 أكتوبر/ تشرين الأول الحالي، وذلك على الرغم من تراجع وتيرة هجمات "الدعم السريع" على مقر المدرعات، والذي يتوسط خمسة أحياء سكنية غادر سكانها منازلهم هرباً من الاشتباكات المتواصلة.
وتشهد مدن العاصمة الثلاث، الخرطوم وبحري وأم درمان، هذه الأيام اشتباكات متواصلة وقصفاً مدفعياً متبادلاً يتركز في معظمه حول مقر القيادة العامة للجيش وسط الخرطوم، وسلاح المدرعات، ومنطقة أم درمان القديمة، والأحياء المتاخمة لسلاح المهندسين، وسلاح الأسلحة في بحري، بجانب جبل أولياء أقصى جنوب الخرطوم، ومدينة نيالا بولاية جنوب دارفور، ومدينة الأبيض في ولاية شمال كردفان.
وتمثلت أبرز الهجمات الأخيرة في الخرطوم، في مهاجمة "الدعم السريع" لمنطقة العيلفون على ضفة النيل جنوب شرق الخرطوم يوم 5 أكتوبر الحالي، مما خلّف ضحايا ومصابين في صفوف المدنيين، مع انقطاع في خدمات الكهرباء والمياه والاتصالات. وقالت مجموعة "محامو الطوارئ" الحقوقية في 6 أكتوبر، إن قوات "الدعم السريع" مارست النهب وتهجير السكان قسرياً، وتقييد حق التنقل بوضع نقاط تفتيش واعتقالات.
وتضم منطقة العيلفون محطة ضخ البترول رقم 4، والتي تضخ نفط السودان وجنوب السودان نحو ميناء بورتسودان شرقي البلاد، وقد وقعت بعد الهجوم تحت سيطرة "الدعم السريع"، والتي نشرت مقطع فيديو من داخل المحطة يوم 14 أكتوبر طمأنت فيه جنوب السودان بالحفاظ على المنشأة من أجل استمرار ضخ النفط.
فقدان الأمان بسبب تعديات "الدعم السريع"
والأسبوع الماضي كشف تقرير لإدارة مشروع الجزيرة الزراعي في وسط السودان (في ولاية الجزيرة)، أن تحركات وتعديات "الدعم السريع" جعلت عدداً من المناطق غير آمنة، حيث توغّل عناصر منهم في مناطق القسم الشمالي الغربي من المشروع، والذي يضم مكاتب قرى الفراجين والسديرة والقويز، ومكاتب الصحوة وكاب الجداد واللعوتة والترابي.
وقالت المواطنة أمونة محمد، من قرية كاب الجداد شرقي ولاية الجزيرة، لـ"العربي الجديد"، إن عناصر "الدعم السريع" جاؤوا للمنطقة على دراجات نارية "وصاروا ينتزعون الهواتف والأموال، ودخلوا بسبب ذلك في مشادات مع المواطنين، لكنهم انسحبوا قبل يومين عقب قدوم قوة من الجيش للقرية، وعادوا مجدداً بعد مغادرة القوة".
تحذيرات من الوضع الإنساني في السودان
ومع استمرار المعارك، أدى تدهور الوضع الإنساني إلى تحذير عدد من المنظمات من الأوضاع في البلاد. وقال الرئيس الدولي لمنظمة أطباء بلا حدود، كريستوس كريستو في بيان في 15 أكتوبر: "إن أزمة السودان تجسّد فشلاً كارثياً للإنسانية والذي يتمثل في فشل الأطراف المتحاربة في حماية المدنيين أو تسهيل وصول المساعدات الإنسانية الأساسية، وفي الإهمال الشديد وقصور المنظمات الدولية في تقديم استجابة كافية".
وأعلن وزير الصحة السوداني هيثم محمد، أن الحرب تسببت بشكل كبير في تدهور الوضع الصحي، وتم فقدان معظم الخدمات التخصصية وأصولها من الأجهزة والمعدات، كما فقد النظام الصحي أحد مقوماته الأساسية وهو المخزون الرئيس للإمداد الطبي في السودان (أدوية وأجهزة ومعدات تقدر بحوالي 500 مليون دولار).
وزير الصحة السوداني: أكثر من 100 مستشفى خرجت عن الخدمة في الخرطوم
وأضاف محمد، خلال اجتماع اللجنة الإقليمية لمنظمة الصحة العالمية بالقاهرة في 12 أكتوبر، أن أكثر من 100 مستشفى خرجت عن الخدمة في الخرطوم وولايات إقليم دارفور، وإلى جانب "المعمل القومي المرجعي للصحة العامة" (مختبر) بالخرطوم. ولفت إلى ظهور أوبئة كالملاريا والحميات الأخرى والإسهالات وبعض أمراض الطفولة، مع ارتفاع معدلات الأمراض السارية وغير السارية، وضعف مؤشرات صحة الأم والطفل.
وقالت السفارة الأميركية في السودان في بيان في 17 أكتوبر، إن أكثر من 5.8 ملايين من المدنيين اضطروا إلى الفرار من منازلهم منذ 15 إبريل الماضي، بما في ذلك أكثر من 1.1 مليون فروا إلى البلدان المجاورة. وأضافت: "استجابت الجهات الإنسانية الفاعلة للاحتياجات الأساسية بشجاعة. لكنها تكافح من أجل الوصول إلى المحتاجين بسبب القتال العنيف والعقبات التي تفرضها كل من القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع".
ودعت السفارة لضرورة قيام القوات المسلحة السودانية و"الدعم السريع" بوقف القتال على الفور، بما يتوافق مع التزاماتها بموجب إعلان مبادئ جدة الصادر في 11 مايو/ أيار الماضي بشأن حماية المدنيين في السودان، والسماح بوصول المساعدات الإنسانية من دون عوائق، وحماية المدنيين وحقوق الإنسان الخاصة بهم، والوفاء بالتزاماتها بموجب القانون الإنساني الدولي.
وحذرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، في 15 أكتوبر، من أن يؤدي انقطاع الخدمات الأساسية بعد مرور 6 أشهر على الأزمة إلى ضياع مستقبل 24 مليون طفل. وأضافت في تصريح أن "تكلفة التراخي بالنسبة للسودان مرتفعة بشكل غير مقبول.. تدعو اليونيسف إلى إنهاء العنف، ومواصلة الدعم للاستجابة وحماية الحقوق لكل طفل".
انتقادات أممية لتأخر المساعدات إلى السودان
من جهتها انتقدت منسقة الشؤون الإنسانية في السودان، كليمنتاين نكويتا سلامي، تأخّر نقل الإمدادات الإنسانية إلى ولايات دارفور وكردفان والنيل الأبيض للأسبوع الرابع على التوالي، بسبب انعدام الأمن والاشتباكات، خصوصاً في ود عشانا بولاية شمال كردفان وعلى طريق كوستي -الأبيض. وأضافت في تغريدة على منصة "إكس" (تويتر سابقاً) في 17 أكتوبر: "أحث الطرفين على تيسير إيصال المعونة المنقذة للحياة بشكل عاجل إلى جميع المحتاجين إليها".
وواجه إيصال المساعدات الإنسانية قيوداً بسبب انعدام الأمن والنهب والعراقيل البيروقراطية، حسبما قال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في 8 أكتوبر، مضيفاً: "تحتاج المنظمات الإنسانية إلى 2.6 مليار دولار أميركي لدعم 18.1 مليون شخص بمساعدة متعددة القطاعات وخدمات الحماية حتى نهاية العام، ولكن لم يتم تلقي سوى 676.9 مليون دولار (26.4 بالمائة) حتى 31 أغسطس/ آب الماضي".
نجاحات عسكرية لا تحمي المواطنين السودانيين
وقال الضابط السابق بالمعارضة المسلحة في شرق السودان، المحلل العسكري حسام ذو النون، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "القوات المسلحة استطاعت امتصاص الصدمة والمفاجأة، وعملت على تنفيذ استراتيجيات وتكتيكات عسكرية جعلتها بعد ستة أشهر في موقع متقدم على الدعم السريع بصورة كبيرة للغاية".
حسام ذو النون: تقدّم الجيش السوداني لم يستطع توقيف عمليات النهب
وأضاف أنه "بالرغم من ذلك التقدم والنجاحات العسكرية التي تحققت، إلا أنها لم توفر الحماية للمواطنين إلا بالنزر اليسير، ولم تستطع توقيف عمليات النهب، ولم تمنع انتشار قوات الدعم السريع بالصورة الكاملة، فوجود مسلح واحد في أي منطقة هو تهديد أمني بلا شك".
وتابع: "بالنسبة لقوات الدعم السريع يلاحظ انحسار هجماتها المؤثرة على مناطق سيطرة القوات المسلحة"، معتبراً أن "أحد الأخطاء الكبيرة التي وقع فيها قادة الدعم السريع هو استجابتهم للضغوط التي تواجههم بضرورة تحقيق انتصارات عسكرية كبرى".
ورأى ذو النون أنه "بعد ستة أشهر من بدء الحرب هناك تقدم ملحوظ للقوات المسلحة، وتراجع كامل للدعم السريع وتحوّل إلى مجموعات قبلية مسلحة تمتهن النهب والسرقة، وتبحث عن مناطق جديدة لتمارس فيها تلك الأنشطة، بالإضافة إلى انخفاض كبير للغاية في عددية ارتكازات الدعم السريع وقوتهم البشرية في مناطق وجودهم".
ضغط "الدعم السريع" غير كاف للعودة إلى المفاوضات
ولفت إلى أن "محاولات توسيع محاور المعارك شمال وجنوب الخرطوم نحو مناطق آمنة ومستقرة يمكن النظر إليه كعنصر ضغط على متخذ القرار الحكومي، ولكن للمراقب لما يدور منذ إبريل، يمكن أن يخلص ببساطة بأن اتساع نطاق الحرب لمناطق أخرى ليس بعامل كافٍ للعودة المفاوضات".
وأشار ذو النون إلى أنه تم التخلي عن كثير من المناطق لصالح الدعم السريع من دون تحقيق الضغط المطلوب، مضيفاً أنه "يمكن الوصول إلى نتيجة أخرى مفادها أن الاستراتيجية العسكرية أيضاً لا تضع في حساباتها أهمية التمسك بالأرض والسيطرة عليها، ما عدا المناطق العسكرية الحيوية ومحيطها".
وأضاف: "في ظل فقدان الكثير من العتاد العسكري والجنود، خصوصاً في منطقتَي المدرعات والقيادة العامة التي تجاوزت خسائر الدعم السريع في كليهما عدة آلاف من القتلى، أثّر على الكفاءة القتالية، وعلى الروح المعنوية للجنود". ولفت إلى أن التعقيدات العسكرية والتطورات الميدانية "جعلت من الصعوبة بمكان تحقيق انتصارات عسكرية ذات قيمة بالنسبة للدعم السريع، تعمل على إجبار الحكومة بالعودة إلى مفاوضات جدة".
ورأى أن "عجز قوات الدعم السريع عن تحقيق انتصارات عسكرية حاسمة خلال الفترة الماضية، في دارفور وكردفان حيث تتوفر الحاضنة الاجتماعية لها، يعطي مؤشرات سلبية عن قدرتها على تحقيق نجاحات تذكر من خلال توسيع دائرة الحرب في أي منطقة مهما كان موقعها".