وسيكون تصويت مجلس الأمن الدولي في نيويورك، الجمعة، على مشروع قرار صاغته الولايات المتحدة لإدانة الاجتياح الروسي لأوكرانيا بمثابة امتحان للدبلوماسية الأميركية أكثر من كونه تصويتاً على الاجتياح الروسي أو ضده.
من الواضح أن الجانب الأميركي لن يتمكن من تمرير القرار بسبب الفيتو الروسي الأكيد. لكن السؤال الذي يطرحه الكثير من الدبلوماسيين في مجلس الأمن هو كيف سيصوت حلفاء الولايات المتحدة من غير الدول الغربية، الهند والإمارات (مندوبين غير دائمين بمجلس الأمن) على وجه التحديد، وحتى البرازيل؟ وهل ستكتفي الصين بالامتناع عن التصويت بدل المعارضة التي ستعني فيتو ثانياً للقرار؟ الجانب الأميركي وبدعم غربي مستمر في الاتصالات والمشاورات مع كل الدول الأعضاء في مجلس الأمن لإظهار موقف متحد ضد الاجتياح الروسي. كما أن الاتصالات بين العواصم للحصول على تأييد للقرار تجري على قدم وساق حيث أن القرارات بنهاية المطاف ستأتي من العواصم.
وأكد مصدر دبلوماسي غربي رفيع المستوى في مجلس الأمن، لـ "العربي الجديد" في نيويورك، أن هناك شكوكا جدية حول تصويت الإمارات والهند وما زلنا لا ندري إذا ما كانتا ستمتنعان عن التصويت أم ستؤيدان القرار". ولفت الدبلوماسي الغربي الانتباه كذلك إلى قضية عدد الدول (من خارج المجلس كذلك) التي ستضع اسمها كمشتركة ومؤيدة لصياغته وقال "حتى اللحظة هناك خمسون دولة مؤيدة له وقد يبدو هذا الرقم كبيراً وهو كذلك بالفعل ولكن يوجد أكثر من 190 عضواً في الأمم المتحدة وهذا مشروع مهم، حتى لو لم يتم تبنيه".
أي امتناع من أي دولة عضو من الدول الخمس عشرة الأعضاء سيعني صدعاً في الدبلوماسية الأميركية وانتصاراً للروس
وهنا من الضروري ملاحظة أي دول قررت أن تضع اسمها كداعمة لصياغته. هذه تفاصيل ستظهر لاحقا، ولكن الانتباه إليها يظهر الوضع والانقسامات على الخارطة السياسية الدولية وثنائية النفوذ الأميركي والروسي. ومن اللافت للانتباه بالنسبة لهذه النقطة أن مندوب روسيا، الذي ترأس بلاده المجلس لهذا الشهر، سيضطر لقراءة أسماء جميع الدول التي قررت وضع اسمها لدعم صياغته قبل التصويت على المشروع. وفي ذلك رمزية كبيرة ستستغلها المندوبة الأميركية دون شك.
ومقابل الدبلوماسية الأميركية هناك الدبلوماسية الروسية التي تجري كذلك على قدم وساق في نيويورك والعواصم. وبالنسبة للروس، الأهم في التصويت هو عدم وقوفهم وحدهم كمعترضين على القرار. أي امتناع من أي دولة عضو من الدول الخمس عشرة الأعضاء سيعني صدعاً في الدبلوماسية الأميركية وانتصاراً لموسكو. وربما ليس صدفة أن تغرد وزارة الخارجية الروسية على حسابها الرسمي في "تويتر"، ساعات قليلة قبل التصويت، صورة تجمع وزير الخارجية الروسي ونظيره الإماراتي، من لقاءات سابقة، معلنة أن الأخير سيزور موسكو في الثامن والعشرين من الشهر الحالي لتعزيز التعاون بين البلدين.
في حديثها أمام مجلس الأمن، وخلال المؤتمرات الصحافية العديدة، أكدت السفيرة الأميركية، مرارا وتكرارا، على أن العالم متحد في إدانة الموقف الروسي (بما فيها الصين). وصحيح أن الصين كانت حذرة في موقفها ولم تظهر دعماً للخطوة الروسية، لكنها لم تدنها، كما تحدثت عن مخاوف روسية مشروعة. وكان واضحاً من موقفها وإحاطة مندوبها أمام مجلس الأمن أنها غير مرتاحة لمجرى الأمور والخطوات العسكرية الروسية، لكنها أظهرت كذلك عدم ارتياحها للمواقف الغربية وأخذ المخاوف الروسية بنظر الاعتبار. وكرر مندوبها، تشانغ جون، في هذا السياق، خلال جلسات مجلس الأمن حول أوكرانيا، نفس الرسالة، حيث دعا "جميع الأطراف المعنية إلى ضبط النفس. نشجع ونرحب وبكل الجهود التي تعمل للتوصل لحل دبلوماسي، ونطالب جميع الأطراف بمواصلة الحوار والتشاور والبحث عن حلول منطقية تأخذ بالاعتبار مخاوف كل طرف على أساس المساواة والاحترام المتبادل". وشدد على "أن الوضع الحالي في أوكرانيا ناتج عن وضع معقد. ونؤمن أنه يجب أن تحل جميع الدول خلافاتها الدولية بطرق سلمية بما يتماشى مع ميثاق الأمم المتحدة".
أما مندوب الهند ومندوبة الإمارات العربية المتحدة، فشددا على نفس الرسالة في جميع الاجتماعات حول أوكرانيا في الأسابيع الأخيرة. ومن اللافت أن البلدين الحليفين للولايات المتحدة لم يدينا الخطوات الروسية. وتلخصت رسالة كل منهما بالدعوة إلى الحوار ونزع فتيل التوتر دون إدانة لاعتراف روسيا بالإقليمين الأوكرانيين الانفصاليين، في حين ركزت رسالة مندوب الهند، تي إس تيرمورتي، على "الدعوة إلى تخفيف التصعيد والإحجام عن إجراءات قد تزيد من التصعيد ونهيب بتلك الأطراف بذل مزيد من الجهود لرأب الصدع. وضرورة أخذ المصالح الأمنية المشروعة لكل الأطراف بعين الاعتبار. وندعو إلى الحاجة للتسوية السلمية للنزاعات عملاً بالقانون الدولي".
أما سفيرة الإمارات، لانا نسيبة، فقد شددت على نفس الرسالة خلال الجلسات الأربع التي عقدها المجلس حول أوكرانيا، وتمثلت بعدم إدانة الخطوات الروسية، بما فيها الاعتراف بالأقاليم المنفصلة، ولم تطالب بسحب القوات الروسية، وركزت في المقابل على التأكيد على ضرورة اللجوء للحوار مع تكثيف الجهود الدبلوماسية لدعم فرص السلام بالارتكاز للقانون الدولي. وكررت أن اتفاقات مينسك لا تزال تشكل أساساً جيداً للوصول إلى حل.
في مؤتمر صحافي مغلق عقده مسؤول أميركي رفيع المستوى مع عدد من الصحافيين المعتمدين لمقر الأمم المتحدة في نيويورك، وحضره "العربي الجديد"، كان من اللافت تشديد المسؤول الأميركي على نفس الرسالة في هذا السياق: أن هناك تغييراً بموقف الصين وأنها لم تدعم روسيا بصريح العبارة. ومن ضمن ما قاله "الحقيقة هي أن الإجراءات العدوانية الروسية هنا تنطوي على مخاطر بالنسبة للصين إلى جانب أي طرف آخر، وبصراحة، على الأقل من موقفي، ليس من مصلحة الصين تأييد صراع مدمر وأن تتحدى أوروبا ومبادئ السيادة ووحدة أراضيها التي تدعي أنها مهمة لها".
سيعتبر الجانب الأميركي امتناع الصين عن التصويت نصراً لدبلوماسيته، لكن سيجد إحراجاً في تفسير امتناع الإمارات أو الهند وحتى البرازيل إن حدث الليلة، كما تجري التكهنات هنا في نيويورك وراء الكواليس. وهذا ما يفسر ربما تهرب المسؤول نفسه، خلال المؤتمر الصحافي، من التعليق على عدم إدانة الإمارات والهند وبعبارات صريحة للخطوات الروسية.