رفع رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري جلسة انتخاب رئيس للجمهورية بعد فقدان النصاب في الدورة الثانية، مُحدداً الخميس المقبل موعداً لعقد الجلسة العاشرة التي من الممكن الاستعاضة عنها بالحوار تبعاً لنتائج المشاورات مع الكتل السياسية.
وجدّد بري دعوته للحوار الذي كان تكتلا "التيار الوطني الحر" (برئاسة النائب جبران باسيل) و"القوات اللبنانية" (برئاسة سمير جعجع) قطعا الطريق عليه في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وذلك في ظلّ وصفه المتكرّر لجلسات الانتخاب بـ"المسرحية" باعتبار أن التوافق هو المسار الوحيد نحو ملء الشغور الرئاسي.
وقال بري: "الجلسة الأخيرة لهذا العام الخميس المقبل، وآمل من اليوم وحتى ذاك التاريخ أن آخذ رأي الزملاء والكتل جميعاً في الحوار، فإذا ما حصل سأحوّلها إلى جلسة حوار، وإذا لم يحصل فسنذهب إلى السنة الجديدة".
ويواصل المسؤولون في لبنان دفع البلاد نحو الفراغ الرئاسي الذي يدخل شهره الثاني، وتعطيل المؤسسات، بينما سجل سعر صرف الدولار أرقاماً قياسية جديدة مع تخطيه عتبة الـ42 ألف ليرة لبنانية في مسار متوقع استمراره على وقع السجالات والمناكفات السياسية وغياب أي برنامج إصلاحي مشترط من قبل المجتمع الدولي لتوفير الدعم المالي اللازم للنهوض بالاقتصاد اللبناني.
تكتل باسيل يتمايز عن حليفه "حزب الله" ويوزع أصواته
ولم تشهد الجلسة التاسعة اليوم الخميس مفاجآت تمكّنت من قلب الموازين والخروج بانتخاب رئيس للجمهورية، بيد أنها سجّلت للمرة الأولى، تعادلاً في الأصوات بين الورقة البيضاء والنائب ميشال معوض، إذ حظي كل منهما بـ39 صوتاً من أصل 105 مقترعين، في تطوّر فرضه تكتل باسيل، كرسالة سياسية أراد توجيهها لحليفه "حزب الله" إثر الخلاف الحاد الذي أحدثته الجلسة الحكومية، والتي وصلت إلى حدّ وصف سياسيين في "التيار الوطني" تصرّف الحزب بعدم ملاقاة باسيل في المقاطعة الوزارية بـ"الغدر".
وتمايز تكتل باسيل هذه المرّة عن حلفائه، يتقدّمهم "حزب الله"، ووزّع أصواته بين الورقة البيضاء، ومرشح الأحزاب المعارضة ميشال معوض، والوزير الأسبق زياد بارود، ومدير عام الجمارك السابق بدري ضاهر المتهم بانفجار مرفأ بيروت، وأسماء أخرى اختارها من بوابة المناورة السياسية.
وقال مصدرٌ نيابيٌّ في "التيار الوطني" لـ"العربي الجديد": "لم نناور اليوم.. موقفنا عبّرنا عنه من تصرّف (حزب الله) بشكل صريح، ونحن لم نخرج عن قرار الحلف السياسي، فالورقة البيضاء كنا أول من سار بها، ودعمها قبل الآخرين، والآن نرى أن مواصلة إنزالها في صندوق الاقتراع لم يعد مجدياً، والأفضل السير بمرشح رئاسي".
وإذ أشار المصدر إلى أن التيار يدرس دعوة بري من جديد للحوار وإبداء الموقف منها، لفت إلى أن نواب التكتل ككلّ لم يسيروا اليوم بمرشح معيّن، لعدم وجود اتفاق على اسم، مشيرًا إلى أن التيار يدرس بشكل جدي ترشيح أحد أعضاء الكتلة، فيما سيعلن عن النتائج فور الوصول إليها.
وبحسب ما قال المصدر لـ"العربي الجديد"، فإنه لا يوجد أي فريق يستطيع فرض رئيس الجمهورية، مبينًا أن للتيار دورا أساسيا في عملية الانتخاب، ولا يمكن أن يقبل بفرض شخصية رئاسية سواء رئيس "تيار المردة" سليمان فرنجية أو غيره.
في المقابل، آثر نواب "حزب الله" عدم التعليق على خطوة "التيار الوطني الحر"، في وقتٍ، تحدثت معلومات عن لقاء جمع نوابا من الطرفين بعد الجلسة للتشاور بالمستجدات السياسية، لكن كان لافتاً، تصريح النائب في "حركة أمل" (يرأسها بري)، علي حسن خليل، الذي دائماً ما يصوّب بقوة على باسيل، الذي أكد عدم إعادة أي فريق لتموضعه أو وجود تبدل في أي مواقف من الأطراف.
وقال خليل للصحافيين: "من حق كل طرف أن يسير بالقرار الذي يقتنع به. ونحن على موقفنا من الورقة البيضاء ولا زلنا ندعو لفتح باب الحوار وكسر منطق التحدي وعلى كل طرف إعادة مراجعة موقفه بهذا الصدد، إذ إن الاستمرار بحالة المراوحة لن يوصلنا إلى نتيجة"، مشيراً إلى أن الجلسة الوزارية أعطيت ابعاداً كثيرة ووضعت بسياق سياسي، لكن من حضر تعاطى مع المسألة من موقع الضرورة.
وتوزعت الأصوات في جلسة اليوم على الورقة البيضاء 39 صوتا، بينما كانت في الجلسة الماضية قد حازت على 52 صوتاً، ومعوض على 39، فيما كان قد نال سابقاً 37 صوتاً، وهو مرشح الأحزاب: "القوات"، "الكتائب" (برئاسة النائب سامي الجميل)، "التقدمي الاشتراكي" (برئاسة وليد جنبلاط) وبعض نواب التغيير والمستقلين.
ونال الباحث والمؤرخ عصام خليفة 5 أصوات من بعض التغييريين والمستقلين، كما حاز شعار "لبنان الجديد" على 9 أصوات، وحاز صلاح حنين النائب السابق الذي أعلن حديثاً ترشحه للرئاسة على صوتٍ واحدٍ علماً أن نوابا من كتلة التغييريين كانوا بدأوا أولى الجلسات بالتصويت له قبل تشتت أصواتهم، في حين ذهب باقي الأصوات لأسماء أخرى واوراق ملغاة.
"حزب الله" يكسر صمته: باسيل أخطأ والتفسيرات السياسية أوهام
وكسر "حزب الله" اليوم صمته تجاه مواقف باسيل، وأشار إلى أن مسارعة بعض أوساط "التيار الوطني الحر" إلى استخدام لغة التخوين والغدر والنكث خصوصاً بين الأصدقاء هو تصرفٌ "غير حكيم"ٍ و"غير لائقٍ".
وقال إن "إعطاء مشاركتنا في جلسة الحكومة الاثنين تفسيرات سياسية على سبيل المثال، رسالة ساخنة في قضية انتخاب الرئيس، أو الضغط على طرف سياسي في الانتخابات الرئاسية، أو ليّ ذراع لأحد، أو استهداف الدور المسيحي أو ... كلّها أوهام في أوهام".
وأكدت العلاقات الإعلامية في "حزب الله" أن باسيل أخطأ عندما اتهم "الصادقين" بما لم يرتكبوه، وأن الكثير مما ورد في كلامه يحتاج إلى نقاش.
وأوضح "حزب الله" في بيان، أنه لم يقدّم وعداً لأحد بأن حكومة تصريف الأعمال لن تجتمع إلا بعد اتفاق جميع مكوناتها على الاجتماع، حتى يعتبر باسيل أن اجتماع الحكومة الذي حصل هو نكثٌ بالوعد، كما لم يقدّم وعداً للتيار بأنه لن يحضر جلسات طارئة للحكومة إذا غاب عنها وزراء التيار.
ولفت الحزب إلى أنه أخبر باسيل أنه في حال شارك التيار ورفض أي قرار في الجلسة سيتم احترام ذلك بناءً على أن القرار سيتخذ بإجماع مكونات الحكومة، إلا أنه عبّر عن موقفه المبدئي من أصل انعقاد الجلسة لحكومة تصريف الأعمال.
على صعيد آخر، بدأ مساعد وزير الخارجية الأميركي السابق ديفيد هيل والوفد المرافق جولته اليوم الخميس على المسؤولين السياسيين في لبنان، للبحث في الأوضاع العامة، والواقع السياسي والاقتصادي اللبناني.