تونس في 18 ديسمبر

12 سبتمبر 2022
من تظاهرة لمبادرة "مواطنون ضد الانقلاب"، مايو الماضي (Getty)
+ الخط -

يمضي الرئيس التونسي قيس سعيّد، وفق خطّ سيرٍ خاص، لا يتزحزح عنه ولا يُغيّره مهما حدث، منقطعاً عن أسئلة التونسيين الحارقة، وكأنه في قطيعة مع الواقع، ويتحرك وفق روزنامته الخاصة وترتيب أولوياته التي يراها، مهما كانت الأحداث في البلاد والمآسي التي تعيشها. لم يسمع الرئيس بمقتل الشاب محسن الزياني وسط العاصمة تونس، الأربعاء الماضي، برصاص الجمارك، أي برصاص الدولة الرسمي. لم يُعر لذلك أدنى اهتمام، ولم يتحدث لوزرائه عن الحادثة الكارثة، وكأنها لم تحدث.

لم يسمع الرئيس أيضاً بغرق العشرات من شباب البلاد في البحر في يوم واحد، هرباً من جحيم الجمهورية الجديدة، وبحثاً عن مركز إيواء أو سجن في الخارج يتهيأ لهم أنه يمكن أن يحترم كرامة الإنسان. وبعض هؤلاء الشباب من مدينة واحدة، مثل بوحجلة (القيروان) وجبنيانة (صفاقس)، ودّع أهاليها خيرة شبابها الأسبوع الماضي.

لم يسمع الرئيس بكل ذلك، أو ربما خُيّل إليه أنه ليس من الأهمية بمكان في جدول أعماله الحالي، طالما أنه ليس من كوارث "العشرية السوداء"، ولا من صنيع البرلمان المنحل.

سعيّد منشغل بالمناوئين الجدد الذين يحتكرون السلع، ويرتجل زيارات عشوائية لفلّاحين وتجار، وكأنها يمكن أن تغير شيئاً من حقيقة أن الدولة لا مال لها لتشتري هذه البضائع، أو كأن الشعب لا يفهم حقيقة أن الحكومة فقيرة.

وباستغراب شديد، طالع التونسيون بيان الرئاسة الذي تحدث عن زيارة الرئيس لفلاحين يوم الجمعة الماضي "يبيعون منتجاتهم بأسعار تغطي كلفة الإنتاج، ولا وجه للمقارنة بينها وبين الأسعار المعمول بها في عدد من الأسواق". هكذا، فلاحون وتجار لا يربحون، وكأن هناك تجاراً ملائكة وآخرين من الشياطين، وهو التقسيم نفسه الذي يُسقطه الرئيس على كل الفئات وفي كل المجالات: صادقون معه ومناوئون ضده.

وبكثير من الحسرة والحيرة، علّق متابعون على خبر وصول أولى الشاحنات المحملة بمادة السكر آتية من الشقيقة الجزائر.

ويعلق الأمين العام للحزب الجمهوري، عصام الشابي على صفحته في موقع "فسيبوك": "صور توحي بأن تونس بصدد التحول إلى مخيم كبير للاجئين في ظلّ العجز المتواصل لسلطة 25 جويلية (يوليو/تموز) عن إيجاد حلول للأزمة المستفحلة. الإنقاذ الوطني مهمة لا تحتمل التأجيل".

لا يكترث الرئيس بكل ذلك ولا يعبأ به، ينتظر آخر حلقة في خريطته التي فرضها على الجميع، الانتخابات التشريعية يوم 17 ديسمبر/كانون الأول المقبل، حتى يشرعن سلطته شكلياً، ويبدأ بتأسيس جمهوريته الجديدة، بينما معارضوه يحلمون بسقوطه وحده. يتهيأ لهم أنه لا يزال هناك وقت للثرثرة الأيديولوجية والهذيان الحزبي، إلى أن يستفيقوا يوم 18 ديسمبر وقد ضاع كل شيء.