توالت مواقف مكونات الجسم القضائي في تونس الرافضة للمرسوم الذي أصدره الرئيس قيس سعيد بحل المجلس الأعلى للقضاء وتعويضه بآخر معيّن.
وبعد مواقف جمعية القضاة التونسيين وجمعية القضاة الشبان واتحاد القضاة الإداريين، جدّد المجلس الأعلى للقضاء في تونس تمسّكه بقرارات جلسته العامة المتعلّقة برفض المرسوم عدد 11 لسنة 2022 المؤرّخ في 12 فبراير/شباط 2022، المتعلّق بإحداث مجلس أعلى مؤقّت للقضاء، باعتباره خطرا داهما على معنى الفصل 80 من الدستور.
وأضاف في بيان له مساء اليوم الاثنين، أنّ "المجلس مؤسسة دستورية أحدثها المشرّع الدستوري الذي له وحده صلاحيّة إحداث المؤسسات البديلة لها دون سواه من السلطة التشريعية الأدنى منه مرتبة".
معتبرا أن "إحداث ما سُمي بـ (مجلس مؤقّت للقضاء) بمقتضى المرسوم عدد 11 لسنة 2022 عمل معدوم ولا أثر له لتعارضه التام مع مبدأ الفصل بين السلطتين التأسيسيّة والتشريعيّة".
وحذّر المجلس الأعلى للقضاء من "تبعات توريط جزء من أعضائه بالصفة في المشاركة في تركيبته، ويهيب بهؤلاء في النأي بأنفسهم عن الاستجابة لذلك".
كما نبّه المجلس في بيانه، إلى "خطورة ما انطوى عليه المرسوم من انحراف في تطبيق الفصل 80 من الدستور واستعماله ذريعة، لا لرمي المجلس فحسب بالخطر الداهم الموجب لتعديل قانونه، وإنّما أيضا لتنزيل كافة القضاة تحت طائلة الفئات المعتبرة خطرا داهما، مبرّرا للإقدام انفراديا ودون إعلام مسبق ولا استشارة مجلسهم، على اتخاذ تدابير استثنائية ضدّهم".
وقال المجلس إن "المرسوم فيه مس بيِّن وجوهري بالحقوق الأساسية للقضاة، وإن الغاية من المرسوم لا صلة لها بإصلاح القضاء بقدر ما انحصرت في الإقدام على تنزيل القضاة منزلة الموظفين الخاضعين لإرادة السلطة التنفيذية من جهة، وفي إقصاء غير مبرر من جهة أخرى للأعضاء من غير القضاة، في تراجع واضح عما أقره الدستور من مبدأ انفتاح المجلس على سائر مكونات العدالة ( المحامين وعدول التنفيذ والأساتذة الجامعيين).
ونبه المجلس إلى أن "كل النصوص التشريعية، بما في ذلك المراسيم، تظل على الدوام خاضعة للضوابط التقييدية المنصوص عليها بالفصل 49 من الدستور الذي يُحجر على هذه النصوص المساس بجوهر الحقوق والحريات ويمنع النيل من مكتسباتها والتراجع عنها".
من جانب آخر، أكدت نقابة القضاة التونسيين، في بيان لها مساء اليوم الاثنين، "موقفها المبدئي المتمسك بالحفاظ على المكتسبات المكرسة لاستقلالية السلطة القضائية كسلطة من بين السلطات الثلاث في الدولة، مع ضرورة الإصلاح بما يدعم استقلاليتها ويؤسس لضماناتها الدستورية".
وشددت النقابة على أن "المنهج الإصلاحي يقتضي القطع مع منظومة الفساد وكل مظاهرها، كالقطع بصفة كلية مع كل تبعية للسلطة التنفيذية"، وبيّنت أن" المرسوم 11 (الخاص بحل المجلس الأعلى للقضاء وتعويضه بمجلس وقتي) كرّس في فصول منه تلك التبعية من خلال التعيين والإعفاء".
وذكرت النقابة "رفضها آلية الإعفاء كوسيلة ضغط وترهيب"، داعية إلى "المحاسبة دون ترذيل السلطة القضائية أو إخضاعها، وفتح الملفات في الأطر القضائية مع توفير ضمانات حق الدفاع ومبدأ المواجهة".
وأكدت النقابة أن "المرسوم 11 صيغ دون مشاركتها أو الرجوع إليها بالتشاور أو إبداء الرأي كهيكل ممثل للقضاة ودون اعتماد مقترحاتها وتصوراتها المقدمة لوزيرة العدل في 8 فبراير الماضي خلال اجتماعها بها على غرار بقية هياكل القضاء".
وأكدت النقابة "أهمية العمل النقابي كحق مكتسب يهدف إلى ضمان الحقوق والدفاع عن مصالح القضاة بعيدا عن التجاذبات أو توظيف سياسي وترفض كل مساس بهذا الحق".
وبينت أنها "سبق وأكدت على ضرورة اعتماد آلية الانتخاب فيما يتعلق بأعضاء المجلس الأعلى للقضاء تكريسا لحق القضاة في اختيار ممثليهم"، مؤكدة أن "الانتخاب يعد آلية الرقابة" و"اعتماد المرسوم 11 على آلية تعيين تركيبة قضائية فيها مساس بالحق الانتخابي للقضاة الذي يعد أساسا من أسس الإصلاح".
وشددت النقابة على أن "إصلاح المنظومة هو رؤية متكاملة ومترابطة وتشاركية غير مسقطة ولا تتلخص في هيكلة المجلس الأعلى للقضاء بل تفترض تكريسا لكافة الضمانات القانونية لإرساء استقلال حقيقي للسطة القضائية بعيدا عن الارتباطات السياسية أو تبعية للسلطة التنفيذية التي تخلفت عن دورها في توفير ظروف العمل الملائمة لحسن سير القضاء وتحسين بنية المحاكم".
بدوره، اعتبر اتحاد قضاة محكمة المحاسبات، أن "مرسوم المجلس الأعلى المؤقت للقضاء، يمثّل تدخّلا مباشرا في السلطة القضائية وضغطا على القضاة، ولن يساهم في إصلاح الإشكاليات الحقيقية للقضاء".
واعتبر الاتحاد، في بيان أصدره اليوم الاثنين، أن "المرسوم يمثّل تراجعا عن مكتسبات السلطة القضائية وخاصّة في الفصول 9 و19 و20 منه، حيث مسّ من الحقوق النقابية للقضاة المكفولة على مستوى الدستور والمواثيق الدولية، كما جعل المسار المهنيّ للقاضي (من الانتداب إلى الإعفاء) في تبعيّة للسلطة التنفيذية".
وجدد الاتحاد "تمسكه بمؤسسة المجلس الأعلى للقضاء باعتبارها ضامنة لاستقلالية السلطة القضائية"، مؤكدا أنّ "موافقته على الإصلاح كانت مشروطة بتشريك كافة القضاة، وبتعزيز ضمانات استقلالية ونجاعة الأجهزة القضائية مع مراعاة خصوصية محكمة المحاسبات من حيث مهامّها القضائية والرقابيّة".