تداعيات إيقاف رئيس "قلب تونس".. فصل جديد من الصراع

24 ديسمبر 2020
ايقاف القروي في قضية تبييض أموال(ياسين جيدي/الأناضول)
+ الخط -

أصدر القضاء التونسي، اليوم الخميس، بطاقة إيداع بالسجن (توقيف)، في حق المرشح السابق للرئاسة ورئيس حزب "قلب تونسنبيل القروي، في قضية تبييض أموال ينظر فيها القضاء منذ سنة ونصف.
وأكد المتحدث الرسمي باسم المحكمة الابتدائية في تونس محسن الدالي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن القطب القضائي المالي أصدر بطاقة إيداع بالسجن في حق القروي في قضية تبييض أموال.
وبين الدالي أن بطاقة الإيداع بالسجن التي أصدرها القضاء تتعلّق بقضية واحدة من مجموع قضايا تتعلّق بالقروي بعدما وجهت إليه تهمة تبييض الأموال بعد استكمال إجراءات الاختبار التي أذن بها القضاء.
وحول قرار الإيداع، قال المحامي نزار الجابري إن إصدار الدائرة القضائية بالقطب القضائي المالي، اليوم، لبطاقة إيداع بالسجن في حق القروي جاءت بناء على معطيات جديدة في ملف القضية عقب الاختبار الذي طالبت به الدائرة المتعهدة بالملف.
وأوضح الجابري، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن القضاء يصدر بطاقات الإيداع في الحالات التي تكون فيها المؤيدات حول الشبهة في القضية تحتوي على إدانة أو مثبتة للشبهات التي تحوم حول الشخص الذي تعلّقت به التهمة.

وأضاف أن القطب القضائي المالي المتعهد بقضية القروي طلب الاختبار من لجنة التحاليل المالية في قضية الحال، مرجّحاً أن تكون نتائج الاختبارات قد كشفت معطيات جديدة في الملف تدين القروي، وهو ما يبرر إصدار القضاء لبطاقة إيداع في حقّه بانتظار استكمال التحقيقات.
ومثل القروي، اليوم الخميس، أمام القطب القضائي في حالة سراح لاستكمال التحقيقات في قضية تبييض الأموال التي يواجهها مع شقيقه عضو البرلمان غازي القروي، قبل أن يتم إيقافه.
ويعود أصل القضية إلى شهر أغسطس/آب 2019 قبيل الحملة الانتخابية الرئاسية، حيث أوقف القضاء التونسي رئيس حزب "قلب تونس" نبيل القروي، بموجب مذكرة جلب صادرة بحقه، بعد شهر ونصف شهر من توجيه التهمة إليه وإلى شقيقه بتبييض أموال.
وأعلنت وزارة الداخلية التونسية حينها، توقيف القروي بموجب مذكرة جلب صادرة بحقه بعد شهر ونصف شهر من توجيه التهمة إليه وإلى شقيقه بتبييض أموال.

وتعليقاً على خبر الإيقاف، أكد المتحدث الرسمي باسم "قلب تونس" محمد الصادق جبنون، في تصريح مقتضب لـ"العربي الجديد"، أن خبر إيقاف القروي فاجأهم في الحزب، مشيراً إلى "أنهم لم يدرسوا بعد موعد عقد اجتماع الحزب للنظر في تداعيات الإيقاف".
وبين جبنون أن محامي القروي يتابع حالياً الملف.
بدوره، قال المحامي نزيه الصويعي، عضو هيئة الدفاع عن القروي، إن قرار إصدار بطاقة إيداع بالسجن من قبل قاضي التحقيق بالقطب القضائي الاقتصادي والمالي في حق موكله ''مفاجئ وصادم ولم يكن متوقعاً".
وقال نزيه الصويعي، في تصريح لإذاعة ''ديوان آف آم''، إن "هيئة الدفاع لا تعلم إلى حد الآن مبررات إصدار بطاقة الإيداع بالسجن"، معتبراً أنّ "هذا القرار جاء بعد ضغوطات سياسية"، بحسب قوله.
ويأتي توقيف القروي في ظرف سياسي تونسي شديد الحساسية، يتميز بحالة من التوتر الاجتماعي والإضرابات، وخلافات كبيرة تشق البرلمان، وصراع بين الكتل الداعمة للحكومة (النهضة وقلب تونس وائتلاف الكرامة)، وبقية الكتل المعارضة (الكتلة الديمقراطية من ناحية وكتلة الدستوري الحر من ناحية أخرى)، وسط دعوات لإسقاط الحكومة وحتى حل البرلمان.
وأمام هذا الوضع، برزت دعوات ومبادرات عديدة لإجراء حوار وطني لحل الأزمة تشرف عليه الرئاسة التونسية، إلا أن الرئيس قيس سعيد أكد بوضوح أنه لن يتحاور مع من سماهم بالفاسدين والملاحقين قضائياً، وأن مكانهم الطبيعي هو قصر العدالة، في إشارة واضحة لحزب "قلب تونس".
ولكن التداعيات الأهم لإيقاف القروي ستكون على توازنات المشهد عموماً وعلى التحالف الحكومي بالذات، ما يطرح سؤالاً مهماً على حركة "النهضة"، التي توصلت إلى هذا الترتيب بعد انفراط العقد بينها وبين "الكتلة الديمقراطية" وما كان يسمى بتحالف أحزاب "الثورة"، وسقوط حكومة إلياس الفخفاخ تبعاً لذلك، وهل ستعتبر اليوم أن ضرب القروي هو ضرب لها ولتحالفها الحكومي أم لا؟ خصوصاً أن هذا التحالف بدأ يستعد لإجراء تعديل وشيك على حكومة هشام المشيشي، ودخول قيادات سياسية معروفة أو شخصيات قريبة من أحزاب التحالف للتشكيل.

وستُبرز ردود الفعل في الساعات والأيام القليلة المقبلة ما إذا كانت هذه المتغيرات نتيجة ترتيبات واتفاقات سابقة أم أنها فصل جديد من الصراع المستمر منذ الانتخابات الماضية.
جوهرياً، لا يبدو أن إيقاف القروي يمكن أن يقود إلى حل سياسي فاعل ومستمر، لأن "النهضة" بوصفها أكبر كتل البرلمان كانت ترى أنها مستهدفة ومحاصرة من بقية الكتل، في حين وفّر لها التحالف مع "قلب تونس" فرصة جديدة للقيادة، ثم أنها جربت التحالف مع حركة "الشعب" والتيار الديمقراطي وفشلت في ذلك، وأمام حالة التشظي البرلماني لا تبدو البدائل كثيرة ومتاحة بالنسبة للجميع، وقد يتواصل التحالف الحكومي كما هو بغض النظر عن إيقاف شخص القروي، على الرغم من أنه سيضعف حزبه "قلب تونس" وسيكون مرتهناً بشدة لموقف "النهضة".
وربط مراقبون بين دعوات "إيقاف الشخصيات السياسية الفاسدة"، التي دعا إليها سابقاً الأمين العام المستقيل من التيار "الديمقراطي" محمد عبّو، وبين لقائه مساء أمس مع الرئيس قيس سعيد. وقال بيان مقتضب للرئاسة إنه "تم التطرق خلال هذا اللقاء إلى جملة من القضايا تتعلق بالوضع الذي تعيشه تونس في الوقت الراهن، وأكد خلاله رئيس الجمهورية أنّ الواجب يقتضي أن يتحمل كل مسؤول داخل الدولة، وفي مقدمتهم رئيس الجمهورية، المسؤولية كاملة في الحفاظ على الوطن وعلى استمرارية الدولة بكل مرافقها"، ولكن آخرين استبعدوا ذلك، باعتبار أن القضية مطروحة منذ أشهر وليست جديدة ويتعهد بها القضاء بعيداً عن تأثيرات تقلبات الساحة السياسية.
وفي كل الحالات، تشكل تداعيات إيقاف القروي فصلاً جديداً من محاولات إعادة ترتيب المشهد، أو بعثرته وتأزيمه أكثر، بما يدفع جميع الفرقاء إلى الجلوس على طاولة واحدة بغاية نزع فتيل هذا الصراع المستمر الذي أنهك المشهد التونسي وبحث توافقات الحد الأدنى أمام هذه الخلافات الجوهرية التي أرهقت التونسيين.

المساهمون