يعود ملف الأزمة السودانية ليحتل موقعاً متقدماً على أجندة أولويات الإدارة المصرية، لا سيما بعد إيقاف قوات الدعم السريع في السودان جميع الصادرات المتجهة إلى مصر من المناطق التي تسيطر عليها في دارفور غربي السودان وكردفان وسط البلاد، في خطوة تُثير القلق حول مستقبل وحدة السودان، خصوصاً مع رفض الحكومة السودانية والجيش هذه الخطوة واعتبارها "محاولة لفرض سلطة الأمر الواقع". ولم يتوقف التصعيد عند هذا الحد، بل إن "الدعم" تزيد من هجماتها على مناطق متفرقة بالسودان.
اعتداءات "الدعم السريع"
دانت وزارة الخارجية المصرية، في بيان مساء أول من أمس الأربعاء، "اعتداءات مليشيا الدعم السريع على المدنيين" في شرق ولاية الجزيرة وسط السودان (خلال الأسبوع الماضي)، مضيفة أنها "تتابع بقلق بالغ أحداث شرق ولاية الجزيرة والهجمات الشرسة التي قامت بها مليشيا الدعم السريع في هذه المنطقة، والتي استهدفت المدنيين الأبرياء العزل من أطفال ونساء وشيوخ". وذكر البيان أن مصر "تدين بأشد العبارات هذه الاعتداءات السافرة والتي أسفرت عن تهجير الآلاف من ديارهم، وشكلت انتهاكاً صارخاً لمبادئ القانون الدولي الإنساني"، مشدّداً على "ضرورة الحفاظ على المؤسسات الوطنية السودانية باعتبارها عماد الدولة والطريق الوحيد للحفاظ على وحدة وسلامة السودان". وكرّرت مصر في البيان "دعوتها إلى الوقف الفوري لإطلاق النار وتنفيذ مبادئ إعلان جدة (اتفاق مايو/ أيار 2023 بين الجيش وقوات الدعم السريع يركز خصوصاً على الملف الإنساني وتحييد المدنيين في الهجمات) حفاظاً على مقدرات الشعب السوداني، بما يتيح الاستجابة الإنسانية الجادة من كافة أطراف المجتمع الدولي، والتوصل إلى حل سياسي شامل يحقق ما يصبو إليه الشعب السوداني".
خلية إدارة أزمة من مسؤولين في وزارة الخارجية المصرية وجهاز المخابرات للتعامل مع تصعيد "الدعم السريع"
وتفيد معلومات "العربي الجديد" بتشكيل خلية إدارة أزمة مكونة من مسؤولين في وزارة الخارجية المصرية وجهاز المخابرات العامة، للتعامل مع الوضع الحالي في ظل تصعيد "الدعم السريع"، ومنعها تصدير سلع "استراتيجية" مهمة لمصر على رأسها اللحوم والزيت والفول، ما يمكن أن يؤثر سلباً على الأمن الغذائي المصري في وقت تعاني فيه البلاد أزمة اقتصادية شديدة نتيجة نقص العملة الأجنبية.
رفض الحلول السلمية
توضح الخبيرة المصرية في الشؤون الأفريقية نجلاء مرعي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن هذا التصعيد يعكس نية قوات الدعم السريع التمسك بالسيطرة ورفض الحلول السلمية، مشيرة إلى أن "الجيش السوداني عازم على سحق قوات الدعم السريع، وحقق تقدماً ملحوظاً خلال الفترة الأخيرة". وتعتبر مرعي أن وقف الصادرات إلى مصر يعكس تصعيداً متزايداً من قبل قوات الدعم السريع، مضيفة أن "تشكيل ما يُعرف بالإدارات المدنية في مناطق سيطرتها يشير إلى نيات للتوجه نحو حكم ذاتي"، خصوصاً بعد تصريحات من أحد مستشاري قائد قوات الدعم السريع الذي أشار إلى ضرورة تشكيل حكومة في المناطق التي تسيطر عليها قواته.
يُذكر أنه في 19 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، كتب الباشا طبيق، مستشار قائد "الدعم السريع" محمد حمدان دقلو "حميدتي" على منصة إكس: "أصبحت الحاجة إلى تشكيل حكومة في مناطق سيطرة قوات الدعم السريع ضرورة قصوى تقتضيها الاستجابة لرغبة أكثر من 35 مليون سوداني تحرمهم عصابة بورتسودان من حقوقهم الدستورية والقانونية المتمثلة في استخراج أوراقهم الثبوتية ومعاملاتهم المالية والتجارية والاقتصادية". والهدف، وفق طبيق، هو "العمل على خلق علاقات دبلوماسية مبنية على المصالح المشتركة مع الدول الشقيقة والصديقة للسودان وإيقاف النهب الممنهج لثروات الشعب، وأيضاً إنقاذ السودان من محور الشر الذي يدعم الإرهاب في العالم"، معتبراً أن "هذه الخطوة يجب أن تجد الترحيب والاعتراف الفوري من المجتمع الدولي للحفاظ على بقاء الدولة السودانية موحدة".
نجلاء مرعي: مصر حريصة على دعم الجيش السوداني بشكل غير مباشر
وتشير مرعي إلى أن مصر تشدد دائماً على استقرار وأمن السودان، مع رفضها القاطع التعاملَ مع أي "مليشيات مسلحة"، إذ تبقى مصر "حريصة على دعم الجيش السوداني بشكل غير مباشر للحفاظ على وحدة واستقرار السودان". وتوضح أن مصر "تعمل على تجنب التورط المباشر في الصراع لكنها تواصل تقديم الدعم الإنساني والإغاثي في مناطق النزاع، وتعمل على حشد المجتمع الدولي، بالتعاون مع دول الخليج، لبحث سبل الوصول إلى حلول للأزمة المتفاقمة التي تؤثر على أكثر من 25 مليون سوداني يعانون من انعدام الأمن الغذائي". وتعتبر مرعي أنه "في النهاية، جهود القاهرة كبيرة في الأزمة السودانية ومصلحة مصر في حقن دماء الشعب السوداني وتحقيق وقف شامل لإطلاق النار والحفاظ على مقدرات الدولة والشعب، ولذلك حشدت مصر المجتمع الدولي والولايات المتحدة الأميركية لإطلاق مجموعة تحالف السلام في السودان (متحالفون من أجل إنقاذ الأرواح والسلام في السودان أطلق في أغسطس/ آب الماضي) بمشاركة الإمارات والسعودية في تأمين طرق إلى دارفور وغيرها لتوصيل المساعدات، إذ تتخوف من تفاقم الأزمة الإنسانية التي وصلت إلى 25 مليون شخص يعانون في مرحلة من أسوأ مراحل انعدام الأمن الغذائي".
وتقول إن "مصر حريصة على استقرار السودان، لأن وزن الأمن القومي المصري مرتبط بالسودان وبأن يكون حل النزاع السوداني سودانياً". وبشأن الموقف المصري من التصعيد في السودان، يقول السفير السوداني السابق لدى الولايات المتحدة الأميركية الخضر هارون، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "مصر تدرك حجم المؤامرة الدولية والإقليمية التي تهدف إلى تمزيق السودان"، مشيراً إلى أن تماسك الدولة السودانية هو خط الدفاع الأول للحفاظ على استقرار المنطقة، بما في ذلك مصر. ويضيف أن القاهرة "بحكمتها السياسية ووعيها التاريخي"، ترى أن "انتصار الجيش السوداني هو الضمانة لبقاء السودان دولةً موحدةً".
معتصم عبد القادر الحسن: السودان يمثل أهمية استراتيجية كبيرة لمصر في ملفي الأمن والمياه
وفي السياق نفسه، يرى المستشار في الأكاديمية العليا للدراسات الاستراتيجية والأمنية اللواء معتصم عبد القادر الحسن أن "السودان يمثل أهمية استراتيجية كبيرة لمصر، لا سيما في ملفي الأمن والمياه"، موضحاً في حديث لـ"العربي الجديد" أن مصر، "ومن خلال عدة مبادرات دولية وإقليمية، تدفع نحو نزع فتيل الأزمة السودانية وتوحيد الجهود نحو حل شامل للأزمة، مؤكداً أن "مصر لن تتهاون في دعم وحدة السودان". ويشير الحسن إلى أن "هناك تناغماً واضحاً بين مصر والسودان، ومصالح مشتركة تجعل السودان جزءاً أصيلاً من التحالفات المصرية الأخيرة في منطقة القرن الأفريقي مع كل من الصومال وإريتريا مقابل إثيوبيا وحلفائها، لذلك يأتي سعي مصر لتقوية الدولة السودانية ومساعدتها في حسم التمرد وهزيمته سياسياً ودولياً وعسكرياً، ما يساعد الدولتين في العمل معاً لمجابهة القضايا والمهددات المشتركة في مجالات المياه والأمن والتعاون الاقتصادي وكافة المجالات الأخرى". ويعتبر أنه "مهما كانت طول أو قصر الفترة المتبقية من نهاية الأزمة السودانية، فإن التعاون المتبادل والمصالح الاستراتيجية هي السمة الخالدة للعلاقات بين البلدين".