منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، تجنّد الكنيست من التحالف الحاكم والمعارضة، في المجهود الحربي الإسرائيلي، وتوحّد في دعم الجيش وأهداف الحرب على غزة. وبات جزءاً من حملة التحريض والتجييش، ومن المنظومة العسكرية الأمنية، في ظل دعم كامل من المعارضة لأهداف وأدوات واستراتيجيات الحرب.
في الأسبوع الأخير عاد الكنيست من عطلة صيفية طويلة، وبدأ في مزاولة أعماله. من المتوقع أن يستمر الكنيست في هذه الدورة بتوفير الدعم الكامل للحرب وأهدافها، وتعطيل قسم من أدوات العمل البرلماني، ومواصلة سنّ قوانين داعمة للمجهود الحربي. بالتوازي، سيقوم الكنيست، كما رشح لغاية الآن من تصريحات أعضاء فيه ووزراء، بتعميق العنصرية وسياسات الإخراس تجاه المواطنين العرب وتقييد العمل والمشاركة السياسية والبرلمانية للأحزاب العربية. الحرب على غزة ولبنان وحّدت الأحزاب الإسرائيلية في الكنيست، وسهّلت سنّ قوانين عنصرية تجاه المجتمع العربي، لكن كل هذا لا يمنع عودة التصدعات والخلافات لعمل الكنيست، بعد مرور أكثر من عام على بداية حرب الإبادة على غزة.
الكنيست يتجنّد لتحقيق أهداف الحرب
بعد السابع من أكتوبر 2023 أقيمت ما سميت غرفة طوارئ في الكنيست، مشتركة من أعضاء كنيست من الائتلاف والمعارضة بهدف جمع الطلبات والاحتياجات الناشئة عن الميدان، والتعامل معها وتسهيل عمل الكنيست الداعم للحرب. منذ بداية الحرب على غزة بادر الكنيست إلى تعطيل أقسام أساسية من وظائف ومهام وصلاحيات الكنيست، بالتوافق بين التحالف والمعارضة. وتم تقليص أيام العمل في الكنيست (إلغاء يوم الثلاثاء بما هو يوم نقاش وطرح اقتراحات قانون)، بتوصية من الأجهزة الأمنية. وعلى سبيل المثال أجرى الكنيست 14 يوم نقاش فقط خلال أول شهرين من الحرب.
تراجع منذ أكتوبر 2023 استعمال أدوات الرقابة البرلمانية، منها الاستجوابات التي يقدّمها أعضاء الكنيست إلى وزراء الحكومة
بعد عودة الكنيست من العطلة الصيفية في العام الماضي، بتاريخ 16 أكتوبر 2023، أعلن رئيس الكنيست أمير أوحانا (بالتعاون مع مركز المعارضة من حزب يوجد مستقبل) عن قرار تقييد إمكانية استخدام الأدوات البرلمانية، منها الاستجوابات والاقتراحات لجدول الأعمال، واشتراط أن تتناول مواضيع متعلقة بالحرب، وبعد التنسيق بين التحالف والمعارضة.
كل هذا أدى إلى تراجع استعمال أدوات الرقابة البرلمانية، منها الاستجوابات التي يقدّمها أعضاء الكنيست إلى وزراء الحكومة. بالاعتماد على معطيات الكنيست حول الاستجوابات، نرى تراجعاً في استخدام أدوات الرقابة البرلمانية هذه، ففي الدورة الشتوية العام الماضي، تم تقديم 13 استجواباً فقط، وهو انخفاض كبير مقارنة بـ118 تم تقديمها في الفترة المقابلة عام 2022.
كما ازداد استعمال ما يسمى تشريع قوانين البرق (مسار تشريع مختصر)، التي تحرم الكنيست في واقع الأمر من القدرة على دراسة النتائج المترتبة على مشاريع القوانين بشكل معمّق ودقيق. وازداد استعمال إقرار قوانين بصيغة "أمر ساعة" أو قوانين مؤقتة. ولهذه الظاهرة عدة جوانب إشكالية، تتراوح بين القواعد غير الواضحة فيما يتعلق بانتهاء الأوامر المؤقتة، واستخدامها بهدف الحد من إمكانية المراجعة القضائية للقانون.
في جانب عمل لجان الكنيست، حدث انخفاض بنحو 40% في عدد الاجتماعات مقارنة بالدورة الصيفية من العام السابق. وكان الانخفاض في حجم الاجتماعات محسوساً طوال الأشهر الثلاثة الأولى للحرب، حيث تم عقد ما معدله 48 اجتماعاً كل أسبوع في جميع اللجان، مقارنة بمعدل 78 اجتماعاً أسبوعياً خلال فترة المقارنة. وفي الوقت نفسه، ارتفع عدد الاجتماعات السرية التي عُقدت خلال الأشهر الثلاثة الأولى بنسبة 216% مقارنة بالدورة السابقة. بالمجمل، يمكن القول إنه منذ السابع من أكتوبر 2023 تم تجميد العمل التقليدي للكنيست، وتقييد أدوات العمل البرلمانية التقليدية، وسيطرت الحرب على جدول عمل الكنيست، والعمل في حالة طوارئ في خدمة المجهود الحربي مثل باقي المؤسسات في إسرائيل. ومن المتوقع أن يستمر الحال كذلك في الدورة الحالية، بالتوازي مع استمرار سنّ قوانين عنصرية تجاه المجتمع العربي، وتقييد العمل والمشاركة السياسية.
دورة شتوية مليئة بالقوانين العنصرية
مع عودة الدورة الشتوية الحالية للكنيست التي افتتحت يوم الاثنين الماضي، بدأت أحزاب التحالف بطرح عدد كبير من القوانين العنصرية التي تهدف إلى استمرار وتعميق العنصرية والملاحقة السياسية، وتوسيع سياسات الإخراس تجاه المجتمع العربي، وتقييد إمكانيات المشاركة والتمثيل البرلماني للأحزاب العربية في الكنيست. من بين أبرز هذه الاقتراحات:
-تسهيل منع الترشح
أقرت الهيئة العامة للكنيست، يوم الأربعاء الماضي، مشروع قانون قدّمه رئيس الائتلاف الحكومي أوفير كاتس (حزب الليكود)، يهدف إلى توسيع المادة 7 أ من القانون الأساسي للكنيست، والذي يحدد أسباب إقصاء مرشحين او أحزاب من الترشح في انتخابات الكنيست.
قانون منع الترشح للكنيست بصيغته الحالية يقضي بمنع الترشح (شخص أو حزب) لمن يدعم بشكل واضح وممنهج "الكفاح المسلح" من قبل أي دولة أو منظمة "إرهابية" ضد إسرائيل. في حين أن الاقتراح الجديد لعضو الكنيست كاتس يدعو إلى توسيع دائرة المنع ليصبح التماهي مع "حدث واحد" أو "عملية واحدة" ضد إسرائيل يكفي لمنع الترشح. كما يُضعف القانون صلاحيات المحكمة العليا مقابل لجنة الانتخابات المركزية المخوّلة بشطب قائمة أو مرشح للكنيست. بذلك يرمي اقتراح القانون إلى توسيع الملاحقة السياسية لأعضاء الكنيست والأحزاب العربية، ومنعهم من إبداء أي موقف معارض للحرب والقتل والدمار التي تقوم بها إسرائيل على قطاع غزة، بحيث يمكن أن يؤدي أي موقف إلى اتهامهم بالتماهي ودعم الإرهاب، ويكفي لمنع ترشحهم في الانتخابات المقبلة.
أحزاب التحالف الحاكم بدأت بطرح قوانين عنصرية تهدف لتوسيع سياسات الإخراس تجاه المجتمع العربي
-عقاب جماعي لأسر منفذي عمليات
اقتراح قانون عنصري آخر أُقر بالقراءة الأولى في الهيئة العامة للكنيست يوم الثلاثاء الماضي، هو اقتراح قانون إبعاد أفراد عائلات منفذي "عمليات إرهابية" وفقاً لصيغة الاقتراح. قدّم مشروع القانون عضو الكنيست حانوخ ميليفتسكي، من حزب الليكود، مع أعضاء كنيست آخرين من أحزاب الائتلاف. وحسب مشروع القانون، بإمكان وزير الداخلية أن يأمر بطرد فرد من عائلة منفذ عملية إذا كان قد "علم مسبقاً بخطته لتنفيذ عمل إرهابي، أو عبّر عن تماثل مع العمل الإرهابي، أو نشر مديحاً له، أو إعجاباً أو تشجيعاً للعمل الإرهابي". ويقضي مشروع القانون بأن يكون الإبعاد إلى خارج إسرائيل والأراضي المحتلة في العام 1967، لمدة سبع سنوات إذا كان منفذ العملية مواطناً في إسرائيل، ولعشر سنوات إذا كان من سكان الأراضي المحتلة في العام 1967.
-توسيع صلاحيات الشرطة لقمع حرية التعبير
قدّم عضو الكنيست، تسفيكا فوغل من حزب عوتسماه يهوديت، اقتراح قانون يتيح لمحققي الشرطة اقتحام حواسيب وأجهزة محمولة ونسخ مواد منها بدون علم أصحابها، واستخدام هذه المواد لإدانتهم في المحاكم. يندرج هذا الاقتراح تحت محاولات وإجراءات متراكمة تنتهجها الحكومة الحالية لتوسع صلاحيات الشرطة، وهي بهذه الإجراءات تمس بالحقوق الأساسية للأفراد، وكل ذلك تحت حجة وغطاء مكافحة الجريمة. من المتوقع أن يستهدف هذا القانون المواطنين العرب بالأساس وفقاً لمؤسسة عدالة الحقوقية.
اقتراح قانون يرمي إلى إلغاء الحاجة لوجود تعليمات من النيابة العامة قبل فتح تحقيق في جرائم التحريض
كما قدّم رئيس لجنة القضاء والدستور في الكنيست سمحا روتمان من حزب الصهيونية الدينية اقتراح قانون مع مجموعة من أعضاء أحزاب اليمين المتطرف، يرمي إلى إلغاء الحاجة لوجود تعليمات من النيابة العامة قبل فتح تحقيق في جرائم التحريض. وفقاً للاقتراح، لن تحتاج الشرطة بعد الآن إلى موافقة النيابة العامة لفتح تحقيقات في جرائم التحريض على الإرهاب، كما هي العادة لغاية الآن. وبذلك يريد روتمان منع تدخّل النيابة العامة قبل فتح تحقيق في حالات ما يسمى التحريض على الإرهاب، وبذلك تسهيل فتح التحقيق والاعتقالات بدوافع فضفاضة وضبابية، والتي عادة ما تطاول في هذه الأنواع من التهم المواطنين العرب، وذلك على الرغم من أن النيابة العامة لم تضع أي عائق جدي أمام الشرطة في استعمال هذه الأدوات لغاية الآن، ووفقا للقانون الحالي.
ويهدف مشروع القانون إلى تعديل تعريف "جريمة التحريض على الإرهاب" في قانون مكافحة الإرهاب، إلى تقليل "امتحان الاحتمال" المطلوب حالياً بالنسبة لجريمة نشر كلمات مدح أو تعاطف أو تشجيع أو دعم أو تماهي مع عمل إرهابي، من "احتمال حقيقي" إلى "احتمال معقول" أن يؤدي النشر إلى ارتكاب عمل إرهابي.
هذه الاقتراحات التي طُرحت في الأيام الأولى للدورة الشتوية للكنيست، توضح نيات أحزاب التحالف الحكومي تجاه المجتمع العربي والأحزاب العربية، اللذين لم يخضعا لغاية الآن ولم يقبلا تبنّي الرواية الصهيونية في حرب الإبادة على غزة، وما زالا متمسكين برفض الحرب والقتل والدمار ويطالبان بإنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية وفقاً للقرارات الدولية. لكن يبدو أن هذا غير مقبول من أحزاب التحالف، ولا حتى الهدوء الكبير في البلدات العربية منذ بداية حرب الإبادة على غزة، وترغب هذه الأحزاب بفرض شروط جديدة للعمل والمشاركة السياسية بواسطة القانون.
الدورة الشتوية للكنيست ستمتاز إذاً باستمرار دعم أهداف الحرب على غزة وعلى لبنان، وستقدّم كل ما هو مطلوب للمؤسسة العسكرية وللجيش، وخصوصاً لقوات الاحتياط من دعم مالي ونفسي ومعنوي. كما ستستمر في سنّ قوانين عنصرية تجاه المواطنين العرب والسعي لتقييد العمل والمشاركة السياسية، خصوصاً البرلمانية. في المقابل لا يمكن إلغاء احتمال أن تعود التصدعات والخلافات السياسية التي تراجعت منذ السابع من أكتوبر 2023 بسبب الحرب، خصوصاً في ما يتعلق بمسألة تجنيد/إعفاء الشباب الحريدي من الخدمة العسكرية، وقضايا توزيع الميزانية وتمويل المجتمع الحريدي، وكذلك مواضيع تتعلق بالخطة الحكومة لتقييد القضاء، إلى الواجهة.
الوحدة حول المجهود الحربي والعداء تجاه المجتمع العربي، لا تعني اختفاء أو إلغاء التصدعات والخلافات السياسية بين مركّبات التحالف والمعارضة، أو حتى داخل التحالف نفسه، التي جُمدت منذ بداية الحرب.