تشدد بريطاني بمواجهة التطرف: تشكيك في جدوى الإجراءات الحكومية

04 فبراير 2020
قتلت الشرطة منفذ الهجوم بعد طعنه شخصين (الأناضول)
+ الخط -
لم تكد بريطانيا تنتهي نسبياً من الانشغال بملف الخروج من الاتحاد الأوروبي، بعدما غادرت التكتل رسمياً نهاية الشهر الماضي، حتى أعادت حادثة الطعن جنوبي لندن يوم الأحد الماضي الجدل بشأن نجاعة المعايير الحكومية في التعامل مع المحتجزين بتهم تتعلق بالتطرف. وفيما ترى المعارضة في وقوع هذه الاعتداءات فشلاً في الاستراتيجية الحكومية، تسمح هذه الأحداث لرئيس الوزراء بوريس جونسون، بإطلاق إجراءات جديدة للتعامل مع خطر الإفراج المبكر عن المدانين بتهم تتعلق بالإرهاب.

وتبنّى تنظيم "داعش" الاعتداء الذي نفذه الشاب سوديش أمان، البالغ من العمر 20 عاماً، في ستريثام جنوبي العاصمة البريطانية الأحد. وقالت وكالة "أعماق" التابعة للتنظيم، على تطبيق "تلغرام"، إن المنفذ "من مقاتلي الدولة الإسلامية، ونفذ الهجوم استجابة لنداءات استهداف رعايا دول التحالف" الدولي ضد التنظيم. وكان أمان قد هاجم المارة في ستريثام، وطعن شخصين بسكين سرقها، قبل أن تقتله الشرطة. وأمان، الذي ارتدى سترة ناسفة مزيفة، كان قد اعتقل لـ18 شهراً بتهمة حيازة مواد خاصة بتنظيم "داعش"، منها كتيبات تحتوي على توجيهات لإلحاق الأذى بالضحايا بمختلف أنواع السكاكين. وأطلقت الشرطة سراحه الشهر الماضي بعد قضائه نصف فترة العقوبة البالغة 3 سنوات وأربعة أشهر. وكان أمان لا يزال تحت مراقبة جهاز المخابرات الداخلية (إم آي 5). وتُماثل حالة أمان اعتداءً آخر وقع نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، عندما اعتدى عثمان خان (28 عاماً) على المارة في جسر لندن، مهاجماً شخصين على جسر لندن، ومرتدياً سترة ناسفة مزيفة أيضاً. وكان خان محتجزاً بتهم ارتباطه بخلية إرهابية نوت تفجير بورصة لندن، وخرج من السجن نهاية 2018 بإطلاق سراح مشروط.
وأعلنت الشرطة البريطانية أمس في بيان، تنفيذ مداهمات في منزلين بجنوب لندن ومنطقة بيشوبس ستورتفورد، وهي مدينة صغيرة شمال العاصمة. وأضافت: "لم تنفذ أي توقيفات، والتحقيق لا يزال جارياً على نحو مطرد".

وأعادت حادثة الطعن في ستريثام الجدل الذي تلا الاعتداء على جسر لندن قبل نحو ثلاثة أشهر، في مدى نجاعة المعايير الحكومية في التعامل مع المحتجزين بتهم تتعلق بالتطرف. وسريعاً، أكد جونسون، في كلمة له أمس الاثنين، رغبة الحكومة في وقف إطلاق السراح المبكر التلقائي للمدانين بتهم تتعلق بالإرهاب، وإن كانت المشكلة تتعلق في جزء منها بالتطبيق الرجعي لأي قوانين تُسَنّ حديثاً، في إشارة إلى إمكانية أن تعيد الشرطة اعتقال نحو 74 شخصاً آخرين أفرج عنهم في سياق برنامج الإفراج المبكر.
وأعلن جونسون نيّته طرح حزمة جديدة من القوانين للتعامل مع خطر الإفراج المبكر عن المدانين بتهم إرهابية، مضيفاً: "نحن نتقدّم بمشروع قانون لوقف نظام الإفراج المبكر التلقائي، لكن الصعوبة تكمن في... كيف يُطبَّق ذلك بأثر رجعي على الأشخاص الذين يتمتعون به في الوقت الحاضر"، متابعاً: "نعتقد أن الوقت حان لاتخاذ إجراء لضمان أن الأشخاص في الوضع القائم لا ينالون الإفراج المبكر التلقائي، بغضّ النظر عن مشروع القانون الذي نتقدّم به".

ونقلت صحف بريطانية عن مصدر حكومي قوله إن رئيس الوزراء قلق من عدم قدرة السجون ونظام الإفراج المبكر المشروط على تقييم مدى خطورة الإرهابيين وإبقاء ذوي الخطورة المرتفعة منهم خلف القضبان. وقال المصدر: "لقد اطلع رئيس الوزراء على التفاصيل، ومن الواضح الحاجة لتغيير الأمور. سيرى الجمهور ذلك، وسيسأل عن سبب عدم وجود هؤلاء خلف القضبان. ويشاركهم رئيس الوزراء في هذا الاعتقاد. لقد كان (أمان) تحت المراقبة. وتحركت الشرطة بسرعة كبيرة. لقد فعلوا جلّ ما استطاعوا عمله. إن المسألة تكمن في إطلاق سراحه في المقام الأول". وأضاف المصدر: "لقد كان تحت المراقبة، وهو ما سمح للشرطة بالقيام بعملها بسرعة. كان للأمر أن يسير باتجاه أسوأ مما جرى. كانت لدينا شكوك عندما كان في السجن، ولكن لم تكن لدينا السلطة لإبقائه خلف القضبان".


وكانت مفوضة الشرطة لوسي دورسي، قد أعلنت في بيان بعيد الاعتداء، الحادثة اعتداءً إرهابياً، مضيفة: "نعتقد أنها مرتبطة بالتطرف الإسلامي". وستركز التحقيقات على إمكانية وجود شركاء لأمان في تنفيذ الاعتداء، إضافة إلى كيفية تمكّن المهاجم من تنفيذ اعتدائه في فترة قصيرة بعيد الإفراج عنه في وضح النهار. إلا أن مكان تنفيذ الاعتداء بحد ذاته، في منطقة بعيدة عن مركز العاصمة لندن، يشير إلى إدراك أمان أنه كان تحت المراقبة.

ويتصاعد القلق من عدم قدرة مصلحة السجون البريطانية على التعامل مع أعداد المحتجزين لديها، فضلاً عن قدرتها على تمديد أحكام السجن الخاصة بالمتطرفين. إضافة إلى أن الاعتقاد بأن مثل هذا التمديد قد يؤدي إلى آثار سلبية عكسية. ولكن قدرات الشرطة والاستخبارات البريطانية على مراقبة كل الحالات المشابهة محدودة، ما يعني أن وضع أي شخص تحت المراقبة يشير إلى مدى خطورته. فطواقم مكافحة الإرهاب البريطانية تواجه مهمة صعبة في مراقبة مَن يُفرَج عنهم، إذ تضطر إلى الانتظار حتى الحصول على دليل قطعي يسمح بإعادة الاعتقال وبناء قضية ضدهم في المحاكم البريطانية. ومما يعقّد المسألة، أن الهجمات التي شهدتها بريطانيا في السنوات الأخيرة تعتمد التقنيات المنخفضة، مثل الدهس أو الطعن. وبالتالي يعتمد قرار الاعتقال على تقييم شامل لنيّة المشتبه فيه، فحيازة سيارة أو سكين ليست أمراً غير قانوني بحد ذاته. بل إن المهاجمين قد يلجؤون إلى الارتجال، إذ سطا أمان على متجر سارقاً منه سكيناً استخدمها في الطعن.

وكان جونسون قد تعهد خلال حملة الانتخابات الماضية بزيادة أعداد الشرطة، ووضع حد لحوادث الطعن التي انتشرت بشكل عام في العاصمة لندن، كجزء من إنجازات حكومته في أول 100 يوم لها في داونينغ ستريت. وجاء الاعتداء نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي فرصة له لتأكيد وعوده. إلا أن حكومته تذرعت منذ ذلك الحين بانشغالها بمسألة الخروج من الاتحاد الأوروبي، وعدم قدرتها على تعديل القوانين خلال تلك الفترة.
إلا أن وزارة الداخلية كشفت بداية العام الحالي عن عدد من الإجراءات في هذا السياق، التي تشمل رفع عقوبة السجن إلى 14 عاماً على الأقل بحق المدانين بتهم الارهاب، ونهاية للإفراج المبكر عن المدانين بتهم خطيرة مثل "التحضير لأعمال إرهابية أو إدارة منظمة إرهابية". وذكرت وزيرة الداخلية بريتي باتيل، أن مراجعة القوانين، التي أصدرت في 21 يناير/ كانون الثاني، تهدف إلى القيام بما هو ضروري لوقف هذه الاعتداءات. كذلك شملت السلطات الجديدة إخضاع المؤهلين للإفراج المبكر لفحص على جهاز "كشف الكذب" أو "البوليغراف"، للتأكد من نياتهم.

أما المعارضة البريطانية، فترى في وقوع هذه الاعتداءات فشلاً في الاستراتيجية الحكومية بشكل عام. فقد كان حزب العمال قد انتقد مراراً التقشف الحكومي في سنوات حكم المحافظين، الذي أدى إلى تراجع موارد الشرطة وأعدادها في الشوارع البريطانية. وتشمل انتقادات المعارضة أيضاً ضعف التنسيق بين المؤسسات الأمنية، إضافة إلى برنامج "بريفينت" الهادف إلى التعرف المبكر إلى الذين يتجهون نحو التطرف. وكان البرنامج الأخير قد نال قدراً واسعاً من الانتقادات لاعتماده معايير تعتمد التوصيف النمطي في تحديد "ذوي النزعة المتطرفة"، وعادة ما تنتهي ضد الأقليات المسلمة.
ومنذ عام 2005، يجري الإفراج عن أغلب المدانين بحيازة مواد متطرفة تلقائياً بعد قضاء نصف مدة المحكومية، بينما يقضون النصف الثاني منها في الخدمة المجتمعية. بينما يمتلك القضاة سلطة تأجيل هذا الإفراج التلقائي.