تحوّلت مواقف حزب "قلب تونس" وأبرز قياداته ونوابه بشكل غريب ولافت من مناهضة قرارات الرئيس قيس سعيّد الأخيرة واعتبارها انقلاباً على الدستور والبرلمان والمؤسسات، إلى مباركة غير مفهومة خلال الساعات الأخيرة، بشكل فتح أبواب التساؤلات حول أسباب هذا التحول غير المسبوق.
وفوجئ المتابعون من تحوّل موقف حزب "قلب تونس" رأساً على عقب بعدما رفض قرارات سعيّد في الساعات الأولى من يوم الاثنين، واصفاً إياها في بيان رسمي "بخرق جسيم للدستور ولأحكام الفصل 80 منه وأسس الدولة المدنية، وتجميعاً لكل السلطة في يد رئيس الجمهورية ورجوعاً بالجمهورية التونسية للحكم الفردي"، بلغ حدّ توصيفه بالانقلاب من قبل قيادييها، لتتحول نحو مباركتها ومناصرتها خلال الساعات الماضية.
واستغرب التونسيون، أمس الثلاثاء، تصريحات رئيس كتلة "قلب تونس" والرجل الثاني في الحزب أسامة الخليفي، التي قال فيها إن الرئيس التونسي أصاب في القرارات التي أعلنها يوم 25 يوليو/تموز وأنه يسجل بكل ارتياح أن قيس سعيد أصبح يقود المرحلة الآن.
وحول تجميد عمل البرلمان، قال الخليفي إن "الوضع فيه بلغ مرحلة من الفوضى لا يمكن أن تتواصل"، مشيراً إلى أنه "لم يكن من بين مسببي الفوضى"، حسب توصيفه.
وغير بعيد عن موقف الخليفي، قالت نائب رئيس الكتلة البرلمانية والقيادية بالحزب شيراز الشابي، في تصريحات، إن "قلب تونس" لم يكن يوماً على توافق مع "النهضة"، ولم يكن حليفاً لها، ولم تجمعه بـ"النهضة" شراكة ولا برنامج مشترك، مشيرة إلى أن "قلب تونس" صوّت لحكومة المشيشي وكان جزءاً من حزام برلماني مع عدد من الكتل الأخرى.
من جهته، قال النائب عن "قلب تونس" محمد السخيري إن الحزب قام بمراجعات بخصوص بعض القرارات، وهو يمدّ يده اليوم في المرحلة الجديدة مسجلاً بكل ارتياح تحمّل سعيّد المسؤولية في هذه الفترة، بحسب تعبيره.
بدوره، كتب النائب جوهر المغيربي تدوينة على صفحته، قال فيها "أتمنى التوفيق للرئيس في تشكيل حكومته الثالثة"، وإن كانت التدوينة تحتمل قدراً من السخرية، فإنها من جهة أخرى تنساق مع بقية التصريحات المباركة للقرارات التي كانت قبل ساعات توصف بـ"الخرق الجسيم" و"الخروج عن الدستور".
ويرى مراقبون أن "قلب تونس" يبحث عن التموضع في المشهد الجديد، بعد أشهر من التحالف مع حزب "النهضة"، مخيراً تركها بمفردها في مواجهة تحمل تبعات تردي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية.
وهذه ليست المرة الأولى التي يتخلى فيها "قلب تونس" عن تعهداته مع "النهضة"، فقد سبق أن تراجع عن توافقاته خلال تشكيل حكومة الحبيب الجملي الأولى، ليترك "النهضة" لوحدها، ما تسبّب في إسقاطها وسحب بساط اقتراح رئيس الحكومة منها لفائدة سعيّد.
ويرى متابعون أن الحزب يخشى على رئيسه نبيل القروي الملاحق قضائياً وشقيقه النائب بالكتلة غازي القروي أيضاً إلى جانب ما يحوم من شبهات حول نواب آخرين ذكرتهم منظمات مختصة في مكافحة الفساد، خصوصاً بعد التهديدات التي أطلقها سعيّد خلال إعلان قرار الإشراف على السلطة التنفيذية، ورفع الحصانة عن النواب ورئاسة النيابة العمومية لملاحقة من لديهم ملفات فساد وقضايا.
وتساءل رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية حول المغرب، والمستشار الرئاسي للرئيس الأسبق المنصف المرزوقي، عدنان منصر قائلاً: "أتابع التغيير السريع (وغير المفاجئ) لمواقف حزب قلب تونس مما يجري منذ مساء 25 يوليو وأتساءل: هل من أجل هذا الحزب قامت النهضة بكل تلك "التضحيات": إسقاط حكومة الفخفاخ، الحرب التي شنتها على حزب التيار، الخسائر الأخلاقية الأخرى الكبرى؟ كل ذلك من أجل هذا؟؟".
وأضاف منصر في تدوينة عبر حسابه في "فيسبوك": "هناك عبرة من كل ما يجري، والعبرة هنا بليغة، وإن كانت مكرّرة: الحسابات الصغيرة تؤدي إلى السقطات الكبيرة! لماذا لم يعد أحد يصدق أن "النهضة" متخوفة على الديمقراطية، وبالخصوص على الثورة؟ لأنها بمثل هذه التحالفات والممارسات والتكتيكات، أفرغت الأولى من مضمونها، وقتلت الثانية"، بحسب قوله.