تحديث الجيش الفيليبيني: رسالة ردع بمواجهة التهديد الصيني

24 مايو 2024
جنود من الجيش الفيليبيني خلال مناورات في لاواغ، 6 مايو (إيزرا أكايان/Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- الفيليبين تعزز قدراتها الدفاعية تحت قيادة الرئيس ماركوس جونيور، متخذة موقفاً حازماً ضد الصين وتعزز تعاونها العسكري مع الولايات المتحدة، أستراليا، واليابان لحماية حرية الملاحة.
- وافق الرئيس ماركوس جونيور على المرحلة الثالثة من تحديث الجيش بميزانية 35 مليار دولار لشراء معدات عسكرية متطورة، بما في ذلك أول غواصة في تاريخ البلاد.
- تواجه الفيليبين تحديات في تحديث جيشها بسبب نقص المهارات والقدرة على التعامل مع الأنظمة العسكرية الحديثة، وتعتبر الصين جهودها كجزء من استراتيجية "احتواء الصين".

شهدت الفترة الأخيرة اندفاعاً غير مسبوق نحو تحديث الجيش الفيليبيني وتجهيزه لمواجهة التحديات الإقليمية، وجاء هذا الحراك على وقع الصدامات المتلاحقة في منطقة بحر الصين الجنوبي بين قوات البحرية الفيليبينية ونظيرتها الصينية. وبرزت الحاجة إلى قدرات دفاعية متطورة في عهد الرئيس الفيليبيني فرديناند ماركوس جونيور، الذي اتخذ موقفاً أكثر صرامة تجاه الصين من سلفه رودريغو دوتيرتي. وعلى ضوء المخاوف المنبثقة من طموحات بكين في بحر الصين الجنوبي، لجأت مانيلا إلى تعزيز تعاونها العسكري والأمني مع الولايات المتحدة وأستراليا واليابان. وفي مطلع شهر مايو/أيار الحالي اجتمع وزراء دفاع اليابان كيهارا مينورو، والولايات المتحدة لويد أوستن، وأستراليا ريتشارد مارلز، والفيليبين جيلبيرتو تيودورو، في ولاية هاواي الأميركية. وأعلن الوزراء التزامهم بحماية حرية الملاحة في المنطقة.

كما أجرت قوات من هذه الدول مناورات بحرية مشتركة في المنطقة خلال الأشهر الماضية في رسالة دفاعية مباشرة ضد الصين. وكان الإجراء الأبرز في هذا الاتجاه، موافقة الرئيس الفيليبيني في شهر يناير/كانون الثاني الماضي، على بدء المرحلة الثالثة من تحديث الجيش الفيليبيني التي تضمنت شراء أول غواصة في البلاد. وتم تخصيص ميزانية عسكرية غير مسبوقة لشراء معدات عسكرية ضخمة بلغت قيمتها 35 مليار دولار ستنفق على مدار عشر سنوات. والمرحلة الثالثة من تحديث الجيش الفيليبيني جزء من برنامج التحديث العسكري الذي بدأ في عام 2013 لمواجهة التهديد الصيني. وشملت المشتريات العسكرية مقاتلات متعددة الأدوار وفرقاطات وصواريخ ورادارات، فضلاً عن فتح باب التفاوض لشراء غواصات حديثة.


لياو ليانغ: الجيش الفيليبيني يفتقر إلى المهارات

وحسب المتحدث باسم البحرية الفيليبينية روي ترينيداد، فإن المرحلة الثالثة من تحديث الجيش الفيليبيني أظهرت تغيراً في التركيز من الدفاع الداخلي إلى الدفاع الخارجي. وارتكزت المرحلة على "مفهوم الدفاع الأرخبيلي الشامل" الذي من شأنه تمكين البلاد من إبراز قوتها في المناطق المحتاجة إلى مزيد من الحماية. وأضاف: "قد لا نكون قوة بحرية كبيرة، ولكن سيكون لدينا قوة بحرية تعتني بحقوقنا الإقليمية وسيادتنا". وتعرّضت مانيلا لضغوط متزايدة من بكين بشأن جزر سبراتلي المتنازع عليها في بحر الصين الجنوبي، وذلك في ظل مطالبة الأخيرة بحقوق واسعة النطاق في المنطقة المتمتعة بمساحات صيد غنية، فضلاً عن اعتبارها طريقاً ملاحياً دولياً رئيسياً. وبالإضافة إلى الفيليبين، هناك أيضاً فيتنام وماليزيا وتايوان وبروناي ولكل من هذه الدول مطالب متداخلة مع بعضها البعض في المنطقة. وكانت الصين قد رفضت الاعتراف بحكم التحكيم الدولي لعام 2016 الذي رفض مطالباتها التوسعية في المنطقة. وأدرجت بكين ما وصفته بـ"جهود الولايات المتحدة لتعزيز تحالفاتها الأمنية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ" في إطار "احتواء الصين وتهديد الأمن والاستقرار الدوليين".

بناء الجيش الفيليبيني

في تعليقه على مساعي الفيليبين لتحديث جيشها، قال محرر الشؤون العسكرية في صحيفة كانتون الصينية، لياو ليانغ، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "مانيلا تحاول من خلال إعادة بناء قدرات الجيش أن توجّه رسالة ردع للقوات البحرية الصينية المتمركزة في منطقة بحر الصين الجنوبي". لكنه رأى أنه "لا يزال أمام مانيلا شوط طويل من العمل الشاق في خطط تحديث الجيش الفيليبيني لتشكيل جبهة ردع فعّالة، وذلك قياساً على قدرات جيشها الضئيلة لجهة العتاد وعدد القوات والموازنة العسكرية والقدرات الاقتصادية والتكنولوجية". وأوضح لياو أن "الجيش الفيليبيني الذي يبلغ قوامه حوالي 143 ألف جندي، من ضمنهم 85 ألفاً يشكلون القوات البرية، يفتقر إلى المهارات والقدرة على التعامل مع الأنظمة العسكرية الحديثة". ولفت في هذا الاتجاه، إلى أن "مانيلا لم تُخف رغبتها في شراء غواصات وقد تلقت عروضاً في وقت سابق من عدة دول من بينها: فرنسا وإسبانيا وكوريا الجنوبية. لكنها لم تقدم على هذه الخطوة لسببين: أولاً عدم وجود كفاءات في الجيش قادرة على التعامل مع أنظمة الغواصات الحديثة، ثانياً التكلفة العالية لهذه الغواصات (بلغت تكلفة الحصول على غواصتين فرنسيتين ما بين 70 و100 مليار بيزو فيليبيني، أي ما يعادل 1.25 إلى 1.80 مليار دولار) الأمر الذي حال دون إتمام صفقة محتملة بسبب ميزانية الدفاع الهزيلة في البلاد".


وانغ خه: واشنطن تتعامل مع مانيلا ورقةً للضغط على بكين

وأشار لياو إلى أن "تركيز مانيلا بموجب المرحلة الثالثة من خطة تحديث الجيش الفيليبيني سينصب على تعزيز القدرات البحرية، على حساب قطاعات أخرى، من بينها قوات المشاة، ووحدات المدرعات والمدفعية". وكشف أن "هناك رغبة حسب تصريحات المسؤولين في وزارة الدفاع بتعزيز القدرات المضادة للغواصات، بدلاً من امتلاك أسطول غواصات خاص نظراً لصعوبة ذلك والتكلفة العالية، وعدم وجود أوجه مقارنة مع الأسطول البحري الصيني". لكنه شدد في الوقت نفسه على أن "العداء الفيليبيني الصريح للصين من خلال تكثيف المناورات العسكرية مع دول الحلفاء وتعزيز القدرات العسكرية قد يؤدي إلى عواقب وخيمة وقد يشعل فتيل حرب في المنطقة، خصوصاً أنه من غير المرجح أن تتراجع بكين عن مطالبها وحقوقها في المناطق المتنازع عليها بغض النظر عن تحالفات الدول المعادية".

رسالة ردع من مانيلا لبكين

من جهته، قال الباحث في معهد الجنوب للدراسات الدولية الصيني، وانغ خه، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "تحديث الجيش الفيليبيني لا يعدو كونه محاولة لتوجيه رسالة رادعة لبكين، إذ تدرك مانيلا قدرات الصين البحرية وصعوبة مضاهاتها حتى في إطار تكتل دفاعي من حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة". ولفت إلى أن الصين تمتلك أكبر ترسانة عسكرية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، ولديها جيش يُصنف على أنه أكبر جيوش العالم (2.3 مليون عنصر)، كما أن قواتها البحرية تضم حوالي 300 ألف جندي، ينتشرون في بحري الصين الجنوبي والشرقي ومجهزون بأحدث المعدات والأجهزة العسكرية، إلى جانب الاحتفاظ بحاملتي طائرات (شاندونغ ولياونينغ) من بينهما واحدة محلية الصنع. وبالتالي لا مجال للمقارنة عند الحديث عن قدرات البلدين العسكرية". واعتبر وانغ أن "كل خطوة لمانيلا في هذا الاتجاه مدعومة أميركياً، لأن الولايات المتحدة تتعامل مع الفيليبين كورقة للضغط على الصين من أجل دفعها نحو التراجع عن حقوقها ومطالبها في منطقة حيوية تعيرها واشنطن الكثير من الأهمية". وشدّدت الصين مراراً على سيادتها على بحر الصين الجنوبي بأكمله تقريباً من خلال "خط النقاط التسع" الممتد بمسافة نحو 1500 كيلومتر قبالة البر الرئيسي الصيني، قاطعاً المناطق الاقتصادية الخاصة بفيتنام والفيليبين وماليزيا وبروناي وإندونيسيا.

المساهمون