تبدي الصين مخاوفها من نشر جنود يابانيين في شمال أستراليا، معتبرة هذه الخطوة تحولاً خطيراً في المنطقة. وتعهدت اليابان وأستراليا والولايات المتحدة الأحد الماضي بالتعاون العسكري الوثيق في تدريب قواتها، ووافقت على النشر المنتظم للقوات اليابانية في منطقة داروين بشمال أستراليا. وبموجب الاتفاقية الجديدة، سيتم نشر لواء الانتشار السريع البرمائي الياباني في داروين للعمل والتدريب بانتظام جنباً إلى جنب مع القوات الأسترالية والأميركية.
وبحسب موقع "ديفينس ون"، فإن لواء الانتشار السريع البرمائي الجديد في اليابان سينضم إلى التدريبات السنوية الأميركية الأسترالية التي تجريها قوة التناوب البحرية - داروين، بدءاً من "تاليسمان سيبر 2025" وصولاً إلى أول تدريب بالذخيرة الحية للدفاع الجوي والصاروخي في نسخة 2027 من التدريبات. وذكر الموقع نقلاً عن وزير الدفاع الأسترالي ريتشارد مارليس أن التنسيق المتزايد بين اليابان وأستراليا والولايات المتحدة سيجري في إطار هيكل جديد يسمى المشاورات الدفاعية الثلاثية. وتستضيف داروين، عاصمة الإقليم الشمالي في أستراليا، حوالي 2000 من مشاة البحرية الأميركية بالفعل لمدة ستة أشهر من العام. ويُعزى الانتشار العسكري إلى القلق المتزايد بين واشنطن وحلفائها بشأن القوة العسكرية المتنامية للصين في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.
تحول في اليابان نحو العسكرة
وذكرت صحيفة غلوبال تايمز الحكومية الصينية أن الاتفاق الثلاثي يشير إلى تحول خطير في اليابان نحو المزيد من العسكرة، وأن هناك مفارقة كبيرة نظراً لأن داروين كانت قاعدة رئيسية لقوات الحلفاء في الحرب العالمية الثانية وتعرضت لقصف مكثف من قبل القوات اليابانية لدرجة أنها وصفت بأنها "بيرل هاربور أستراليا". وأضافت أن اجتماع الدفاع الثلاثي يكشف عن أجندة واضحة: تعزيز التعاون العسكري في منطقة آسيا والمحيط الهادئ بما يتماشى مع استراتيجية الولايات المتحدة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.
ونقلت الصحيفة الصينية عن تشين هونغ، مدير مركز الدراسات الأسترالية في جامعة شرق الصين، قوله "إن التعاون الذي تروّج له اليابان وأستراليا بتحريض من الولايات المتحدة يهدد بلا شك السلام والاستقرار الإقليميين، ويثير المخاوف بين دول المنطقة وشعوبها". وأضاف: بصرف النظر عن حقيقة أن اليابان وأستراليا تعملان ركائزَ لاستراتيجية الولايات المتحدة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، فإن هذه الخطوة جاءت على خلفية اتفاقية الوصول المتبادل بين اليابان وأستراليا، والتي يُنظر إليها باعتبارها تحالفاً شبه عسكري يسمح لكلا البلدين بإرسال أفراد عسكريين ونشر معدات عسكرية بشكل متبادل.
ليو تشوان: ما يحدث في محيط الصين لا يعدو كونه تنفيذاً دقيقاً لاستراتيجية الولايات المتحدة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ
في تعليقه على هذه الخطوة، قال الأستاذ في جامعة صن يات سن الصينية ليو تشوان، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن كل ما يحدث في محيط الصين لا يعدو كونه تنفيذاً دقيقاً لاستراتيجية الولايات المتحدة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ التي تصور بكين باعتبارها تهديداً وعدواً افتراضياً، وحلفاء واشنطن في المنطقة ليسوا سوى أدوات تنفيذية، وكل ما يقدمون عليه يخدم في الأساس المصالح الأميركية. وبشأن تداعيات ذلك، أوضح ليو أن مثل هذه الاتفاقيات الأمنية تعزز العسكرة في منطقة عُرفت خلال العقود الماضية بدورها البارز في قيادة التنمية العالمية، ويبدو أن ذلك لم يرق لواشنطن، لذلك تعمل على زعزعة الاستقرار وتحشيد القوات العسكرية لتحويل هذا الحيز الجغرافي إلى بؤرة متأهبة للحروب والصراعات بما يعيق عجلة التنمية ورخاء وازدهار شعوب المنطقة.
وأضاف: من ناحية أخرى هناك تداعيات خطيرة تتعلق بالأمن الوطني الصيني وميزان القوى، إذ إن جميع الترتيبات العسكرية التي وقّعتها واشنطن مع حلفائها سواء اليابان أو الفيليبين أو كوريا الجنوبية وحتى تايوان، تمنح القوات الأميركية هامشاً كبيراً للمناورة في محيط الصين، متابعاً: لا ننسى أن الجيش الصيني خاض حرباً في خمسينيات القرن الماضي في شبه الجزيرة الكورية كي لا يمنح موطئ قدم للقوات الأميركية على الحدود الشمالية الشرقية للبلاد، لذلك تتابع بكين من كثب هذه التحركات، وتبقى في حالة تأهب قصوى ضد أي تهديدات محتملة.
أزمات كبيرة في المحيطين الهادئ والهندي
من جهته، اعتبر الخبير في العلاقات الدولية بمركز تايبيه (تايوان) للدراسات السياسية وان زانغ، في حديث مع "العربي الجديد"، أن أي ترتيبات أمنية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ ليست بالضرورة موجّهة ضد طرف محدد، وهي بطبيعة الحال تندرج ضمن البروتوكولات الدولية بين الحلفاء، حتى الصين نفسها التي تعترض على مثل هذه الإجراءات لديها أنشطة عسكرية واتفاقيات أمنية مع حلفائها داخل الإقليم وخارجه، وبالتالي لا يجب تصوير كل خطوة من هذا النوع بأنها تهديد مباشر لبكين. وأضاف: لدى حلفاء واشنطن أيضاً مصالح وأجندات خاصة، مرتبطة بالتهديدات القائمة، على سبيل المثال: لدى كوريا الجنوبية واليابان مخاوف مشتركة بشأن أنشطة كوريا الشمالية النووية، أيضاً الفيليبين لديها نزاعات بحرية مع الصين، والهند كذلك دخلت في صدامات حدودية مع الجيش الصيني، ناهيك عن التوترات الأمنية في مضيق تايوان، وكل هذه العوامل مشتركة تشير إلى حجم الأزمات التي تعصف في المنطقة، لذلك نحن لا نتحدث عن مكان آمن ومستقر. ولفت إلى أن الولايات المتحدة لديها أيضاً مصلحة في تعزيز مبيعات الأسلحة، والتي قد تزدهر مع وصول دونالد ترامب إلى السلطة، حسب قوله.
وان زانغ: لدى حلفاء واشنطن مصالح وأجندات خاصة مرتبطة بالتهديدات القائمة
يشار إلى أن الحكومة الأسترالية أعلنت في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي عن اتفاقية بقيمة سبعة مليارات دولار أسترالي (4.7 مليارات دولار أميركي)، مع الولايات المتحدة لشراء صواريخ بعيدة المدى لتعزيز دفاعها الجوي والصاروخي. وقالت بكين في حينه إن إعلان كانبيرا عن صفقة صواريخ مع واشنطن يثير مخاوف بشأن الاستقرار الإقليمي. وأضافت أنه في إطار استراتيجية المحيطين الهندي والهادئ الأميركية، تسعى واشنطن جاهدة إلى إنشاء نظام هيمنة تحت قيادتها، ولأنها لم تعد قادرة على معالجة التحديات الدولية بشكل مستقل، عملت على تعزيز قوتها من خلال التحالفات والشراكات الدولية.