تحديث الترسانة العسكرية للصين: ضرورة أمنية أم استعراض للقوة؟

26 يونيو 2024
مناورة للجيش الصيني في غانزو، 20 يونيو 2024 (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- هيئة الإذاعة والتلفزيون الصينية تبرز قدرات حاملة الطائرات "فوجيان" كأكبر سفينة حربية تعمل بالطاقة التقليدية، مع التأكيد على استخدام تكنولوجيا المنجنيق الكهرومغناطيسي لتعزيز قدرات إطلاق الطائرات والصواريخ "فاير دراغون" ذات القدرة على إغراق السفن الأميركية.
- تحديث الصين لترسانتها العسكرية تحت قيادة شي جين بينغ يشمل خفض القوات وزيادة الاعتماد على التكنولوجيا والموازنة الدفاعية، في إطار سعيها لبناء جيش بقدرات عالمية بحلول 2050 وتأكيد قدرتها الدفاعية.
- الصين تستخدم التحديث العسكري كأداة سياسية لتعزيز موقفها إقليميًا وإرسال رسائل ردع، مع الإشارة إلى الفارق الشاسع بين قدراتها والقدرات الأميركية، مما يدفعها للتركيز على استعراض القوة أمام جيرانها وتحالفات واشنطن.

كشفت هيئة الإذاعة والتلفزيون الصينية (سي سي تي في) نهاية الأسبوع الماضي، عن معلومات جديدة متعلقة بقدرات حاملة الطائرات الصينية "فوجيان"، التي وصفتها بكين بأنها أكبر سفينة حربية عاملة بالطاقة التقليدية في العالم، وسط تساؤلات متزايدة حول الاهتمام الإعلامي في بكين بالإعلان عن الترسانة العسكرية للصين وحتى الاحتفاء بالتحديثات التي تطرأ عليها. وقالت الهيئة في تقريرها: "كان يُعتقد سابقاً أن السفن التي تعمل بالطاقة النووية هي وحدها القادرة على توليد ما يكفي من الكهرباء، لإطلاق الطائرات باستخدام تكنولوجيا المنجنيق الكهرومغناطيسي". وأوضحت أن "هذه التقنية تسمح بإطلاق الطائرات بشكل متكرر أكثر، وإقلاع الطائرات الأثقل من سطحها". وسبق أن تمّ إطلاق "فوجيان" في يونيو/حزيران 2022، وهي ثالث حاملة طائرات صينية، والأولى التي تم بناؤها باستخدام تصميم محلي. وقد أنهت السفينة في مايو/أيار الماضي رحلتها في بحري الصين الجنوبي والشرقي، وقد نُظر إلى إبحارها في تلك المناطق على أنه رسالة إلى جميع الأطراف حول القدرات القتالية لجيش التحرير الشعبي الصيني. وقبل أيام قليلة أيضاً، سلطت صحف صينية رسمية الضوء على دراسة حديثة للجيش الصيني، كشفت أن صواريخ فاير دراغون الصينية قادرة على إغراق السفن الحربية الأميركية. وتطرقت الدراسة إلى أن الصاروخ البالستي التكتيكي المعروف باسم "فاير دراغون 480"، والذي تم تصديره إلى الشرق الأوسط، سيكون قادراً على إغراق طراد أميركي من فئة تيكونديروغا الموجودة في البحر الأحمر، وذلك وفقاً لمحاكاة كمبيوتر أجراها الجيش الصيني في مايو/أيار الماضي. وأوضحت الدراسة أنه مع التنسيق الوثيق بين سرب من الطائرات من دون طيار واعتماد تكتيكات جديدة، فإن هناك حاجة إلى ستة من هذه الصواريخ الموجهة طويلة المدى في المتوسط لتدمير سفينة حربية أميركية كبيرة.


لين وي: الصين ربما تكون الوحيدة في التاريخ الحديث، التي جُند ضدها أكبر التحالفات الدولية 

تحديث الترسانة العسكرية للصين

أثارت التحديثات الأخيرة تساؤلات حول الترسانة العسكرية للصين ودوافعها. تاريخياً، عُرف عن الصين أنها صاحبة أكبر جيوش العالم عددياً، إذ بلغ تعداد الجيش الصيني حالياً حوالي 2.3 مليون جندي، وقد أُخذ عليها خلال العقود الماضية اهتمامها بالكمّ على حساب الجودة، أي أنها لم تلق بالاً لمسألة التحديث العسكري، وظل جيشها لعقود طويلة غير مؤهل في العتاد والقدرات القتالية، فضلاً عن أن آخر حرب خاضها الجيش الصيني كانت ضد فيتنام في عام 1979. لكن مع وصول الرئيس الحالي شي جين بينغ، إلى السلطة في عام 2013، اختلف الأمر تماماً إذ أطلق عملية تحديث الترسانة العسكرية للصين بصورة شاملة. وشهدت هذه العملية خطط بناء وإصلاحات كبيرة كان أبرزها: خفض قوات الجيش في مقابل الاعتماد على التكنولوجيا العسكرية، وزيادة موازنة الدفاع، وتعزيز القدرات القتالية، وكذلك إصدار قواعد جديدة للتجنيد في الجيش الشعبي، منها: استقطاب خريجي الجامعات الذين لديهم خلفيات علمية وهندسية، لتحقيق هدف شي، المتمثل في بناء جيش بقدرات عالمية بحلول عام 2050. وكشفت الصين في شهر مارس/آذار الماضي، عن زيادة في ميزانيتها العسكرية بنسبة 7.2 في المائة، لتبلغ 665 مليون يوان (نحو 231 مليار دولار). وشهد عام 2019 أعلى زيادة في ميزانية الدفاع بنسبة 7.5 في المائة بقيمة 1.19 تريليون يوان (نحو 163 مليار دولار)، واعتبرت آنذاك ثامن زيادة على التوالي في ميزانية الدفاع الصينية، في انعكاس لمخاوف بكين الأمنية والعسكرية في عهد شي.

ودائماً ما أثار إعلان الصين ميزانياتها العسكرية حفيظة الولايات المتحدة، باعتبارها مؤشراً على تقييم بكين للأمن القومي، رغم أن الصين بعيدة عن حجم الإنفاق الأميركي البالغ 886 مليار دولار خلال العام الحالي. ولطالما جادلت بكين بأنها في حاجة إلى سد الفجوة مع الولايات المتحدة، وأن الزيادة في الإنفاق العسكري لأغراض دفاعية، بينما رأت واشنطن أن تحديث الترسانة العسكرية للصين انعكاس لطموحات بكين وتهديد للأمن في منطقة المحيطين الهادئ والهندي.

وفي تعليقه على مسألة تحديث الترسانة العسكرية الصينية وأسبابها، رأى الباحث في معهد جيانغ شي للدراسات السياسية، لين وي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن هناك ضرورة أمنية بعيداً عن أي اعتبارات وتأويلات سياسية أخرى. وأضاف: نحن نتحدث عن دولة لديها نزاعات حدودية مع أغلب جيرانها في الشرق والجنوب والغرب، كما أن الصين ربما تكون الدولة الوحيدة في التاريخ الحديث، التي جُند ضدها أكبر وأقوى والتحالفات الدولية بقيادة الولايات المتحدة بذريعة مواجهة التهديد الذي يشكله الصعود الصيني اللافت في عدة قطاعات ومجالات، خصوصاً الاقتصاد والتكنولوجيا. وبالتالي فإن هذه الاعتبارات والمخاوف كانت حاضرة في ذهن القادة السياسيين منذ إطلاق سياسة الإصلاح والانفتاح في أواخر سبعينيات القرن الماضي. واعتبر لين أن هناك قناعة كانت راسخة أن الغرب لن يتقبل فكرة أن تقود دولة نامية عجلة الاقتصاد، كما أن الولايات المتحدة لن تتقبل فكرة الشراكة التي تدعو لها الصين ومسألة إنشاء عالم متعدد الأقطاب. لكنه لفت إلى أن تحديث الترسانة العسكرية للصين بدأ في عهد الرئيس شي جين بينغ، الذي كان الأكثر التزاماً مقارنة بأسلافه بالعقيدة القتالية للجيش. ورأى لين أن الصين في عهد شي أكثر ثباتاً وقوة في مسألة الذود عن الحقوق والدفاع عن السيادة الوطنية.


تشون داي: هناك فارق شاسع بين قدرات الصين العسكرية ونظيرتها الأميركية

العسكرة ورقة سياسية

في المقابل، أبدى الخبير في الشؤون الآسيوية تشون داي، المقيم في تايوان، اعتقاده أن الصين تستخدم مسألة التحديث العسكري ورقة سياسية في معادلة التوازنات الإقليمية، وأنها ترسل من خلال تسليط الضوء على ترسانتها العسكرية، رسائل إلى جيرانها الإقليميين على وجه الخصوص، بأنها قادرة على الردع والوقوف ضد أي تحالفات دولية وإقليمية تستهدفها. وأضاف تشون في حديث لـ"العربي الجديد"، أن كوريا الجنوبية واليابان والهند والفيليبين، وهي دول لديها مشاكل مع الصين، وسعت إلى الدخول في تحالفات أمنية وعسكرية مع الولايات المتحدة من أجل تحقيق درجة من التوازن في مسألة الردع. واعتبر أن الأمر ينطبق تماماً على تايوان التي عززت أخيراً علاقاتها بالولايات المتحدة، وحصلت قبل أيام على صفقة جديدة من الأسلحة الأميركية بقيمة 360 مليون دولار. وأضاف تشون أنه لذلك تبدو بكين حريصة على استعراض قوتها أمام جيرانها للتأكيد على تفوقها العسكري في المنطقة. أما في ما يتعلق بالولايات المتحدة، فقال إن هناك فارقاً شاسعاً بين قدرات الصين العسكرية ونظيرتها الأميركية، وبكين تدرك ذلك تماماً، وهو الأمر الذي حال، دون إقدام بكين على توحيد (استعادة) تايوان بالقوة العسكرية. واعتبر أن هناك حالة من الردع الأميركي في منطقة المحيطين الهادئ والهندي، وبالتالي فإن أي استعراض للقوة من قبل الصين موجه إلى دول الجوار وحلفاء واشنطن الإقليميين.

المساهمون