سقوط بشار الأسد.. ديكتاتور حكم دولة قمعية وانتهى فارّاً

08 ديسمبر 2024
صورة ممزقة لبشار الأسد، 8 ديسمبر 2024 (دليل سليمان/ فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- نظام الأسد وتاريخ الحكم: حكم آل الأسد سوريا لمدة 54 عامًا، بدءًا من حافظ الأسد الذي أسس نظامًا ديكتاتوريًا قمعيًا، وانتقل الحكم إلى بشار الأسد. رغم الآمال بالإصلاح، عاد النظام لقمع الحريات وتدهورت الأوضاع السياسية والاقتصادية.

- الثورة السورية وتداعياتها: بدأت الثورة في 2011 مطالبة بإصلاحات، لكن قمع النظام أدى لتحولها لصراع مسلح. انشق الجيش وشكل "الجيش الحر"، واستعان الأسد بحلفاء مثل حزب الله وإيران وروسيا، مما أدى لتقسيم سوريا إلى مناطق نفوذ.

- الوضع السياسي والدولي: قطعت الدول علاقاتها مع الأسد وطالبت بتشكيل هيئة حكم انتقالي. رغم استخدام الأسلحة الكيميائية، لم يتدخل المجتمع الدولي بفعالية. استمرت روسيا وإيران وتركيا في تمييع الحلول السياسية، وبقي الأسد في السلطة.

بشار الأسد حكم سورية بالقمع إلى سقوطه اليوم على يد فصائل المعارضة

استخدم نظام الأسد السلاح الكيميائي ضد المدنيين في أكثر من جريمة

بشار الأسد مسؤول عن مقتل مئات آلاف السوريين وتشريد الملايين منهم

شكل سقوط نظام بشار الأسد لحظة تحول مفصلية في تاريخ سورية الحديث، التي حكم فيها آل الأسد البلاد 54 عاماً، بدأت في عام 1970 بحكم حافظ الأسد، حكم فيها البلاد نحو ثلاثين عاماً أسس خلالها نظاماً استخباراتياً ديكتاتورياً قمعياً، أورثه لابنه بشار بعد وفاته في عام 2000، الذي حكم سورية منذ ذلك التاريخ إلى سقوطه اليوم على يد فصائل المعارضة والشعب الثائر في كل أنحاء البلاد.

بشار حافظ الأسد هو الابن الثاني لحافظ الأسد وأنيسة مخلوف، من مواليد دمشق 11 سبتمبر عام 1965، تلقى تعليمه في مدرسة اللاييك الفرنسية بدمشق، وتابع دراسته الجامعية في كلية الطب بجامعة دمشق، وأكمل في تخصص طب العيون في بريطانيا، حيث تعرّف هناك إلى أسماء الأخرس، التي تزوجها بعد توليه السلطة خلفاً لأبيه وأنجب منها ثلاثة أبناء، هم: حافظ، وزين، وكريم.

اختير بشار من قبل والده لرئاسة سورية، بعد وفاة أخيه الأكبر باسل عام 1994 في حادث سير غامض، والذي كان يُعَدّ لهذه المهمة، فأصبح بشار البعيد عن السياسة خيار الضرورة لدى حافظ الأسد، الذي استدعاه من بريطانيا من أجل إعداده ليكون وريثه في الحكم. وفي عام 2000، توفي حافظ الأسد وعُدِّل الدستور بتخفيض سنّ رئيس الجمهورية إلى أكثر من 34 عاماً بعد أن كان الدستور ينص على وجوب تجاوز الرئيس الـ40 عاماً، بهدف فتح الطريق دستورياً أمام بشار لتولي رئاسة البلاد.

بروباغندا تثبيت حكم بشار الأسد

رغم تعيين بشار الأسد من قبل النظام الأمني الذي أسسه والده، ما استوجب تعديل الدستور على مقاسه، ورغم تنصيبه أميناً عاماً لحزب البعث وقائداً عاماً للجيش والقوات المسلحة، إلا أن الكثير من السوريين استبشروا بقدومه خيراً، لكونه رئيساً شاباً إصلاحياً ومنفتحاً على الغرب، وبسبب البروباغدا التي نسجتها السلطة حوله شخصاً يسعى للتغيير ومحارباً للفساد، ومطلقاً للحريات. ومما زاد من شعبيته بداية تسلمه السلطة إطلاقه حملة لمكافحة الفساد في مؤسسات السلطة التنفيذية، وإصداره قانون المطبوعات، الذي سمح بإصدار صحف خاصة، وغضّ الطرف عن انتقاد السلطة، سواء من خلال المطبوعات أو من خلال الأعمال الفنية والدرامية، وإطلاقه للحريات العامة، وسماحه للمنتديات السياسية والثقافية التي كانت محظورة في عهد والده بالنشاط من جديد، بالإضافة إلى طرحه فكرة التحديث الاقتصادي في البلاد. إلا أن فترة الازدهار هذه، والتي سميت بـ"ربيع دمشق"، لم تدم أكثر من عام بدأ بعدها بتقييد الحريات وإغلاق المنتديات وإعادة المعارضين السياسيين إلى السجون دون محاكمات، وتفعيل القوانين التي تحاسب المواطنين على آرائهم بحجج واهية، مثل وهن عزيمة الأمة وإضعاف الشعور القومي، وغيرها من التهم، لتتحول سورية إلى دولة أمنية كما كانت في عهد والده.

وفي عام 2003، بالتزامن مع الغزو الأميركي للعراق، ساءت علاقته بالغرب بسبب موقفه المعارض للغزو، وأقرت الولايات المتحدة بحقه "قانون محاسبة سورية"، الذي فرض عليه عقوبات، بعد اتهامه بتهريب أسلحة إلى العراق. وفي عام 2005، وجهت اتهامات لنظام بشار الأسد بالتواطؤ مع حزب الله اللبناني بالضلوع في اغتيال رفيق الحريري رئيس وزراء لبنان، في ذلك الوقت، ما أدى إلى زيادة الضغوط الدولية عليه وإجباره على سحب الجيش السوري من لبنان بعد نحو ثلاثين عاماً من وجوده هناك.

وفي عام 2006، قاد بشار الأسد عملية تحول اقتصادي في البلاد، من الاقتصاد الاشتراكي إلى اقتصاد السوق الاجتماعي، دون امتلاك الحكومة السورية لأدوات هذا التحول، فرفع الدعم عن السلع الأساسية، وعن حوامل الطاقة التي كانت تدعمها الحكومة بسبب تدني الدخل، دون إيجاد بدائل لهذا الرفع، الأمر الذي أدى إلى رفع كلف الإنتاج الزراعي والصناعي وانتشار الفساد الذي تحولت التجارة من خلاله إلى وكالات حصرية لمتنفذين في الدولة، ما أدى إلى انتشار البطالة وإلى حركة هجرة واسعة من مناطق الإنتاج الزراعي شمال شرقي سورية إلى أطراف المدن الكبرى، مثل دمشق وحلب. وأدى أيضاً إلى ارتفاع نسبة الجريمة، وظهرت بوادر جرائم منظمة في سورية، كذلك تسببت بموجة غليان شعبي كانت على وشك الانفجار.

الثورة السورية

في عام 2011 انطلقت مظاهرات في كل من دمشق ودرعا، تأثراً بثورات الربيع العربي في كل من تونس ومصر، تطالب بإصلاحات سياسية وإطلاق الحريات العامة، سرعان ما تحولت إلى مظاهرات حاشدة تطالب بإسقاط النظام بسبب قرار الأسد مواجهتها بالرصاص وقتل المتظاهرين، الأمر الذي أدى إلى اتساع رقعة الاحتجاجات في كل الجغرافية السورية، فردّ عليها الأسد بإرسال الجيش إلى المدن والبلدات ومحاصرتها بالدبابات، ما دفع الكثير من عناصر هذا الجيش إلى الانشقاق عن النظام وتشكيل ما عرف باسم "الجيش الحر"، الذي أسسه المقدم حسين الهرموش، بهدف حماية المتظاهرين السلميين. وبالتوازي مع تصعيد النظام باستهداف المنتفضين على حكمه واستخدامه الطائرات بقصف المدنيين، تشكلت فصائل من أهالي المناطق المنتفضة والجنود المنشقين وشكلت مجالس عسكرية، فعمد الأسد إلى إخراج سجناء متهمين بالإرهاب من سجن صيدنايا لتشكيل فصائل إسلامية متطرفة منحت الأسد ذريعة لتصوير نفسه أمام المجتمع الدولي بأنه يحارب مجموعات إرهابية. وفي المقابل، استقدم الأسد حزب الله من لبنان ومليشيات تابعة لإيران لتسانده في حربه ضد السوريين، وتشكل فرع لتنظيم القاعدة سُمي "جبهة النصرة"، التي انقسمت فيما بعد إلى تنظيمي "داعش" و"جبهة النصرة"، سيطرت الأولى على محافظتي دير الزور والرقة، فيما بدأت الأخرى بابتلاع فصائل معارضة شمال غربي سورية، وشكلت تحالفاً مع "حركة أحرار الشام" وفصائل أخرى، وتمكنت من السيطرة على كل محافظة إدلب وجزء من ريف حماة الشمالي وجزء من ريف اللاذقية الشرقي، وريف حلب الغربي. كذلك سيطرت فصائل جنوب سورية على محافظة درعا، وسيطرت الفصائل الموجودة بدمشق على غوطة دمشق الشرقية، وسيطرت فصائل محافظة حمص على ريف حمص الشمالي.

في عام 2015، شارف نظام بشار الأسد على السقوط، فاستعان بحليفه الأقوى روسيا، التي تدخلت لمساندته متبعة سياسة الأرض المحروقة، مكنته من خلالها من استعادة معظم المناطق التي خسرها، وأعادت مناطق ريف حمص الشمالي والغوطة الشرقية ودرعا، من خلال سياسة الحصار والتجويع وفرض مصالحات هجرت خلالها كل من لم يقبل بتلك المصالحات إلى شمال غرب سورية.

في العام 2015 شارف نظام بشار الأسد على السقوط فاستعان بحليفه الأقوى روسيا

وفي شمال شرق سورية، دعمت الولايات المتحدة تشكيل "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) في عام 2015 بهدف محاربة تنظيم "داعش"، التي تمكنت بدعم من التحالف الدولي من طرد التنظيم من المنطقة التي أصبحت تحت سيطرة "قسد"، واعتبرتها تركيا تهدد أمنها القومي.

وفي شمال غرب سورية، دعمت تركيا فصائل معارضة شكلت الجيش الوطني السوري المعارض، ومكنته من خلال ثلاث عمليات عسكرية من السيطرة على مناطق الباب وعفرين ورأس العين وتل أبيض، لتتحول سورية إلى مناطق نفوذ لفصائل وقوى سورية مدعومة من دول مختلفة، وتحولت إلى مركز لقواعد عسكرية لكل من روسية وإيران والولايات المتحدة وتركيا، بالإضافة إلى قواعد لبعض الدول الغربية مثل بريطانيا وفرنسا، ولتنتقل القضية السورية من قضية شعب ثائر في وجه نظام مستبد إلى صراع نفوذ ومصالح بين الدول المتدخلة في القضية السورية.

الأسد سياسياً

أما على الصعيد السياسي، فمنذ بداية الثورة السورية قطعت جامعة الدول العربية علاقاتها بنظام الأسد وجمدت عضويته في جامعة الدول العربية. كذلك بدأت الدول الغربية بقطع علاقاتها تباعاً بنظام الأسد. وفي عام 2012، اجتمعت مجموعة من الدول الفاعلة في جنيف تحت مسمى "أصدقاء الشعب السوري" طالبت بتشكيل هيئة حكم انتقالي في سورية، وبدعم الثورة السورية. وفي عام 2013، استخدم النظام السلاح الكيميائي ضد المدنيين في غوطتي دمشق، وتسبب بمقتل أكثر من 1500 شخص، فصدر في العام نفسه القرار 2118 عن مجلس الأمن الذي قضى بتجريد النظام من سلاحه الكيميائي. لكن الأسد عاد واستخدم السلاح الكيميائي عدة مرات بعد قرار مجلس الأمن دون أي تدخل يذكر من المجتمع الدولي، ليستمر الأسد بقتل السوريين من خلال مختلف صنوف الأسلحة، دون أي تدخل دولي بسبب استخدام روسيا حق الفيتو على كل مشاريع القرارات التي تدين الأسد.

وفي عام 2015، صدر القرار 2254 عن مجلس الأمن الذي يقضي بتشكيل هيئة حكم انتقالي مفتاحاً للحل السياسي في سورية، خلال مدة ستة أشهر، إلا أن الأسد رفض الدخول في العملية السياسية فعلياً بمساندة من روسية، من خلال كسب الوقت وعدم إحراز أي تقدّم في تطبيق القرار الذي اختُزِل بلجنة دستورية لم تنجز أي بند من الدستور المزمع إنجازه.

وفي عام 2017، ابتدعت موسكو بالتشارك مع إيران وتركيا مساراً جديداً للحل السياسي بديلاً لمسار جنيف القائم على القرار 2254، واستطاعت من خلاله تمييع القرار الأممي واستعادة معظم المناطق التي كانت بحوزة المعارضة لسيطرة النظام، واقتصر دور هذا المسار على خفض التصعيد بين المعارضة والنظام الذي لم يلتزمه النظام. ولم يعترف بشار الأسد بالمعارضة السورية السياسية التي شكلت منذ نهاية عام 2011 المجلس الوطني، ومن ثم الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة عام 2012، ولم يتعاطَ معها سياسياً، وحتى هيئة التفاوض التي شُكِّلَت عام 2017 بهدف التوصل إلى حل سياسي لم يتعاطَ بإيجابية أو يعترف بها باعتبارها مكوناً سورياً.

بشار الأسد مسؤول عن مقتل مئات آلاف السوريين وتشريد الملايين منهم وتهجيرهم، وعن استنزاف موارد الدولة السورية في سبيل بقائه في السلطة، بالإضافة إلى تدمير الكثير من المدن والبلدات على رؤوس أصحابها بمختلف أنواع الأسلحة، وها هو اليوم يسقط مع منظومة الاستبداد التي يرأسها لتنتصر إرادة الشعب السوري.

المساهمون