بايدن والفلسطينيون: عودة للانخراط محكومة بإرث ترامب

19 مارس 2021
تمادى اليمين الإسرائيلي في سلب حقوق الفلسطينيين (نضال اشتيه/Getty)
+ الخط -

تتفاوت التقديرات كثيراً، وكذلك التوقعات، في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بين ما ينتظره الفلسطينيون من الإدارة الديمقراطية الجديدة في البيت الأبيض، وبين ما ترغب به السلطة الفلسطينية، وما تريده إسرائيل. وعلى الرغم من عودة إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى دعم وإحياء "حلّ الدولتين" كسبيل وحيد لتسوية قابلة للاستمرار في الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني، إلا أنها لم تبد منذ تسلمها السلطة رسمياً، وحتى قبلها، أي مؤشرات لنيتها العودة عن قرارات مفصلية اتخذتها الإدارة السابقة في عهد دونالد ترامب، لنسف أي قابلية لديمومة الروح في هذا المسار. وحتى مع التأكيد أخيراً على تحضير إدارة بايدن لخطة لإحياء العلاقات مع الفلسطينيين، قد تسمح بالعودة عن "أجزاء من نهج ترامب"، تتكرس الخشية من أن يصبح النهج الذي فرضه الأخير، وسياسة "الإملاءات" التي رفضها الفلسطينيون، ممّراً إلزامياً لأي تسوية مستقبلية محتملة، تدفع "السلطة الفلسطينية"، وأي "سلطة" منتخبة جديدة، لتقديم المزيد من التنازلات.

لم تبد إدارة بايدن أي مؤشرات لنيتها العودة عن قرارات مفصلية اتخذتها إدارة  ترامب

ومع إعداد إدارة بايدن لخطتها لإحياء العلاقات الأميركية – الفلسطينية، التي انقطعت رسمياً تقريباً منذ العام 2017، مع بداية خروج وتطبيق إدارة ترامب تدريجياً لخطتها "للسلام" التي أرادت إملاءها على الفلسطينيين، والتي باتت تعرف بـ"صفقة القرن"، وهدفها تصفية القضية الفلسطينية، لا يبدو أن الخطة الجديدة المرتقبة، ستتخطى إعادة الانخراط مع "السلطة الفلسطينية"، الحالية أو التي ستفرزها الانتخابات الفلسطينية التشريعية والرئاسية المقرر أن تنطلق في مايو/أيار المقبل، مع وعود أيضاً بـ"تحسين حياة الفلسطينيين"، وفق شروط.

هذا الانخراط، سيكون على الأرجح محكوماً بعدد من المتغيرات التي لم تُبدِ إدارة بايدن استياءها منها، ومنها ما أنجزته الإدارة السابقة لجهة العمل على تحييد الصراع عن بُعده العربي الرسمي تدريحياً، عبر فتح مسار تطبيع إسرائيلي - عربي، شمل إلى الآن الإمارات والبحرين والسودان والمغرب، وهو مرشح للارتفاع. كما سيكون محكوماً بالواقع الذي فرضته إملاءات ترامب، وقراراته التي انحازت إلى مصالح اليمين الإسرائيلي بشكل تام، وأهمها الاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأميركية إليها. ولا تبدو إدارة بايدن في استعجال من أمرها، كذلك، لبلورة خطّتها، على أن تقتصر أولى الخطوات العملية على إعادة فتح مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، وعودة ضخّ المساعدات للفلسطينيين ولوكالة "أونروا" والتي جمّدتها الإدارة السابقة. 

وتعكف إدارة الرئيس الديمقراطي، على وضع خطّة لإعادة إحياء العلاقات الأميركية مع الفلسطينيين، والتي كانت انهارت تقريباً في عهد الرئيس الجمهوري السابق. وبحسب مسودة مذكرة داخلية، فإن الرؤية الأميركية هي "لتعزيز الحرية والأمن والرخاء لكلّ من الفلسطينيين والإسرائيليين على المدى القريب"، وإنها قابلة للمراجعة، وفق ما أكدت مصادر تحدثت لوكالة "رويترز"، كما تتضمن الإشارة إلى "دعم الجهود للحصول على التزام فلسطيني بإنهاء المدفوعات للأفراد الذين سجنتهم إسرائيل على خلفية أعمال إرهابية"، أي مخصصات الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال. ونُقل عن الوثيقة أنّه يمكن الإعلان عن مساعدات بقيمة 15 مليون دولار للفلسطينيين، بحلول نهاية مارس/آذار الحالي، للتصدّي لوباء كورونا.

وقال مصدران من وزارة الخارجية الأميركية، مطلعان على المذكرة، إن العمل الذي لا يزال جارياً في هذا الخصوص، هو "في مراحله الأولية، لكنه سيشكل في نهاية المطاف أساساً للتراجع عن أجزاء من نهج ترامب"، الذي ندّد به الفلسطينيون باعتباره منحازاً جداً لإسرائيل، من دون توضيح أي أجزاء سيتم التراجع عنها. وأكد مصدر رفض الكشف عن هويته، أن الوثيقة ستخضع للمراجعة، وأن أيّ نسخة نهائية ستتطلب مراجعة من الوكالات. ورفضت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية جالينا بورتير، التعليق لـ"رويترز"، على المسودة.

ومنذ أن تسلّم بايدن منصبه في 20 يناير/كانون الثاني الماضي، أكد مساعدوه أنهم يعتزمون إصلاح العلاقات مع الفلسطينيين، وتعهدت هذه الإدارة بإعادة ضخّ مئات ملايين الدولارات كمساعدات اقتصادية وإنسانية للفلسطينيين، والعمل على إعادة فتح مكتب "منظمة التحرير" في واشنطن، كما كانت واضحة في أنها ملتزمة بهدف إحياء التفاوض حول "حلّ الدولتين". ولم يتواصل بايدن بعد مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، الذي كان هنّأه باكراً بفوزه بانتخابات الرئاسة الأميركية التي جرت في 3 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، كما تأخر بايدن في التواصل مع رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، شهراً كاملاً تقريباً منذ تنصيبه.

ويجري العمل أميركياً على الخطة، فيما تنتظر إسرائيل انتخابات مبكرة للكنيست في 23 مارس الحالي، هي الرابعة في غضون عامين، ويجري السباق فيها بشكل رئيسي بين منافسين من اليمين الإسرائيلي، وحيث يسعى رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو إلى البقاء في المشهد السياسي، هو الملاحق بتحقيقات فساد، مستنداً خصوصاً على ما منحه ترامب لليمين الإسرائيلي وحزب "الليكود"، والذي لم تقدمه أي إدارة أميركية سابقة لإسرائيل. وعلى المقلب الآخر، ينتظر الفلسطينيون انتخاباتهم، التي برهنت تجربة سابقة أن المجتمع الدولي لا يتوانى عن فرض سلاح العقوبات والمقاطعة إذا ما لم تأت على مقياس توجهاته.

وكانت الإدارة الأميركية الجديدة، قد فتحت باب التواصل مع وجوه من القيادة الفلسطينية الحالية، التي رحبّت بفوز بايدن بالرئاسة، واستقبلته بإنهاء "أزمة المقاصة"، لتعود وتتسلم أموال "المقاصة" من دولة الاحتلال، وهي أموال الضرائب التي تجبيها إسرائيل نيابة عن وزارة المالية الفلسطينية في الضفة الغربية. ويأتي ذلك علماً أن السلطة الفلسطينية لم تقطع التنسيق الأمني مع واشنطن، بعد إعلانها قطع التواصل مع الإدارة السابقة اعتراضاً على تدحرج بنود "صفقة القرن". وفي الأول من فبراير/شباط الماضي، أكد رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية، وعضو اللجنة المركزية في حركة "فتح"، رئيس هيئة الشؤون المدنية الفلسطينية، حسين الشيخ، التواصل مع مسؤول ملف الشؤون الفلسطينية والإسرائيلية في الخارجية الأميركية، المعين من قبل إدارة بايدن، هادي عمرو، حول سبل إعادة العلاقات الفلسطينية - الأميركية. وكانت السلطة قد بدأت اتصالات مع فريق بايدن خلال حملة الرئاسة.

مصدران في الخارجية الأميركية: الخطة ستشكل أساساً للتراجع عن أجزاء من نهج ترامب

وإذا كان ترامب قد أفرغ بانحيازه التام لإسرائيل خيار "حلّ الدولتين" من تفاصيله الأساسية، فإن أي مؤشرات لم تصدر بعد عن إدارة خلفه تدل على أنها تملك تصوراً واضحاً وحقيقياً لكيفية إعادة إحياء التفاوض حول هذا المسار، وذلك في ما يتعلق بمسائل أساسية كوضع القدس، وحق العودة، وغيرها. وكان وزير الخارجية الأميركي الجديد، أنتوني بلينكن، أكد أن الإدارة الجديدة، لن تعود عن قرار نقل السفارة إلى القدس المحتلة، أو الاعتراف بالقدس عاصمة لـ"دولة إسرائيل". كذلك، رحّبت إدارة بايدن بالتقارب المتسارع بين تل أبيب ودول عربية، وبقطار التطبيع، وأكدت نائبة بايدن، كامالا هاريس، في اتصال مع نتنياهو فور تسلمها منصبها، "التزام الولايات المتحدة الراسخ بأمن إسرائيل".

كما أن التنديد الديمقراطي في البيت الأبيض، حول التغول الاستيطاني في القدس والضفة المحتلتين، قد لا يتخطى ذلك، مع تواصل الهجمة اليمينية غير المسبوقة لشرعنة الاستيطان ضمن سياق تصفية القضية الفلسطينية. وكانت وزارة الخارجية الأميركية، في عهد مايك بومبيو، قد انقلبت في العام 2019، على الموقف الأميركي التقليدي من الاستيطان، معلنة أن وجود المستوطنات في الضفة الغربية "لا يتعارض في حدّ ذاته مع القانون الدولي".

أما داخلياً، فمن المؤشرات المقلقة أيضاً على استمرار إدارة بايدن بالعمل والتعويل على مفاعيل إرث ترامب، عدم تراجعها عن أي من خطوات الإدارة السابقة الداخلية، التي تماهت مع رؤية التيارات المتطرفة واللوبيات الإسرائيلية وأهداف التيار الإنجيلي، حيث ذهبت إلى تكريس مساواة "انتقاد إسرائيل" بـ"معاداة السامية"، وتعزيز محاربة حركات المقاطعة. كما أبدت الإدارة الجديدة أخيراً "القلق" من جهود المحكمة الجنائية الدولية، لملاحقة مسؤولين إسرائيليين ومحاكمتهم في "جرائم حرب"، على الرغم من خشية تل أبيب من رفع إدارة بايدن عقوبات كانت فرضتها الإدارة الجمهورية السابقة على مسؤولين بارزين في المحكمة. وتعهدت المندوبة الأميركية الدائمة الجديدة لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس غرينفيلد، قبيل نيلها مصادقة الكونغرس على تعيينها، بمحاربة حركة المقاطعة "بي دي أس".

في المحصلة، وعلى الرغم من الحديث عن العودة عن "أجزاء من نهج ترامب"، لن يحيد الديمقراطيون في واشنطن عن السياسة الأميركية التي تعود لعقود، والداعمة بشكل مطلق لدولة الاحتلال، خصوصاً مع تبني الكونغرس تقليدياً لمطالب اللوبي الإسرائيلي الضاغط، ووجوه الإدارة الجديدة الثابتة في انحيازها لدولة الاحتلال، لتبقى أي "عودة للدبلوماسية" مع الفلسطينيين، وأي مفاوضات فلسطينية - إسرائيلية محتملة لاحقاً، محكومة بهذا الانحياز الأميركي المطلق، والذي عزّزت أبعاده متغيرات إرث ترامب في الأراضي المحتلة والمنطقة.

المساهمون