- الاحتفالات تجلي للتطرف الإسرائيلي، مع تزايد الإجراءات التهويدية والمخاوف الفلسطينية من تحول هذه الانتهاكات إلى واقع دائم، خاصة بالتزامن مع الأعياد اليهودية.
- الدعم الحكومي الإسرائيلي للوجود الاستيطاني وتقسيم الخليل يعقد الوضع، مقيدًا حركة الفلسطينيين ومنعهم من الوصول للمسجد الإبراهيمي، في سياسة تهدف لتغيير الوضع القائم ومحو الهوية الفلسطينية.
استباح عشرات المستوطنين، الليلة الماضية، المسجد الإبراهيمي في مدينة الخليل جنوبي الضفة الغربية، من خلال طقوس نفذوا فيها نشاطات رقص وغناء وشرب خمور ورفع أعلام دولة الاحتلال الإسرائيلي، ضمن احتفالاتهم بما يسمى "عيد الاستقلال" لدولة الاحتلال التي قامت بعد تنفيذ العصابات الصهيونية لعشرات المجازر في عام 1948.
ويأتي الاحتفال الذي استمر حتى ساعات صباح اليوم الثلاثاء، في وقت تتصاعد فيه إجراءات الاحتلال الإسرائيلي التهويدية بحق المسجد الإبراهيمي في الخليل، بحجّة الأعياد اليهودية. وبدا لافتاِ شكل التطرف الإسرائيلي خلال الاحتفال في محيط المسجد الإبراهيمي، حيث أطلقت صفّارات الإنذار تذكيراً بالمحرقة اليهودية، ثم رفعت الأعلام الإسرائيلية على أسطح المسجد الإبراهيمي، وعلّقت على جدرانه، وبدأت تتوافد حافلات المستوطنين من خارج مستوطنات الخليل، وفي ساعات المساء بدأت أنشطة الجماعات الاستيطانية التي حضر روّادها وهم يحملون السلاح، ويرددون عبارات عنصرية بحق الفلسطينيين، كما يروي الناشط في تجمع شباب ضد الاستيطان، عيسى عمرو، خلال حديث مع "العربي الجديد".
ووصف عمرو هذه الطقوس بالقول إنّ المستوطنين "رفعوا الشمعدان (الحانوكاة) وأشعلوا فيه النار على وقع الأغاني الصاخبة والإضاءة الملوّنة، وشرب زجاجات الخمر، وإضاءة العلم الإسرائيلي على جدران المسجد الإبراهيمي، وسط حضورٍ من شخصيات سياسية ودينية من الأحزاب الإسرائيلية في شكل يوحي بأن الفعاليات لم تكن مدعومة من الجماعات الاستيطانية فقط، بل بشكل رسمي حكومي".
ويتخوف الفلسطينيون من أن يصبح رفع العلم الإسرائيلي على جدران المسجد الإبراهيمي أمراً واقعاً، ويقول مدير المسجد الإبراهيمي، معتز أبو سنينة، خلال حديثه مع "العربي الجديد"، إنّ رفع الأعلام يعتبر انتهاكاً يخالف كل الإجراءات والقوانين والأعراف المرتبطة بقدسية المكان الديني، حيث يحاول الاحتلال تحريف الرواية التاريخية المؤكدة على أحقية المسلمين بالمسجد، عبر إقامة الحفلات الصاخبة في القسم المسيطر عليه إسرائيلياً، وتحشيد الجماعات الاستيطانية للاحتفال وشرب الخمر في الباحات المحاذية للمسجد، في وقت تشدد الإجراءات فيه ضد الوجود الفلسطيني.
ويستولي الاحتلال الإسرائيلي على 63 بالمائة من مساحة المسجد الإبراهيمي البالغة مساحته 2040 متراً مربعاً، وذلك منذ تقسيمه بعد المجزرة التي ارتكبها المستوطن المتطرف باروخ غولدشتاين، في الخامس والعشرين من فبراير/ شباط من عام 1994، ولاحقا صدرت نتائج لجنة التحقيق في المجزرة (توصيات لجنة شمغار) والتي أعطت الحق للمستوطنين بالسيطرة على الحديقة المحاذية للمسجد، بالإضافة لحقّهم في استباحة القسم الأصغر من المسجد والذي تديره وزارة الأوقاف الفلسطينية البالغة مساحته 37 بالمائة.
وللتسهيل على المستوطنين في احتفالاتهم داخل المسجد الإبراهيمي ومحيطه، عمدت سلطات الاحتلال إلى زيادة انتشار الحواجز الواصلة للمسجد في وجه الفلسطينيين، وفق أبو سنينة الذي يشير إلى أن نحو 70 حاجزاً ونقطة عسكرية أقامها الاحتلال منذ بدء الحرب على غزة، ثلاثة منها تؤدي مباشرة إلى المسجد، أغلق الاحتلال منها اثنين، وهما "حاجز أبو الريش وحاجز 160"، ما يعني منع آلاف المصلّين من الوصول للمسجد في وقت تقدم فيه كل التسهيلات للمستوطنين في استباحة المسجد.
ويدعم الاحتلال الوجود اليهودي الاستيطاني في مدينة الخليل، نظراً لاستيطان وزيرين متطرفين فيها، وهما وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير، بالإضافة إلى وزيرة الاستيطان والمهمّات القومية أوريت ستروك، حيث يعملان على جلب أكبر قدر ممكن من الجماعات المتطرفة، ودعم إقامتهم نشاطات وفعاليات في البلدة القديمة من الخليل، والتعامل معها باعتبارها مدينة يهودية، لا سيما وأن حفلات الليلة الماضية لم تقتصر على محيط المسجد الإبراهيمي، بل نفذوها في أحياء تل الرميد، بحجّة وجود أماكن أثرية لهم فيها، كما يوضّح الناشط في تجمع شباب ضد الاستيطان عيسى عمرو.
ويشير عمرو إلى أن أحياء البلدة القديمة "تل الرميدة، حارة جابر، وحارة السلايمة، وشارع الشهداء" ومناطق أخرى باتت كلّها أماكن طاردة وغير جاذبة للسكّان، بفعل التضييقات التي يتعرّض لها سكّان هذه الأحياء، وسط زيادة الفعاليات والمناسبات الإسرائيلية التي تتعمد الجهات الاستيطانية إقامتها في أحياء البلدة القديمة، كان آخرها جنازة جندي إسرائيلي قتل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ودفن في أحياء البلدة القديمة بشكل يخالف القانون الدولي.
وتتعرض الخليل لتقسيم زماني ومكاني، تحديداً منذ توقيع اتفاقية الخليل عام 1997 بين منظمة التحرير الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية، التي بموجبها تم تقسيم المدينة إلى منطقتين (منطقة H1 والتي تشكل 80 بالمائة من مساحة المدينة تحت السيطرة الفلسطينية، ومنطقة H2 التي تخضع للسيطرة الإسرائيلية ويستوطن فيها أكثر من 500 مستوطن، فيما يسكن فيها نحو 40 ألف فلسطيني. غير أن هذه المناطق المصنفة H2 والتي يقع فيها المسجد الإبراهيمي والأحياء المجاورة، تواجه مصيراً كارثياً على ثلاثة جوانب، وفق عمرو، وهي: "انخفاض أعداد المصلّين في المسجد الإبراهيمي تمهيداً للاستيلاء عليه، بالإضافة إلى انخفاض أعداد السكّان الفلسطينيين وسط ازدياد أعداد الإسرائيليين، ما يؤدي إلى فقدان الهوية الفلسطينية في المكان تدريجياً".
وباتت الانتهاكات الإسرائيلية في المنطقة لا تحظى بتغطية إعلامية محلّية وعالميّة بفعل التقصير وغياب دور المؤسسات الدولية منذ بدء الحرب على غزة، بالإضافة إلى تقصير الجهات الرسمية الفلسطينية وبلدية الخليل، وفق تعبير عمرو.