باب المندب... مضيق بأهمية استراتيجية تتسابق عليه القوى اليمنية

30 ديسمبر 2023
مضيق باب المندب، 12 ديسمبر الحالي (خالد زياد/فرانس برس)
+ الخط -

لا ينحصر صراع السيطرة على مضيق باب المندب الاستراتيجي في البحر الأحمر على القوى الدولية والإقليمية فحسب، بل يمتد هذا الصراع إلى الأطراف اليمنية المحلية التي يريد كل طرف منها بسط سيطرته على المضيق البحري، الذي يعد واحداً من أبرز ممرات الملاحة الدولية في العالم.

في أدبياته، يحرص "المجلس الانتقالي الجنوبي" على تسمية باب المندب باعتباره من ضمن حدود "دولة الجنوب" التي يطالب باستعادتها، والتي تمتد من حوف المهرة شرقاً حتى باب المندب غرباً.

وعقدت الإدارة العامة للشؤون الخارجية لـ"المجلس الانتقالي" أخيراً، في العاصمة عدن، ورشة نقاش بعنوان "مضيق باب المندب حدود السيادة الجنوبية، الحقائق التاريخية والسياسية والقانونية والعسكرية"، بحضور عدد من قيادات وكوادر المجلس.

أدبيات "المجلس الانتقالي الجنوبي"

بعدها بأيام، تحديداً في منتصف ديسمبر/ كانون الأول الحالي، قام عضو مجلس القيادة الرئاسي، رئيس "المجلس الانتقالي الجنوبي" عيدروس الزبيدي، بزيارة تفقدية لجزيرة ميون ومديرية باب المندب.

زيارة الزبيدي جاءت على رأس وفد من الجنوبيين يضم وزير الدفاع الفريق محسن الداعري، ووزير الدفاع الأسبق اللواء محمود الصبيحي، ووزير النقل المحسوب على "الانتقالي" عبد السلام حميد، وعدداً من القادة العسكريين ووكلاء الوزارات المحسوبين على "الانتقالي".

والتقى الزبيدي في إطار زيارته لجزيرة ميون قيادة قوات التحالف المرابطة في الجزيرة، مثمناً الدور الكبير الذي أدته قوات التحالف في تأمين الجزيرة والمنطقة، ودعم إجراءات تطبيع الحياة فيها. وأكد الزبيدي الأهمية الجيوسياسية التي تحتلها جزيرة ميون في منطقة باب المندب، مجدداً تأكيد استعداد القوات المسلحة للمشاركة في أي جهد أو تحالف دولي لتأمين خطوط الملاحة الدولية في هذه المنطقة الهامة من العالم. وكانت القوات الحكومية المدعومة من التحالف قد حررت منطقة باب المندب وجزيرة ميون في عام 2016، بالإضافة إلى تحرير مديرية المخا من جماعة الحوثيين مطلع عام 2017.


مصطفى الجبزي: لا توجد قوة يمنية واحدة قادرة على أن تكون شريكاً في تأمين البحر الأحمر

في نهاية عام 2017 أعلن الرئيس الراحل علي عبد الله صالح انشقاقه عن تحالفه مع جماعة الحوثيين ليتم بعد ذلك تشكيل ما يسمى ما بات يعرف بالقوات المشتركة المكونة من المقاومة الوطنية أو حراس الجمهورية، بالإضافة إلى "ألوية العمالقة" السلفية بقيادة عضو مجلس القيادة الرئاسي العميد عبد الرحمن المحرمي، و"الألوية التهامية". وقاد هذه القوات، ابن أخي صالح، العميد طارق صالح.

عملت هذه القوات على تحرير بقية مديريات تعز الساحلية وعدد من مديريات الحديدة بالإضافة إلى تأمين مديرية المخا الاستراتيجية، التي تضمّ ميناء المخا، وهو من أهم الموانئ اليمنية، نتيجة قربه من مضيق باب المندب. واتخذ طارق صالح المخا وباب المندب مقراً لقواته، فبنى المدن السكنية والمستشفيات، بالإضافة إلى إعادة تأهيل الميناء وبناء مطار دولي في المخا. وأنشأت قوات التحالف مطاراً عسكرياً وقاعدة عسكرية في جزيرة ميون.

في السياق، يقول المتحدث باسم القوات المشتركة العميد وضاح الدبيش، لـ"العربي الجديد"، إنه بالنسبة للوحدات العسكرية التي في باب المندب وفي جزيرة ميون "لدينا قوات مشتركة من اللواء 17 عمالقة، ولدينا سرايا من قوات المجلس الانتقالي في جزيرة ميون، وقوات أخرى من عناصر التحالف، ولدينا أيضاً سريتان من خفر السواحل التابعة للمقاومة الوطنية ضمن القوات المشتركة في باب المندب".

ويضيف الدبيش أن "لمضيق باب المندب وجزيرة ميون أهمية استراتيجية وحيوية جيوسياسية وعسكرية، وجزيرة ميون بالذات تقع في الشريان الحيوي لمدخل السفن، الذي يمر عبره أكثر من ستة ملايين برميل نفط يومياً، وأكثر من 30 في المائة من التجارة العالمية، وهناك أهمية استراتيجية لهذه المنطقة على مستوى العالم، وليس على مستوى اليمن والإقليم فحسب".

ويشير الدبيش إلى أن "التنافس الدولي على هذه المنطقة قائم منذ قرون طويلة، وتعتبر مطمعاً لجميع الدول، فمضيق باب المندب يعتبر باباً دولياً لا يعني دولة بعينها إنما يعني دول العالم أجمع، ولكن بشكل خاص واستثنائي يعني الدول المطلة على البحر الأحمر، وهو مفتاح لقناة السويس وكذلك لبحر العرب ولمضيق هرمز وبحر عمان".

ويؤكد الدبيش أنه "ما لم تكن هذه المنطقة الحيوية والاستراتيجية والجيوسياسية في مأمن عن أي صراعات، فسيتضرر العالم أجمع من أي خطر أو أي مشاكل تحدث فيه، فمضيق باب المندب يجب أن يكون آمناً وبعيداً عن أي صراعات أو مطامع إقليمية أو دولية".

من جهته، يشير المحلل السياسي مصطفى الجبزي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن وجود قوات طارق صالح في المخا كان نتيجة سياق الحرب بعد نهاية 2017 وتقاسم المناطق اليمنية بين قوى مختلفة ليست على وفاق مع طارق صالح.

ويلفت إلى أن بعض القوى المحلية تتنافس لتجعل نفسها شريكاً في حماية الملاحة الدولية، من أجل تعزيز موقعها في الخريطة السياسية اليمنية بما يخدم مشروعها، لكن لا توجد قوة محلية واحدة قادرة على أن تكون شريكاً في تأمين البحر الأحمر لافتقارها للإطار القانوني.

أهمية باب المندب الاستراتيجية

الأهمية الاستراتيجية والجيوسياسية لمضيق باب المندب والمخا وجزيرة ميون منحتها أولوية في حسابات جماعة الحوثيين التي تسعى للسيطرة عليها، كونها تتحكم بمضيق مائي دولي يعد واحداً من أهم الممرات المائية في العالم. هذه الأهمية جعلت الجماعة تنفذ العديد من العمليات التي تستهدف السفن فيها، وتزايدت عمليات الاستهداف الحوثية بعد عملية "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.

ونفذت الجماعة العديد من العمليات العسكرية التي تقول إنها تستهدف السفن الإسرائيلية أو تلك المتوجهة إلى إسرائيل في البحر الأحمر وخليج عدن، في ظل تهديد الجماعة باستمرار عملياتها حتى يتم إدخال الدواء والغذاء إلى غزة المحاصرة، وفقاً للبيانات العسكرية الصادرة عن الجماعة.


الكرار المراني: من يسيطر على المضيق يمكنه تقديم نفسه كحارس للبحر الأحمر 

الصحافي المقرب من جماعة الحوثيين الكرار المراني، يقول لـ"العربي الجديد" إنه "نتيجة الأهمية الاستراتيجية والتاريخية للمخا والجزر التابعة لها وكذلك مضيق باب المندب، تتسابق الأطراف اليمنية للسيطرة عليه، لأن من يسيطر على المضيق يمتلك ورقة رابحة تمكّنه من تقديم نفسه كحارس للبحر الأحمر والملاحة البحرية، كما يحاول طارق صالح الذي يمثل أحد أهم الأجنحة العسكرية الموالية للإمارات تقديم نفسه".

ويضيف المراني أن الدول الكبرى، وحتى تلك المؤثرة في المنطقة العربية كالسعودية والإمارات، حريصة وتعمل بكل قوتها على بقاء باب المندب والمخا تحت سيطرتها، من خلال أدواتها اليمنية المسيطرة.

ويرى أن الحل في أن تجتمع الأطراف اليمنية وتقدم المصلحة الوطنية ومصلحة الشعب اليمني من خلال الدخول في سلام حقيقي، وحوار جاد، ويبدأ الجميع في تأسيس الدولة اليمنية الحديثة القوية التي يحكم فيها النظام والقانون، والجميع تحت القانون ومتساوون أمامه، ويستعيد اليمن دوره الهام والمحوري، وتكون فيها مصالح اليمن فوق كل المصالح والمطامع الخارجية.

ومضيق باب المندب ممر مائي طبيعي يصل بين البحر الأحمر وخليج عدن المطل على المحيط الهندي، ويبلغ عرضه نحو 30 كيلومتراً، ويحتل المرتبة الثالثة عالمياً لجهة عبور موارد الطاقة فيه، بعد مضيقي ملقا وهرمز، ويقدر عدد السفن التي تمر عبره بأكثر من 21 ألفاً سنوياً، بما يعادل 57 سفينة يومياً. كما أن جزيرة ميون أو جزيرة بريم الواقعة في مدخل مضيق باب المندب، تمنح اليمن أفضلية في التحكم بالمضيق، وتبلغ مساحتها 13 كيلومتراً مربعاً، وتتبع إدارياً مديرية باب المندب التابعة لمحافظة تعز.

المساهمون