اندلاع احتجاجات "مواطنون ضدّ الانقلاب" الرافضة لإجراءات سعيّد في تونس وسط تضييقات أمنية
توافد المحتجون الرافضون لإجراءات الرئيس التونسي قيس سعيّد، والتي عدّوها انقلابًا على الدستور، إلى شارع بورقيبة في العاصمة التونسية، صباح اليوم الجمعة، في مسيرة دعت إليها أكثر من جهة معارضة.
وفوجئ الجميع بالتضييق الأمني الكبير على وصول المحتجين، وتقسيم شارع بورقيبة إلى مربعات صغيرة مفصولة عن بعضها.
واضطر مناصرو مبادرة "مواطنون ضد الانقلاب" إلى الابتعاد عن وسط الشارع قبالة المسرح البلدي، والتوجه إلى شماله قرب محطة القطارات، فيما تم تحديد مربع ثانٍ لمناصري أحزاب معارضة دعت بدورها للاحتجاج اليوم، وهي أحزاب "الجمهوري" و"التكتل" و"التيار الديمقراطي"، بينما تم منح أنصار الرئيس قيس سعيّد فضاءً ثالثاً.
وتجمّع عدد من مناصري الرئيس قيس سعيّد أمام المسرح البلدي، رافعين شعارات دعم لقراراته، ومطالبين بالمحاسبة وتطهير القضاء.
ومُنعت تظاهرة ثالثة دعت إليها أحزاب "التكتل" و"الجمهوري" و"التيار الديمقراطي"، من الوصول إلى شارع بورقيبة، وتمت محاصرتها في شارع موازٍ. وندد قادة هذه الأحزاب بهذا الإجراء الأمني، والتضييق على المعارضين، في مقابل فسح المجال أمام مناصري الرئيس، ومنحهم قلب العاصمة للتعبير عن موقفهم.
وقال عضو الهيئة التنفيذية لمبادرة "مواطنون ضد الانقلاب" جوهر بن مبارك، إنه "لا تزال هناك فرصة صغيرة أمام المنقلب للتراجع قبل محاسبته"، مشيراً إلى أن" حالة البهتة انتهت، وحان الوقت لوضع حدّ للانقلاب"، لافتاً إلى "أنهم في الطريق الصحيح، واليوم تونس كاملة صارت ضد الانقلاب، وسنكون جميعاً في نفس الساحات، ولن نغادر الساحة والاعتصام في شارع بورقيبة".
وأكد أن "مواطنون ضد الانقلاب" تدعو جميع القوى والمنظمات لتوحيد الصف، ومواجهة الفاشية المتربصة بالبلد". وبيّن أنه بعد "الانقلاب، هناك معركة أخرى مع الشعبوية الفاشية، وسيتم الانتصار في كليهما"، مؤكداً أن "14 يناير القادم سيكون يوم فرار المنقلب"، على حدّ تعبيره.
مشاورات سياسيّة لتصحيح المسار
وقال عضو مبادرة "مواطنون ضد الانقلاب" حبيب بوعجيلة، في تصريح لـ"العربي الجديد" إن هناك مشاورات متقدمة تبشر بأن الطبقة السياسية في اتجاه تصحيح المسار، حيث تبينت حقيقة الانقلاب بعد بضعة أسابيع لجزء من الطبقة الديمقراطية، والتي كان بعضها شريكاً في البداية في مساندته"، مؤكداً أن "الشارع السياسي له عدة صيغ لمقاومة الانقلاب، من اعتصامات وإضرابات، واحتجاجات في الشارع".
وبيّن أن "الأهم من كل هذا، أنهم يملكون خطاباً سياسياً، ولذلك هم متمسكون بالوحدة الصوتية التي تمّت مصادرتها من قبل الوحدات الأمنية"، لافتاً إلى أنهم ليسوا مجرد شارع يحتج ويصرخ ويرفع الشعارات، بل خطاب ومشروع سياسي لا بد أن يصل إلى الناس. وأشار بوعجيلة إلى أن هناك خطابات لسياسيين ونواب ومستقلين لم يتوقع البعض وجودهم اليوم معاً ضد الانقلاب، ولكن مبادرة "مواطنون ضد الانقلاب" نجحت في تجميعهم اليوم.
وبيّن أن الشارع السياسي المناهض للانقلاب شارع متنوع، عكس ما يروج له الانقلاب على أنه قائم على الاستقطاب الأيديولوجي.
تمسُّك المتظاهرين بالشرعية الدستورية
وفي تصريحات لـ"العربي الجديد" من محتجين مشاركين في التظاهرة، قال عدنان، وهو موظف، إن "المسيرة تمّت محاصرتها من الأمن، وتم إقفال كلّ المنافذ أمام المعارضين، بينما تم منح أنصار الرئيس الفضاء الأحسن أمام المسرح البلدي، وتيسير وصولهم إلى هناك، وهو ما يبين أن سعيّد ضد الحريات". وأضاف أنه" لهذه الأسباب، يتم الاحتجاج على الانقلاب، لأننا نريد الحريات، وهو كان على مدى عامين يسهم في تأزيم الأوضاع من أجل التمهيد للانقلاب"، على حدّ قوله.
وقال بلقاسم، محتج قدم من مدينة كسرى، شمال غربي تونس، إنه "جاء من بعيد للاحتجاج والدفاع عن مكسب الحرية والديمقراطية، وضد تجميع كلّ السلطات التي سبق وعانينا منها زمن الدكتاتورية".
أمّا الشيخ الهادي، فقال: "لا نريد خبزاً ولا ماءً، نريد الحرية وأن يبقى رأس التونسي مرفوعاً دائماً".
بدورها، قالت ناجية إنه "تمت محاصرة المحتجين في مكان ضيق، وتمت مصادرة مكبرات الصوت، وهذا ما يحدث في كل مرة، وهم يريدون مصادرة أصواتنا وحريتنا، رغم أن التظاهر سلمي".
وقال القيادي المستقيل من "حركة النهضة" الوزير السابق عبد اللطيف المكي، لـ"العربي الجديد"، إنه كان يفترض في هذا اليوم أن نحتفل جميعاً بهذه الذكرى، وأن نكون حول طاولة التفكير في حلول لمشاكلنا الاقتصادية والاجتماعية، ولكن الرئيس للأسف منع ذلك بسبب مشروع شخصي يمثل انقلاباً على الدستور".
ورأى المكي أن الإجراءات الأخيرة التي أعلن عنها هي فقط لربح الوقت ومنح نفسه عاماً إضافياً ليغير الحياة السياسية والقوانين، عبر مراسيم يصدرها بنفسه، وهذا غير مقبول لا أخلاقياً ولا سياسياً ولا ديمقراطياً، لأنه أقسم على احترام الدستور، ولكنه نكث بوعده وانقلب على الأمانة".
وشدد على أن سعيّد "رفض كل الإصلاحات، وأسقط الحوار الوطني الذي دعا إليه الاتحاد العام التونسي للشغل، من أجل الانفراد بالقرار، ولكننا متأكدون من أن التونسيين لن يقبلوا بالاستبداد ولا التنازل عن المكسب الديمقراطي، ووجودنا في الشارع اليوم هو دليل على تمسكنا الأصيل بالشرعية الدستورية، وعلى أن أي تغيير لا بد أن يتم على أساسها".
إلى ذلك، قالت عضو "محامون ضد الانقلاب" إسلام حمزة خلال التظاهرات: "نحن أمام منقلب حاقد، والتونسيون لا يتأثرون بخطابات الحقد"، مؤكدة أن الشعب التونسي شعب واحد، وليس لقيس سعيّد التفرقة ولن يتم السماح له بذلك، مبينة أن هذا اليوم هو يوم مصيري، وهي لحظة تاريخية.
وأوضحت أن هناك أحراراً وقفوا ضد من يحاول سرقة الدولة والكرامة والحرية والحقوق، مشيرة إلى أن التاريخ سيذكر وقفة "مواطنون ضد الانقلاب" ضد من حاول سرقة الثورة. ونددت بسجن المحامين والمدونين، مشددة على أن الانقلاب لن يتمكن من تكميم الأفواه.
بدورها، لفتت نائب رئيس البرلمان سميرة الشواشي، إلى أن الانقلاب كان مخططاً له مسبقاً، مشيرة إلى أنها "انتخبت عن طريق الصندوق، وتمثل سلطة تشريعية منتخبة، وأنهم سيحمون المسار الذي يريد المنقلب تقويضه"، مؤكدة أنه "يجب وضع الخلافات الأيديولوجية جانباً، وتحصين الديمقراطية ضد الانقلاب ثم فليتنافس المتنافسون"، مشيرة إلى أنه "يجب التخلي عن الأنانية والصراعات من أجل تونس".
وكانت مبادرة "مواطنون ضد الانقلاب" دعت إلى الاحتجاج "في أول أيام شهر التصعيد في مواجهة الانقلاب، شهر الإبداع والتطوير في الأشكال الكفاحية".
وقالت المبادرة، في بيان، إن "ذكرى 17 ديسمبر، الذكرى الـ11 لاندلاع ثورة الحرية والكرامة، أسقطت واحدة من أعتى الدكتاتوريات في المنطقة وفي العالم، ما فتح آفاقاً رحبة واسعة للأمل والتغيير في تونس وفي المنطقة". وأضافت أن "اليوم وبعد 10 سنوات فقط من ذلك التاريخ، نفس هذا الشعب يخرج مجدداً، ليعلن تمسكه بثورته، وليضرب مجدداً موعداً مع التاريخ، وليؤكد على أنه لن يرضى بالعودة إلى ظلمات الدكتاتورية والاستبداد والحكم الفردي المطلق".
وشدد البيان على أنه "سنخرج إلى الشوارع يوم 17 ديسمبر القادم (اليوم) ولن نعود قبل أن تتحقق مطالبنا: لا للمساس بالدستور، لا للمساس بالمؤسّسة التشريعية، لا للمساس بالمجلس الأعلى للقضاء، لا للمساس بالحريات، لا للمساس بالأحزاب والمنظمات والقائمات التشريعية المنتخبة خارج ما يسمح به القانون في نظام ديمقراطي، لا للمس من المجالس البلدية، لا لإقحام الجيش والمحكمة العسكرية في التجاذبات السياسية، لا لتقسيم الشعب".
وأضاف البيان: "نحن أبناء وبنات الشعب نعلن أننا سنخرج للشوارع والساحات انطلاقاً من يوم 17 ديسمبر، من أجل إطلاق سراح كل المساجين السياسيين وسجناء الرأي، ومن أجل إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية سابقة لأوانها. هذه هي مطالبنا، ولن نرجع عن قرارنا لأننا نحن الشعب ونحن الشارع ونحن السلطة الأصلية ومصدر كل السلطات".
من جهته، كان الأمين العام للتيار الديمقراطي غازي الشواشي، قد دعا في تصريح صحافي، القوات الأمنية، إلى "عدم التورط في منع أو قمع أو التضييق على التظاهرات التي ستنظمها المعارضة بشارع الحبيب بورقيبة، احتفالاً بذكرى اندلاع ثورتنا المجيدة، ودفاعاً عن الديمقراطية، ورفضاً للانفراد بالسلطة، والانقلاب على الدستور، والتزام الحياد كأمن جمهوري، والقيام بالواجب في تأمين التظاهرات، وحماية المتظاهرين احتراماً لحقوقهم الدستورية".