في ظل الإجراءات والعقوبات غير المسبوقة التي اتخذتها الدول الغربية رداً على الاجتياح الروسي لأوكرانيا، برزت مفارقات في التعاطي الغربي، والأميركي تحديدا، مع الحالتين السورية والأوكرانية، حيث يتحسر كثير من السوريين من ضعف الدعم الغربي للمعارضة السورية، مقارنة بما يقدم اليوم من دعم سياسي وعسكري ومالي للحكومة الأوكرانية، لمواجهة ما يصفونه بالمعتدي الواحد روسيا.
وفي هذا السياق، طالب الأمين العام لـ"الائتلاف الوطني السوري لقوى الثورة والمعارضة السورية" هيثم رحمة الإدارة الأميركية بإعادة النظر في سياستها تجاه سورية، ورأى أن التراخي في مواجهة روسيا وردعها عن جرائمها بحق الشعب السوري هو ما سمح للرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتكرار العدوان على أوكرانيا اليوم.
وشدد رحمة، في بيان نشره موقع "الائتلاف"، أمس الأربعاء، على أن ما يحدث في أوكرانيا "يجب أن يذكّر الجميع بما حدث ويحدث في سورية التي دمرها بوتين منذ بدء عدوانه العسكري في سبتمبر/ أيلول عام 2015"، مشيرا إلى أن التدخل الروسي في سورية والقصف الهستيري الذي تعرضت له مدن وبلدات سورية، أدى إلى "أكبر أزمة لجوء في القرن الحالي، وإلى دمار ربما يكون هو الأكبر منذ الحرب العالمية الثانية".
الائتلاف الوطني يرحب بدعوة طرد #روسيا من #مجلس_الأمن ويطالب الإدارة الأمريكية بمعالجة جذرية في #سوريةhttps://t.co/T1K37txpMZ#سوريا
— الائتلاف الوطني السوري (@SyrianCoalition) March 2, 2022
ودعا رحمة إلى ضرورة التعاون الدولي لـ"اتخاذ إجراءات عاجلة وأكثر صرامة وموحدة لكبح جماح النظام الروسي في كل من سورية وأوكرانيا"، معتبراً أن عدم التحرك "تجاه الجرائم الروسية بحق الشعوب سيؤدي إلى توسيع هذه الجرائم وتهديد جميع دول المنطقة بما فيها دول الاتحاد الأوروبي". ورحب رحمة بالمقترح الذي تقدمت به الحكومة الأوكرانية، والذي يدعو لطرد روسيا من مجلس الأمن.
وكان رئيس "الائتلاف" سالم المسلط قد حثّ في وقت سابق السوريين في جميع أنحاء العالم على المشاركة في المظاهرات التي تجري حالياً في مختلف الدول تنديداً بالغزو الروسي لأوكرانيا، والتعبير عن تضامن السوريين مع الشعب الأوكراني.
وشدد المسلط، في بيان، على "عدم فصل المأساة السورية عما يحدث في أوكرانيا الآن"، لافتاً إلى أن "تغول روسيا في سورية والجرائم التي ارتكبتها بحق المدنيين دون أي محاسبة أو مساءلة، هو الذي قاد بوتين إلى شن عدوان جديد على أوكرانيا وتهديد أوروبا برمتها".
واعتبر أن "كسر شوكة الغطرسة الروسية تبدأ من سورية، عبر عودة الدعم السياسي والعسكري والإنساني الحقيقي للثورة السورية"، وهو ما سيغير المعادلة ويعيد الاستقرار لسورية وأوكرانيا والعالم أجمع، وفق قوله.
المسلط @pofsoc يدعو إلى وقف التغول الروسي ابتداءً من #سوريةhttps://t.co/Ej1oodEmzY#روسيا #سورية
— الائتلاف الوطني السوري (@SyrianCoalition) March 1, 2022
إلى ذلك، تحدثت مصادر إعلامية عن اجتماع تستضيفه العاصمة الأميركية واشنطن، اليوم، يجمع مبعوثي الدول الحليفة في الملف السوري، لبحث مدى انعكاس الحرب الأوكرانية والتصعيد العسكري الروسي - الغربي هناك على الملف السوري، بحضور مسؤول الملف السوري في وزارة الخارجية الأميركية إيثان غولدريش ومبعوثي عدد من الدول الأوروبية والعربية والاتحاد الأوروبي، إضافة إلى المبعوث الأممي إلى سورية غير بيدرسن.
وكان غولدريش قد بحث، أمس، خلال اجتماع افتراضي مع مدير الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء)، رائد الصالح، ملف محاسبة نظام بشار الأسد على جرائمه وضرورة تمديد تفويض إدخال المساعدات الإنسانية عبر الحدود وجهود الاستجابة والتعافي المبكر، بحسب ما أوردته صفحة الدفاع المدني على "فيسبوك".
ومن جانبها، أشارت سفارة الولايات المتحدة بدمشق، في صفحتها على "فيسبوك"، إلى أن اللقاء يأتي في إطار حملة لمحاسبة المسؤولين عن الجرائم في سورية، وقالت إن الولايات المتحدة ملتزمة بالسعي لمحاسبة المسؤولين عن الفظائع في سورية.
وأوردت السفارة في وقت سابق منشورا على صفحتها قالت فيه إن شهر مارس/ آذار الحالي سيكون "شهر المحاسبة"، وإن الإفلات من العقاب سينتهي في سورية.
وأضافت أن بشار الأسد اعتقل وعذب وارتكب جرائم ضد السوريين على مدى 11 عامًا، لكن الإفلات من العقاب سينتهي، مشيرة إلى أنه سيتم هذا الشهر تسليط الضوء على كيفية سعي السوريين والمجتمع الدولي لمحاسبة الجناة على هذه الجرائم. ودعت السفارة إلى الانضمام إليها في هذه الحملة دون أن تعطي تفاصيل أكثر.
اعتقل بشار الأسد وعذب وارتكب جرائم ضد السوريين على مدى 11 عامًا ، لكن الإفلات من العقاب سينتهي. نسلط الضوء في هذا الشهر على كيفية سعي السوريين والمجتمع الدولي لمحاسبة الجناة على هذه الجرائم. انضموا إلينا في #شهر_المحاسبة https://t.co/9ozQR5LZvl
— U.S. Embassy Syria (@USEmbassySyria) March 2, 2022
وتأتي هذه الحملة على وقع تطورات الأوضاع في أوكرانيا والحماسة التي أبداها نظام الأسد في تأييد الغزو الروسي لأوكرانيا، وتصويته ضد قرار إدانتها في الجمعية العمومية للأمم المتحدة.
وفي تعليقه على هذه التطورات، قال الباحث السوري وائل علون إنه علم باجتماع المجموعة الموسعة في واشنطن حول سورية، اليوم الخميس، لكنه استدرك بالقول "ليست هناك معلومات متكاملة وواضحة حول هذا الاجتماع حتى الآن".
وأعرب علوان، في حديث مع "العربي الجديد"، عن اعتقاده بأن "سورية ستكون إحدى ساحات المواجهة الغربية لروسيا"، وأن "هناك خطراً كبيراً من استغلال إيراني لذلك"، وأشار إلى وجود مؤشرات استنزاف لروسيا في أوكرانيا، ما قد يعيد النظام السوري إلى إيران بشكل أكثر عمقاً لمواجهة سيناريوهات محتملة، من سحب قوات وأسلحة روسية من سورية وانهيارات في الاقتصاد الروسي تنعكس على النظام.
وحول مدى جدية هذا التحرك الأميركي تجاه روسيا في الملف السوري، قال علوان إن "كل الاحتمالات واردة، حيث المعارك بين روسيا وأوكرانيا تمضي باتجاه سيناريوهات مفتوحة، لكن في الوضع الراهن فلا أعتقد أن الضغط في سورية سيكون عسكرياً، حيث لدى الولايات المتحدة أوراق ضغط كثيرة في الملفات السياسية والاقتصادية، ومن المبكر أن نتحدث عن الأوراق العسكرية إلا في حال استمرار تطور الأحداث بشكل متسارع".
وبشأن المقارنات التي تجري بين الحالتين السورية والأوكرانية، رأى علوان أن "معظم الدول الفاعلة كانت لها مصلحة في إطالة عمر الحرب في سورية من أجل استنزافها وإنهاكها، وهي مصلحة إسرائيلية روسية إيرانية، إضافة إلى أن بعض الدول الغربية كانت تسعى لتوريط إيران وروسيا في المستنقع السوري من أجل استنزافها فيه أيضاً، بينما في أوكرانيا، الجميع كانت لديه مصلحة في عدم انتصار الروس وفي إلحاق الهزيمة بهم".
ازدواجية في المعايير
من جانبه، انتقد مدير "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" فضل عبد الغني ازدواجية المعايير التي تنتهجها الدول الغربية تجاه روسيا بشأن العدوان الروسي في سورية وأوكرانيا.
وقال عبد الغني، في تسجيل مصور، إنّ "هناك ازدواجية في المعايير لدى الغرب، لأنّ أوكرانيا تهمه أكثر بكثير من سورية"، مضيفاً أنّ "المصالح السياسية لدى الدول الغربية متقدّمة على حقوق الإنسان والقانون الدولي".
وأوضح أن "فرض العقوبات وتحرّك المحكمة الجنائية الدولية وحماية المدنيين وإدانة روسيا بمختلف أشكال الإدانة، وتسليح الأوكرانيين للدفاع عن أنفسهم وأرضهم، هذه كلّها وفق القانون الدولي، بل يجب أن يكون هناك تدخل عسكري أيضاً لحماية المدنيين ولو كان خارج إطار مجلس الأمن الذي تعرقل روسيا قراراته عبر استخدام الفيتو"، مشيرا إلى أن "هذا الأمر لم يحصل في سورية، ولم يفرض الغرب أي عقوبات على روسيا نتيجة ما فعلته وتفعله من جرائم في سورية، وهذا يظهر أن الدم السوري رخيص للأسف"، وفق تعبيره.
ووفق تقرير سابق لـ"المرصد السوري لحقوق الإنسان"، فقد قتلت القوات الروسية 8683 مدنيا في سورية، بينهم 2108 أطفال دون سن الثامنة عشرة، و1321 امرأة، وذلك منذ بدء انخراطها العسكري في سورية لدعم نظام بشار الأسد في 30 سبتمبر/ أيلول من العام 2015.