انتخابات كازاخستان: التجديد لتوكاييف تحت شعار ديمقراطي

20 نوفمبر 2022
من التحضيرات لانتخابات اليوم في أستانة (فياتشيسلاف أوسيليدكو/فرانس برس)
+ الخط -

بعد الإعلان، الخميس الماضي، عن إحباط محاولة انقلابية، كانت مقررة اليوم الأحد بمناسبة إجراء الانتخابات المبكرة في كازاخستان، من المرتقب توجّه الناخبين الكازاخستانيين إلى صناديق الاقتراع لفتح صفحة جديدة في مسار البلاد.

وفي خطوة لإنهاء مرحلة انتقالية استمرت نحو ثلاث سنوات، يتوجه الكازاخيون اليوم الأحد لانتخاب رئيس جديد للبلاد، في انتخابات مبكرة وفق الدستور الجديد، الذي أُقرّ في يونيو/حزيران الماضي، بعدما وافق نحو 77 في المائة من المواطنين على تعديل حوالي ثلث مواده، وأهمها تقليص صلاحيات الرئيس وفترة حكمة إضافة إلى تعزيز دور البرلمان.

ويأمل الرئيس الكازاخي قاسم جومارت توكاييف في أن تكون الانتخابات بداية لبناء "كازاخستان جديدة"، بعد أكثر من ثلاثة عقود على استقلالها عن الاتحاد السوفييتي السابق، وأن تفتح مرحلة استقرار بعد عام عاصف بدأ باضطرابات نادرة في الجمهورية الغنية، احتجاجاً على الغلاء وسوء توزيع الثروة.

واستغل توكاييف هذه التطورات من أجل تثبيت حكمه والخروج من عباءة "أبي الأمة" نور سلطان نزارباييف الذي جُرّد من جميع ألقابه ومناصبه، وتراجع نفوذ عائلته ورجاله، وتم التراجع عن تسمية العاصمة في عام 2019 باسمه "نور سلطان" لتعود إلى أستانة، في سبتمبر/أيلول الماضي.

رفع مستوى المشاركة في انتخابات كازاخستان

وعلى الرغم من أن النتيجة محسومة سلفاً لصالح توكاييف، إلا أن السلطات تعمل على رفع مستوى المشاركة في الانتخابات، التي ستسمح للرئيس بمواصلة خطته الإصلاحية ونقل أكبر بلد في آسيا الوسطى خطوة إضافية باتجاه الديمقراطية والتعددية، في حال الالتزام بالوعود الانتخابية والدستور الجديد.

ويبدو أن التحدي الأكبر بالنسبة لتوكاييف يكمن في الحدّ من تأثير الحرب الروسية على أوكرانيا على بلاده سياسياً واقتصادياً ومجتمعياً، ومحاولة المحافظة على التوازن الدقيق في العلاقات الخارجية مع كل من روسيا والصين والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في ظروف انقسام دولي حاد، ومشكلات تعانيها دول الجوار في آسيا الوسطى، واستمرار الخطر من أفغانستان بعد صعود حركة طالبان للحكم في صيف عام 2021.


للمرة الأولى تشارك سيدتان في الانتخابات الرئاسية بعد قبول ترشحهما

وتنظم الانتخابات في مناخ أكثر ديمقراطية من السابق، ويترشح توكاييف عن ائتلاف من الأحزاب الموالية للحكومة بقيادة حزب "أمانات" وهو الاسم الجديد للحزب الذي أسسه نزارباييف عام 2006 باسم "نور أوطان"، وينافسه خمسة مرشحين غير معروفين على نطاق واسع، أو عملوا مع توكاييف في السنوات الأخيرة، ولا حظوظ لهم عملياً بالفوز في مقعد الرئاسة.

وللمرة الأولى تشارك سيدتان في الانتخابات الرئاسية بعد قبول ترشحهما في لجنة الانتخابات المركزية. وترشحت سلطانات تورسينبيكوفا من جمعية "الأمهات الكازاخستانيات - طريق التقاليد"، وكان توكاييف قد عيّنها نائبة لرئيس اللجنة الوطنية لشؤون المرأة والأسرة والسياسة الديمغرافية في مارس/آذار الماضي، وتركز في برنامجها الانتخابي على إضفاء الطابع الديمقراطي على مؤسسات السلطة وتطوير المجتمع المدني.

والمرشحة الثانية هي كركات عابدين، التي عملت سابقاً نائبة لمدير المدرسة الوطنية للسياسة العامة، ومفتشةً للجنة الابتكار في حزب "نور أوطان". وتقول إن "أساس ودعم وطننا هو الأسرة التي يجب أن تكون في الصدارة في بناء مجتمع متحضر".

وإضافة إلى السيدتين يشارك ثلاثة رجال هم نورلان أويسباييف من الحزب الوطني الديمقراطي الاجتماعي، الرافض في برنامجه الشكل الرئاسي للحكم، وزيغولي دايراباييف، وهو رئيس لجنة مجمع الصناعات الزراعية في هيئة رئاسة الغرفة الوطنية لرواد الأعمال. كما شغل بين ديسمبر/كانون الأول 2019 ويونيو الماضي، منصب رئيس اتحاد المزارعين في كازاخستان.

وأخيراً ميرام كاجيكين عن اتحاد النقابات العمالية، وهو مدير معهد دراسات المجتمع المعاصر، علماً أنه كان مستشاراً لرئيس وزراء كازاخستان الأسبق دانيال أخميتوف (2003 ـ 2007)، وعمل رئيساً للجنة الصناعة والتنمية العلمية والتكنولوجية في وزارة الصناعة والتجارة.

انتخابات مبكرة وتعديلات دستورية

ووقّع توكاييف مرسوماً بشأن الدعوة إلى انتخابات مبكرة في نهاية سبتمبر الماضي، فور اعتماد تعديلات على دستور البلاد شطبت جميع الإشارات إلى الرئيس الأول، نور سلطان نزارباييف، من القانون الأساسي، وأعيد اسم أستانة إلى عاصمة الجمهورية، على الرغم من أن توكاييف نفسه هو من اقترح تغيير تسمية المدينة إلى نور سلطان في عام 2019.

وتضمّن الدستور الجديد بنداً يقضي بأنه لا يمكن انتخاب الرئيس إلا لفترة واحدة مدتها سبع سنوات فترة من دون الحق في إعادة الانتخاب، علماً أنه كان يحق للرئيس أن يشغل هذا المنصب لفترتين مدة كل منهما خمس سنوات.

وفي نهاية الأسبوع الماضي بثت قناة "خبر" التلفزيونية مناظرات بين المرشحين بغياب توكاييف، الذي مثّله رئيس البرلمان إرلان كوشانوف في المناظرة التي لم يوجه أي من المرشحين انتقادات لتوكاييف ولم تتطرق إلى قضايا عميقة في السياسات الداخلية والخارجية.

واعتمد توكاييف شعاراً انتخابياً رئيسياً هو "كازاخستان عادلة للجميع ولكل فرد". وشدّد في نهاية الشهر الماضي على أن "فكرة العدالة هي أساس كل قرار نتخذه، وننطلق من حقيقة أن ثروتنا الرئيسية وميزتنا التنافسية هم المواطنون"، متعهداً بتأمين جميع الظروف لخلق منافسة سياسية حقيقية في كازاخستان، وتهيئة الظروف لنقاش حضاري بين الأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني.

وأكد توكاييف أنه يدعم توسيع صلاحيات السلطات التنفيذية المحلية، وتعزيز استقلال القضاء، وزيادة القدرة الدفاعية للجيش، وخلق "اقتصاد عادل" يبدأ بإنهاء تحكّم الأقلية من رجال الأعمال المقربين من السلطة بأهم قطاعات الاقتصاد، وما جرّه من مشكلات تمثلت في التفاوت الاجتماعي الهائل وانعدام التنافسية.


تمايزت كازاخستان عن روسيا في ملف الحرب الأوكرانية

ومن الواضح أن البرنامج الانتخابي لتوكاييف انطلق من متابعة الإصلاحات والإجراءات التي أطلقها بعد أحداث بداية العام الحالي المأساوية حين اندلعت احتجاجات حاشدة في جميع أنحاء البلاد، وكان السبب في ذلك ارتفاع أسعار الغاز.

وتحولت التظاهرات إلى أعمال شغب، وطالب المتظاهرون باستقالة الحكومة، وبعدها سيطرت مجموعات على مدينة ألماتا، جنوبي البلاد، وسجلت أعمال نهب وسرقة، وقُتل نتيجة هذه الاضطرابات أكثر من 230 شخصاً من ضمنهم 19 مسؤولاً عسكرياً وأمنياً.

وألمحت السلطات الكازاخستانية مراراً وتكراراً إلى تورط أفراد من عائلة نزارباييف في أعمال الشغب هذه. وبعد قمع الاحتجاجات، فَقَد جميع أفراد أسرة الرئيس السابق تقريباً مناصبهم الحكومية، ووجهت اتهامات بالخيانة لكثير من المسؤولين الأمنيين والعسكريين المقربين من عائلة نزارباييف، وسحبت امتيازات كثيرة من العائلة وحيتان المال المقربين منها.

والأرجح أن توكاييف استطاع تأكيد شرعيته كزعيم تأقلم ونجا من أحداث بداية العام، وبعدها نال الثقة بمشروعه السياسي الجديد عبر موافقة أكثر من 77 في المائة من المواطنين على تعديل الدستور في يونيو الماضي.

ولهذا فإن هدف الانتخابات المبكرة الحالية هو الحصول على تفويض شعبي من أجل الانتهاء من عملية نقل السلطة، وحصول توكاييف على فترة رئاسية لسبع سنوات.

في المقابل، لا يمكن إهمال أن الانتخابات الحالية تختلف جذرياً عن الانتخابات في عهد نزارباييف، فالمدونون أبدوا رأيهم بحرية، وظهرت في مواقع التواصل الاجتماعي انتقادات لشخص توكاييف من دون أي خوف من المساءلة.

ومن اللافت أن ورقة الاقتراع تضمنت إضافة إلى أسماء المرشحين الستة، عموداً للتصويت ضد الجميع، ما يعني أن الأصوات الاحتجاجية سوف توجه تلقائياً إلى رفض الجميع.

وتميزت كازاخستان بعلاقاتها الطيبة مع روسيا، فالبلدان عضوان مؤسسان في عدد من المنظمات الاقتصادية والأمنية والعسكرية، التي عملت روسيا على بنائها بعد انهيار الاتحاد السوفييتي ومن ضمنها الاتحاد الاقتصادي الأوروآسيوي، ومنظمة شنغهاي، ومنظمة معاهدة الأمن الجماعي، التي أرسلت قواتها بداية العام الحالي لإنهاء الاحتجاجات.

وتعد كازاخستان من أهم شركاء روسيا السياسيين والاقتصاديين، ولكن السنوات الأخيرة شهدت توتراً على خلفية عدم اعتراف كازاخستان بضم روسيا لشبه جزيرة القرم الأوكرانية، وازدادت الخلافات مع تصريحات مسؤولين وإعلاميين روس بأن مناطق واسعة من كازاخستان يجب أن تعود لروسيا، وأن كازاخستان لم تكن دولة موجودة قبل سيطرة الإمبراطورية الروسية عليها.

وازدادت المشكلات بعد الحرب الروسية على أوكرانيا، وعلى الرغم من أن كازاخستان سعت إلى الحياد فإن مواقفها لم ترق إلى طموحات الكرملين، خصوصاً بعد إعلان توكاييف في منتدى سانت بطرسبرغ الاقتصادي الدولي في يونيو الماضي بوضوح أنه لن يعترف بأشباه دول وأنه يلتزم القانون الدولي بشأن حق الدول في السيادة على أراضيها.

وكان لافتاً أن توكاييف أطلق هذه التصريحات وهو إلى جوار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي التزم الصمت حينها، لكن موسكو ردت بعدها بأيام بإيقاف خط الأنابيب الرئيسي الذي ينقل معظم النفط الكازاخي إلى الأسواق العالمية عبر منصات في مدينة نوفوروسيسك في البحر الأسود بحجة "حصول انتهاكات بيئية". وقبلها تذرعت موسكو بالعواصف ووجود ألغام من الحرب العالمية الثانية (1939 ـ 1945) لإيقاف تصدير النفط الكازاخي.

ويبدو أن موسكو غير المرتاحة لموقف أستانة تريد الضغط عليها، خصوصاً أن اقتصاد كازاخستان يعتمد بشكل رئيسي على صادرات النفط، التي تمثل 56 في المائة من قيمة الصادرات الخارجية و55 في المائة من موازنة الدولة.

كما تسعى موسكو لحرمان الأوروبيين من تعويض النقص الحاصل نتيجة وقف الصادرات من روسيا، لأن كازاخستان من أكبر منتجي النفط في العالم وتزود الاتحاد الأوروبي بنحو ستة في المائة من احتياجاته عبر روسيا وقسم أقل عبر خط باكو (أذربيجان) تبليسي (جورجيا) جيهان (تركيا).

وبعث ضمّ روسيا لشبه جزيرة القرم وتشكيك مسؤولين روس بوحدة الأراضي الكازاخية، مخاوف من استغلال روسيا المواطنين الكازاخيين من أصول روسية لتكرار السيناريو الأوكراني. ويشكّل الكازاخيون أكثر من 70 في المائة من سكان البلاد، بينما يشكل الروس نحو 15 في المائة والباقي من قوميات مختلفة أوكرانية وأوزبكية والإيغور وغيرهم.

وازدادت المخاوف بعد لجوء ما يزيد عن 200 ألف شاب روسي إلى كازاخستان، هرباً من "التعبئة الجزئية" التي أعلنها بوتين في سبتمبر الماضي، خصوصاً أن معظم الروس الفارين من التعبئة اختاروا المدن التي تقطنها أغلبية روسية، ما قد يغيّر في التركيبة السكانية لهذه المناطق لصالح القومية الروسية.

وفي مواجهة تدفق الروس الكبير فرضت السلطات الكازاخية في 7 نوفمبر/تشرين الثاني الحالي شروطا جديدة على منح الجنسية، تتضمن معرفة اللغة الكازاخية، وأساسيات التشريع الوطني في البلاد وتاريخها.


البرنامج الانتخابي لتوكاييف ينصّ على متابعة الإصلاحات بعد احتجاجات يناير الماضي

وتعمل كازاخستان على استمرار علاقاتها الطيبة مع الصين والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، كما تنسق مع تركيا بشكل كبير في السنوات الأخيرة. وأكدت أكثر من مرة أنها سوف تلتزم بعدم خرق العقوبات الغربية، وأنها لن تتحول إلى ساحة لالتفاف الروس على العقوبات.

دعوة توكاييف المواطنين للاقتراع

وفي اختيار لا يخلو من لفتة رمزية، اختتم توكاييف حملته الانتخابية الأربعاء الماضي بزيارة مدينة ألماتا، التي كانت ساحة لأعنف الاحتجاجات في يناير الماضي، ومنها حثّ مواطنيه على "إظهار وعي مدني ووطنية نشطة" والمشاركة في محطة الانتخابات المهمة في طريق "التغيرات المصيرية".

وفي إشارة إلى القطع مع مرحلة "القائد الملهم" و"أبي الأمة"، قال توكاييف في تجمّع انتخابي إن الرئيس مجرد "مدير" يبرم معه الشعب عقداً لمدة معينة نتيجة انتخابات حرة.

ومن المؤكد أنه لا يمكن تجاهل نسائم التغيير في كازاخستان التي بدأت منذ أشهر بتعديلات دستورية لافتة، وانتخابات تعددية بوجود منافسة نسوية. وفي تصريحاته الأخيرة أكد توكاييف أن الرئاسة ليست امتيازاً بقدر ما هي مسؤولية جسيمة. وأشار إلى "كل من شغل هذا المنصب سيحاسب أمام القضاة الثلاثة الأكثر صرامة: الشعب والتاريخ وضميرهم".

وفي حين تمنح الانتخابات الحالية توكاييف، الدبلوماسي المحنك الذي يقترب من عامه السبعين، إمكانية إدارة البلاد نظرياً حتى 2029، فإن الانتخابات المبكرة باتت تقليداً مألوفاً في كازاخستان، وكذلك تعديل الدستور.

وفي 31 عاماً من عمر الدولة الفتية نُظمت الانتخابات الرئاسية ست مرات، منها خمس مرات قبل الموعد المحدد، ولا يوجد ما يضمن ألا يحدث الشيء ذاته بعد هذه الانتخابات السابعة من نوعها في بلد يملك ثروات طائلة، جعلت منه إضافة إلى موقعه الجغرافي مكاناً للتنافس بين القوى الإقليمية والدولية. كما تلقي تركيبته السكانية والمكونة أساساً من الروس والكازاخ ثقلاً إضافياً على أي رئيس منتخب خشية تكرار التجربة الأوكرانية المرّة.