استمع إلى الملخص
- لبنان يطالب مجلس الأمن باتخاذ موقف حازم ضد الاعتداءات، فيما أكد الأمين العام للأمم المتحدة على ضرورة عدم تكرار الهجمات واعتبرتها "هيومن رايتس ووتش" انتهاكًا لقوانين الحرب.
- تواصل اليونيفيل مهامها بموجب القرار 1701 رغم المخاطر، ورفضت طلبًا إسرائيليًا بإجلاء قواتها، مؤكدة على أهمية الحل الدبلوماسي.
كثف جيش الاحتلال الإسرائيلي في الساعات الماضية من ضرباته على مواقع تابعة لقوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل)، وتحديداً في الجنوب، بالتزامن مع انتقادات اسرائيلية طاولت عمل "حفظة السلام" ومطالبات بنقلها خمسة كيلومترات إلى الشمال "للابتعاد عن الخطر مع اشتداد الصراع"، ومحاولات تقويض مهامها، الأمر الذي وضعته أوساط لبنانية في إطار المخطط المضمر لإنهاء دورها على الحدود.
وعلى الرغم من الاستنفار الدولي ضد هجمات إسرائيل ووضعها في إطار جرائم الحرب والانتهاك الفاضح للقانون الدولي، والدعوة إلى حماية قوات حفظة السلام، تعرّض المقرّ العام لليونيفيل في الناقورة، اليوم الجمعة، لانفجارات، وذلك للمرة الثانية خلال 48 ساعة، حيث أصيب جنديان بعد وقوع انفجارين بالقرب من برج مراقبة، وتم نقل أحد الجرحى إلى مستشفى في صور، بينما يتلقى الثاني العلاج في الناقورة.
وقال بيان صادر عن "اليونيفيل": "اليوم انهارت عدة جدران حماية في موقعنا التابع للأمم المتحدة رقم 1-31، بالقرب من الخط الأزرق في اللبونة، عندما اصطدمت جرافة إسرائيلية محيط الموقع وتحركت دبابات إسرائيلية بالقرب من موقع الأمم المتحدة، وظل جنود حفظ السلام التابعون لنا في الموقع، وتم إرسال قوة رد سريع تابعة لليونيفيل لمساعدة الموقع وتعزيزه".
وأشارت "اليونيفيل" إلى أن "هذه الحوادث تضع قوات حفظ السلام التي تعمل في جنوب لبنان بناءً على طلب مجلس الأمن بموجب القرار 1701 (2006)، في خطر شديد للغاية"، معتبرة أنّ ما حدث "يشكل تطوراً خطيراً"، مؤكدة "ضرورة ضمان سلامة وأمن موظفي الأمم المتحدة وممتلكاتها واحترام حرمة مباني الأمم المتحدة في جميع الأوقات"، ومشددة على أنّ "أي هجوم متعمّد على جنود حفظ السلام يشكل انتهاكاً خطيراً للقانون الإنساني الدولي وقرار مجلس الأمن 1701".
ويعتبر لبنان أنّ استهداف اليونيفيل من جانب الاجتلال الإسرائيلي هو ممنهجٌ ومتعمّدٌ، ضمنه قصف أبراج مراقبة في المقرّ الرئيسي لقوات الأمم المتحدة في رأس الناقورة، وفي مقرّ الكتيبة السريلانكية، ما أدى إلى سقوط عدد من الجرحى في صفوفها، مشدداً على أنّ "الطلب منها بشكل غير مشروع إخلاء مواقعها في الجنوب اللبناني خلافاً لولايتها التي حدَّدها مجلس الأمن تعدّ سابقة خطيرة، وتؤكد مرة أخرى استباحة إسرائيل للشرعية الدولية، وعدم امتثالها للقوانين والمواثيق الدولية، وللقانون الدولي الإنساني، وقد تشكل جريمة حرب، إضافة إلى انتهاكها الصارخ والمستمر لقرار مجلس الأمن الدولي الرقم 1701".
وأشارت الخارجية اللبنانية إلى أنّ "هذه الاعتداءات المقصودة تُعرِّض سلامة قوات اليونيفيل وأمنها لخطر شديد تتحمل إسرائيل مسؤوليته. ولا يمكن فصل هذه الاستهدافات عن المحاولات الإسرائيلية المتكررة والمتواصلة لتقويض مهمة اليونيفيل، وعرقلة عملية التجديد السنوية لولايتها، وإلغاء التفويض الممنوح لها من قبل مجلس الأمن".
وطالب لبنان "مجلس الأمن والمجتمع الدولي والدول المساهمة في مهمة اليونيفيل بالدعوة إلى فتح تحقيق بالموضوع، واتخاذ موقف حازم وصارم من هذه الاعتداءات، وإدانتها بشدة لأن عدم ردع اسرائيل ووضع حدّ لانتهاكاتها سيسمح لها بالتمادي في هجماتها على اليونيفيل، وسيبعث برسالة خاطئة قد يكون لها تبعات خطيرة على مهمات الأمم المتحدة لحفظ السلام حول العالم، وعلى سلامة أفرادها وممتلكاتها".
وأكد الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، اليوم الجمعة، أنّ على إسرائيل عدم تكرار إطلاق النار على قوة اليونيفيل في جنوب لبنان، مشدّداً على أنّه أمر "غير مقبول". وقال غوتيريس بعد محادثات مع قادة دول جنوب شرق آسيا في قمة في لاوس، "كان هناك بطبيعة الحال رد فعل من العديد من الأطراف تضامناً مع عنصري قوات حفظ السلام اللذين أصيبا، وعبر إبلاغ إسرائيل بوضوح تام بأنّ هذا الحادث غير مقبول ويجب ألا يتكرّر". من جانبها، دعت منظمة "هيومن رايتس ووتش" إلى إجراء تحقيق أممي في الهجمات الإسرائيلية على اليونيفيل، معتبرة أنّ ما حصل انتهاك مفترض لقوانين الحرب.
اليونيفيل أهم حواجز الحرب بالنسبة إلى إسرائيل
في الإطار، يقول المحلّل العسكري والإستراتيجي العميد نزار عبد القادر لـ"العربي الجديد"، إنّ "إسرائيل تعتبر أن من أهم حواجز الحرب التي تشنّها على لبنان هو بقاء اليونيفيل في مواقعها وعلى طول الخطّ الأزرق". ويعتبر عبد القادر أنّ "ذلك قد يكون في إطار التحضير لمرحلة لاحقة إذا حاولت إسرائيل (أو إذا فعلت)، أن تقوم بهجوم فعلي واسع وليس بمناوشات على طول الخط الأزرق، وإطلاق الفرق الآلية والمدرّعة المحشودة على حدودها للقيام باختراق معين على الأقل على ثلاث محاور، في الشرق والوسط والغرب، من أجل دفع جماعة حزب الله إلى ما وراء خط الليطاني في مرحلة أولى، وما وراء الخط الأوّلي في مرحلة ثانية، بهدف احتلال منطقة واسعة بعمق يقدّر بـ40 كلم وإبعاد وجود حزب الله على مقربة من حدودها وبالتالي تأمين الحماية اللازمة للمستوطنين في شمالي إسرائيل".
ويلفت إلى أن هذا ما تريده إسرائيل من خلال اعتدائها المتكرّر على قوات اليونيفيل بدفعها بالقوة للانسحاب إلى ما وراء الليطاني. من ناحية ثانية، يستبعد عبد القادر وقف مهام اليونيفيل في الجنوب اللبناني، "لأنه لا يمكن للأمم المتحدة التي يحميها قرار مجلس الأمن والشرعية الدولية بكاملها أن تقبل بالانسحاب، فهذا يجعل العالم يتحوّل من كونه عالم أمن وسلام إلى عالم شريعة الغاب وإلى الإقرار ذاتياً وجماعياً بعدم فعالية الأمم المتحدة وتبطل قيمتها".
في السياق نفسه، يقول مصدرٌ في اليونيفيل لـ"العربي الجديد"، إنّ "اليونيفيل باقية في الجنوب اللبناني ولن تغادره إلا إذا صدر قرارٌ أممي دولي بذلك فهنا من الواجب احترامه، ولكنها حتى الساعة باقية، رغم المخاطر التي تتعرّض لها والاعتداءات الأخيرة التي طاولت مواقعها، وهي تكرّر في كل مناسبة دعوة جميع الأطراف إلى وقف إطلاق النار والذهاب باتجاه الحل الدبلوماسي الذي بالرغم من كل التطورات المتسارعة لا يزال ممكناً".
وكانت وسائل إعلام ذكرت في وقتٍ سابق أن اليونيفيل رفضت في الأيام الأخيرة طلباً إسرائيلياً بإجلاء قوات حفظ السلام من مواقعها في جنوب لبنان القريبة من الحدود مع إسرائيل. ونقل مراسل موقع أكسيوس الأميركي عن مسؤولين إسرائيليين كبار قولهم إن الجيش ووزارة الخارجية الإسرائيليّين تواصلا مع قادة اليونيفيل وقسم حفظ السلام في مقر الأمم المتحدة في نيويورك، وطلبا إبعاد قوات اليونيفيل إلى مسافة خمسة كيلومترات عن الحدود مع إسرائيل، تفادياً لأي ضرر قد ينجم عن العملية البرية التي يشنّها جيش الاحتلال في جنوب لبنان، لكن اليونيفيل رفضت الطلب.
تجدر الإشارة إلى أنه تم اعتماد القرار 1701 بالإجماع عام 2006، بهدف وقف الأعمال العدائية بين حزب الله وإسرائيل، حيث يدعو مجلس الأمن إلى وقف دائم لإطلاق النار على أساس إنشاء منطقة عازلة.
مهام اليونيفيل بموجب القرار 1701
بموجب القرار 1701، قرر المجلس اتخاذ خطوات لضمان السلام، من بينها السماح بزيادة قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان إلى حدٍّ أقصى يبلغ 15 ألف فرد، من أجل مراقبة وقف الأعمال العدائية، ودعم القوات المسلحة اللبنانية أثناء انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان، وضمان العودة الآمنة للنازحين. كما تواصل قوة اليونيفيل تفويضها الذي يتم تجديده سنويا، والذي أنشأه مجلس الأمن عام 1978.
ويمتد الخط الأزرق على طول 120 كيلومتراً على طول الحدود الجنوبية للبنان والحدود الشمالية لإسرائيل، وهو "مفتاح للسلام في المنطقة" وأحد العناصر المركزية للقرار 1701 منذ حرب عام 2006، حيث تتولى قوات اليونيفيل الأممية مهمة حراسته مؤقتاً، بحسب ما يذكر قرار مجلس الأمن.
وتراقب اليونيفيل الخط الأزرق، بما في ذلك المجال الجوي فوقه ومن خلال التنسيق والاتصال والدوريات لمنع الانتهاكات، وتبلغ عن جميع الانتهاكات إلى مجلس الأمن. وقد طلب المجلس الاستمرار في تقديم تقارير عن تنفيذ القرار 1701 كل أربعة أشهر.
وكلما وقع حادث عبر الخط الأزرق، تنشر اليونيفيل على الفور قوات إضافية إلى ذلك الموقع إذا لزم الأمر لتجنب صراع مباشر بين الجانبين وضمان احتواء الموقف. وفي الوقت نفسه، تتواصل مع القوات المسلحة اللبنانية والقوات الإسرائيلية من أجل وقف التصعيد.
ويمكن لليونيفيل استخدام القوة في ظروف معينة، من أجل ضمان عدم استخدام منطقة عملياتها في أنشطة عدائية، مثل مقاومة المحاولات باستخدام القوة لمنع قوات اليونيفيل من أداء واجباتها بموجب التفويض الممنوح لها من مجلس الأمن، وحماية أفراد الأمم المتحدة ومرافقها ومنشآتها ومعداتها، وضمان أمن وحرية تنقل موظفي الأمم المتحدة والعاملين في المجال الإنساني، وحماية المدنيين المعرضين لخطر العنف الجسدي الوشيك.