المفاوضات النووية الإيرانية: أسباب استئنافها في الدوحة وآفاقها

28 يونيو 2022
كبير المفاوضين الإيرانيين علي باقري كني (فرانس برس)
+ الخط -

من المقرر أن تستأنف المفاوضات النووية الرامية إلى إحياء الاتفاق النووي المبرم عام 2015 في الدوحة، اليوم الثلاثاء، دون مشاركة أطراف الاتفاق النووي أي (مجموعة 1+4) التي شاركت في ثماني جولات تفاوضية في فيينا منذ إبريل/نيسان 2021.

وتقتصر المشاركة في مفاوضات الدوحة على طهران وواشنطن، اللتين تتفاوضان بواسطة مفوضية السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي.

وعن سرّ اختيار قطر مكانا للمفاوضات، قال مستشار الوفد الإيراني المفاوض محمد مرندي في حديث مع "العربي الجديد"، إن "قطر بلد صديق"، فيما نقلت وكالة "نور نيوز" المقربة من مجلس الأمن القومي الإيراني المكلف بوضع ومتابعة السياسات الإيرانية حول الاتفاق النووي، الأحد الماضي، أن قطر المرشح الأوفر حظا لاستضافة المفاوضات القادمة لبذلها جهودا مستمرة بشأن المفاوضات النووية.

في السياق، قال رئيس تحرير موقع "الدبلوماسية الإيرانية"، علي موسوي خلخالي لـ"العربي الجديد"، إن اختيار قطر من قبل إيران مكانا للمفاوضات جاء انطلاقا من جهودها في الوساطة لخفض التوتر بين إيران وأميركا ولإحياء الاتفاق النووي"، مشيرا إلى تنظيم زيارات قطرية إلى إيران والولايات المتحدة لنقل رسائل بين الطرفين والتأسيس لـ"فضاء مطمئن" لخفض التوترات.

وأضاف موسوي خلخالي أن "إيران اختارت قطر لأنها شعرت بأن أوروبا وأميركا في جبهة واحدة، وأنه تجب متابعة المفاوضات في قطر لخلق التوازن لأنها تحظى بثقة إيران".

وقال إن مفاوضات الدوحة "آخر مرحلة للمفاوضات لأجل التوصل إلى اتفاق" لإحياء الاتفاق النووي، مضيفًا أنها "ستبحث الخلافات المتبقية، إذ من غير المقرر مناقشة الاتفاق النووي لأن التفاوض حوله وشكله وطبيعته قد تم في فيينا على أساس تعهد الأطراف بالتزاماتها المنصوص عليها بالاتفاق".

وأوضح موسوي خلخالي لـ"العربي الجديد"، أن مفاوضات الدوحة بين طهران وواشنطن تجري بواسطة الاتحاد الأوروبي، متوقعا أن تستمر لنحو أسبوعين أو ثلاثة أسابيع، مع التأكيد على عودة جميع الأطراف إلى فيينا لإبرام الاتفاق النهائي والتوقيع عليه هناك، إذا ما أفضت هذه المفاوضات إلى نتيجة.

أسباب استئناف المفاوضات

يرى مستشار وفد إيران المفاوض محمد مرندي في حديث مع "العربي الجديد"، أن استئناف المفاوضات جاء مدفوعا بـ"الردود الإيرانية الجادة على الممارسات الأميركية الحادة وغير العقلانية"، في إشارة إلى الإجراءات النووية الإيرانية رداً على القرار الأميركي الأوروبي الصادر عن مجلس المحافظين للوكالة الدولية للطاقة الذرية، في الثامن من الشهر الجاري.

ويضيف مرندي أنّ "الأميركيين شاهدوا أنّ إيران ستتصرف من منطلق القوة، وهم يعلمون أنّ ظروفهم كما ظروف الأوروبيين، باتت أكثر صعوبة بسبب الحرب الأوكرانية، لذلك فإن إبرام الاتفاق في مصلحة أميركا".

لكن الرئيس السابق للجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، حشمت الله فلاحت بيشه، له رأي آخر، حيث يعزو السبب الأول لاستئناف المفاوضات إلى المخاوف من اتساع شديد للأزمات التي نشبت خلال فترة التوقف، مضيفا في حديث مع "العربي الجديد"، أن المشاكل قد زادت بعد وقف المفاوضات، كما نشبت مخاوف لدى جميع الأطراف من احتمال وقوع "صراع نووي بارد" في المنطقة بين إيران وإسرائيل.

ويؤكد فلاحت بيشه أن "أحد أخطاء الطرفين كان جعل المفاوضات تحت تأثير الحرب الأوكرانية"، مشيرا إلى أن ذلك أطاح بالكثير من الفرص. وعن العامل الآخر يقول البرلماني الإيراني السابق إن "الدبلوماسية النووية متجذرة جدا ولا يمكنها أن تفشل بسهولة".

يفترض أن تناقش القضايا العالقة بين الطرفين في مفاوضات غير مباشرة بصيغة أخرى في الدوحة

وأضاف: "تم الاتفاق على نصين رئيسين في مفاوضات فيينا، الأول حول الالتزامات النووية الإيرانية، والثاني حول التزامات الأطراف الأخرى لتعليق العقوبات".

ويضيف فلاحت بيشه أن مفاوضات فيينا كانت قد وصلت إلى مرحلة "لم يكن ممكنا فيها نسف هذا الأساس الدبلوماسي"، قائلا إن سلوكيات الدبلوماسيين الإيرانيين والأميركيين في فيينا كانت على نحو "ينتفع منه الآخرون مثل روسيا فضلا عن لاعبين آخرين في المنطقة".

لكن اليوم بعد إقصاء الأطراف الأخرى من المفاوضات، "عادت (المفاوضات) إلى مسارها الصحيح"، كما يقول فلاحت بيشه الذي يؤكد أيضًا أنه لطالما دعا إلى اقتصار التفاوض على "الجانبين الإيراني والأميركي باعتبارهما الطرفين الأساسيين اللذين يمكنهما حل خلافاتهما مع بعضهما".

ويؤكد أن بقية الأطراف ليست إلا وسطاء و"لديها مصالح أخرى أدت إلى التضحية بالاتفاق في سبيل هذه المصالح"، لافتا إلى أن الاتحاد الأوروبي "لديه رؤية برغماتية حول الاتفاق ويسعى إلى إبرامه، وأن جوزيب بوريل مسؤول السياسة الخارجية للاتحاد لا يمثل مصالح أي دولة".

ويخلص الرئيس السابق للجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني إلى القول إن "إرادة سياسية تبلورت لدى طهران وواشنطن لاستئناف المفاوضات والتوصل إلى اتفاق"، معربا عن أمله في أن ينتهي الطريق الذي فتح في قطر إلى اتفاق وألا يتجه مرة أخرى إلى "متاهة مصالح لاعبين آخرين".

طبيعة الخلافات

واليوم الثلاثاء، فيما تستأنف المفاوضات النووية في الدوحة، ثمة قضايا ما زالت عالقة لم تنجح المفاوضات غير المباشرة بين طهران وواشنطن عبر مسؤول السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل ونائبه إنريكي مورا، خلال فترة توقف المفاوضات لنحو أربعة أشهر، في إيجاد حلول لها، حيث قال مستشار الوفد الإيراني بالمفاوضات النووية، محمد مرندي لـ"العربي الجديد" إنّ "الأميركيين لم يتخذوا بعد قراراً لازماً بشأن القضايا العالقة".

ويفترض أن تناقش هذه القضايا بين الطرفين في مفاوضات غير مباشرة بصيغة أخرى في الدوحة التي تستضيف كبير المفاوضين الإيرانيين علي باقري كني والمبعوث الأميركي للشأن الإيراني روبرت مالي، بالإضافة إلى وفد مفوضية السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي برئاسة إنريكي مورا الذي سيدير التفاوض غير المباشر بين الطرفين.

وعلى صعيد طبيعة القضايا العالقة بالمفاوضات، قال مستشار الوفد الإيراني للمفاوضات النووية، محمد مرندي لـ"العربي الجديد"، إن استئناف المفاوضات النووية لا يعني اقتراب التوصل إلى اتفاق لإحياء الاتفاق النووي، مؤكدا أن هذا الاتفاق "رهين إرادة الأميركيين"، فيما أكد أنّ إبرام الاتفاق يتوقف على "رفع العقوبات وتقديم ضمانات لإيران بشكل مقبول".

وشدد مرندي على ضرورة حصول إيران على ضمانات، لكي تتأكد من أنّ أميركا لا يمكنها تكرار سلوكها السابق بسهولة.

لكن مسؤول السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي خلال زيارته الأخيرة لطهران، أكد أن القضايا والخلافات المتبقية "سياسية"، مضيفا أن طهران وواشنطن لديهما "حسن النية" لإحياء الاتفاق النووي.

وفي السياق أيضا، أكد المتحدث باسم الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زادة، الإثنين، أن المفاوضات المقبلة ستركز على الخلافات المتبقية في موضوع رفع العقوبات. ولفت إلى أنها لن تشمل الأبعاد النووية، "ولن تضيف شيئاً إلى الاتفاقيات المنجزة في فيينا ولن تنقص منها شيئاً".

مستقبل المفاوضات

أما بشأن مستقبل المفاوضات، فيؤكد مستشار الوفد الإيراني، محمد مرندي، في حديثه مع "العربي الجديد"، أنّ "مستقبل المفاوضات رهين قرارات الأميركيين.. الحكومة الإيرانية أثبتت جديتها".

قلل مسؤول أميركي من سقف التوقعات بشأن نتائج مفاوضات الدوحة، فيما قال مسؤولان آخران إن المفاوضات قد لا تطول لأكثر من يومين أو ثلاثة أيام

لكن مسؤول السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل الذي يعد هذه الأيام أبرز الوسطاء بين طهران وواشنطن، قال: "لا أعلم بعد إن كانتا قادرتين على التغلب على المشاكل السياسية أم لا، لأننا نتحدث حاليا عن مشكلات سياسية. أنا أتصور أن هناك اتفاقا في البعدين الاقتصادي والفني، لكن في نهاية المطاف هناك تحفظات سياسية، وأنا لا أستطيع التكهن متى وكيف ستتغلبان عليها".

كما شدد خطيب زادة، الإثنين، على أن "الكرة في الملعب الأميركي"، رابطا التوصل إلى اتفاق بأن تثبت الإدارة الأميركية عمليا تخطيها تركة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، الذي قرر الانسحاب من الاتفاق النووي في العام 2018.

إلى ذلك، ربط وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، في تصريحات من أنقرة خلال مؤتمر صحافي مع نظيره التركي مولود جاووش أوغلو، عشية انطلاق مفاوضات الدوحة، نجاحها بأن "تمارس أميركا والدول الأوروبية الثلاث (فرنسا وبريطانيا وألمانيا) سلوكا واقعيا".

وعلى الضفة الأميركية أيضا، رُميت الكرة في الملعب الإيراني عشية مفاوضات الدوحة، حيث قال مستشار الأمن القومي الأميركي جيك ساليفان لوسائل الإعلام، الإثنين، إن "هناك اتفاقية على الطاولة لإيران"، مؤكدا أن إيران هي المعنية بقبولها أو رفضها.

وأضاف المسؤول الأميركي في الوقت ذاته أن بلاده عازمة على منع إيران من امتلاك الأسلحة النووية، مؤكدا أن "الاتفاق الدبلوماسي أفضل خيار لتحقيق ذلك"، ومشيرا إلى أن العودة المشتركة للاتفاق النووي تصب في مصلحة الولايات المتحدة وحلفائها.

في الأثناء، قلل مسؤول أميركي مطلع في حديثه مع لموقع "بوليتيكو" الأميركي من سقف التوقعات بشأن نتائج مفاوضات الدوحة، قائلا إن "التوقعات منخفضة للغاية". كما نقل الموقع عن مسؤولين أميركيين آخرين قولهما، إن مفاوضات الدوحة قد لا تطول أكثر من يومين أو ثلاثة أيام.

المساهمون