يبدو أن العلاقات الدبلوماسية بين المغرب وموريتانيا تتجه إلى التحسن، بعد فترةٍ غير قصيرة من التوتر الصامت، وذلك من خلال تحركات وتصريحات خلال الأيام الماضية، حملت بوادر انفراج في أجواء العلاقات بين البلدين. وفي ظلّ الأزمة التي تعيشها العلاقات بين الرباط ونواكشوط منذ وصول الرئيس محمد الشيخ ولد الغزواني إلى سدّة الحكم في موريتانيا، برز أخيراً الإعلان عن تشكيل مجموعةٍ للصداقة الموريتانية - المغربية في البرلمان الموريتاني، وتأكيد السفير المغربي في نواكشوط، حميد شبار، خلال مراسم الإعلان عن المجموعة، أن بلاده تطمح إلى "بناء شراكة حقيقية، تساهم في تعزيز وتحصين العلاقات الثنائية بين البلدين في جميع المجالات، ما يتطلب منّا ذلك بذل مجهود أكبر لتعزيزه".
ألقى تأسيس موريتانيا لجنة للصداقة مع جبهة البوليساريو، بظلاله على العلاقات بين الرباط ونواكشوط
وفي الوقت الذي عرفت فيه العلاقات المغربية - الموريتانية مطبّات كثيرة خلال الأشهر الماضية، يؤشر الإعلان، يوم الأربعاء الماضي، عن تشكيل اللجنة البرلمانية للصداقة الموريتانية المغربية في الجمعية الوطنية الموريتانية، بحضور وزير الثقافة والصناعة التقليدية والعلاقات مع البرلمان، لمرابط ولد بناهي، وممثل عن وزارة الخارجية الموريتانية، ونائب رئيس الجمعية الوطنية، إلى دينامية غير مسبوقة في تاريخ العلاقات بين البلدين. كما أنه يبعث إشارات سياسية عن بداية تجاوز انعكاسات تأسيس موريتانيا لجنة للصداقة مع جبهة البوليساريو، في يوليو/ تموز الماضي، بتمثيل عددٍ من الأحزاب الموريتانية، من بينها "التجمع الوطني للإصلاح" (تواصل) الإسلامي، و"الاتحاد من أجل الجمهورية" الحاكم، و"اتحاد قوى التقدم"، و"الاتحاد من أجل الديمقراطية والتقدم". هذا التأسيس كان قد ألقى بظلاله على العلاقات بين الرباط ونواكشوط، التي شهدت طيلة العقد الماضي، وحتى مع وصول الرئيس الموريتاني الجديد محمد ولد شيخ الغزواني للسلطة، حالة من الفتور والتوتر جراء ارتباطات البوليساريو بالنظام والقوى السياسية في هذا البلد.
وفي الوقت الذي كان فيه عددٌ من المراقبين يراهنون على أن يحمل وصول ولد شيخ الغزواني فرصة لإعادة إطلاق علاقات مغربية - موريتانية أكثر متانة، لا سيما بعد القطيعة التي طبعت العلاقات السياسية بين البلدين في ظلّ فترة حكم محمد ولد عبد العزيز، فإن العكس هو ما حصل.
ولم تكد العلاقات بين الرباط ونواكشوط تخرج من أزمتها الصامتة، بعد الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة إلى العاصمة الموريتانية في 18 فبراير/ شباط الماضي، حتى عادت إلى مربع التوتر مجدداً، إثر التصريحات التي أطلقها ولد الغزواني بشأن قضية الصحراء في 6 مارس/ آذار الماضي. ففي الوقت الذي عبّر فيه بوريطة خلال زيارته موريتانيا عن رغبته في "علاقات استثنائية" مع الجارة الجنوبية، شدّد ولد الغزواني على أن السياسة الموريتانية تجاه قضية الصحراء لم تتغير، معتبراً، في أول مؤتمر صحافي له منذ انتخابه رئيساً في يونيو/ حزيران 2019، أن "موقف موريتانيا من قضية الصحراء لم ولن يتغير، وهو الاعتراف بالجمهورية الصحراوية، لأنه موقف من ثوابت السياسة الخارجية للبلد". وأضاف "موقفنا لا يزال هو نفسه، أي الحياد الذي تبنته موريتانيا، لكنه حيادٌ إيجابي، بحكم العلاقة بمختلف الأطراف، وحساسية الملف، وأهمية الحلّ بالنسبة إلى الدولة الموريتانية". مع العلم أن العلاقات المغربية ـ الموريتانية شهدت طوال العقد الماضي حالة فتور، بسبب تباين المواقف حول قضية الصحراء وارتباطات جبهة البوليساريو.
وقبل زيارة بوريطة لنواكشوط، كان هناك حديث عن أزمةٍ صامتة بين البلدين، على خلفية التصريحات التي كان قد أدلى بها بوريطة قبل ذلك بأيام في الرباط، بحضور وزيرة الخارجية الإسبانية أرانتشا غونزاليز لايا، والتي أكد فيها أن علاقات الجوار التي تجمع بلاده مع إسبانيا أفضل من الجزائر وموريتانيا. وما زاد من الشكوك حول سوء العلاقات بين البلدين، إقدام موريتانيا على منع وزير ثقافتها سيدي محمد ولد الغابر، من السفر إلى المغرب للمشاركة في المعرض الدولي للكتاب في الدار البيضاء، في فبراير/ شباط الماضي، على الرغم من أن موريتانيا كانت ضيفة الشرف، قبل أن تنفي الحكومة الموريتانية وجود أي توتر بين البلدين، عقب خطوة المنع.
الحديث المغربي عن جهود لترقية العلاقات يعكس فعلاً وجود صعوبة في تحسين العلاقات الثنائي
وعاد الرئيس الموريتاني لمعاكسة انتظار الرباط لتجاوز سوء الفهم في العلاقات بين البلدين، بعدما وجّه رسالة تهنئة إلى زعيم البوليساريو، إبراهيم غالي، بمناسبة حلول عيد الفطر، وهي الرسالة التي عمدت الجبهة للترويج لها بشكل واسع، بعدما وصف فيها ولد الغزواني غالي بـ"رئيس الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية". وقرأت الرباط من جهتها في الرسالة "انحيازاً موريتانياً خطيراً" للبوليساريو والجزائر، وتراجعاً عما صرح به وزير الخارجية الموريتاني إسماعيل ولد الشيخ أحمد في بداية حكم ولد الغزواني، حين قال، في ندوة صحافية في 7 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019 بنواكشوط، إن الوقت حان لإنهاء النزاع في الصحراء وإيجاد حلٍّ عادل ودائم ومقبول لدى جميع أطراف هذا الصراع، مشيراً إلى أن نزاع الصحراء هو سبب تجميد اتحاد المغرب العربي.
وفي ظلّ الأجواء المتوترة التي سادت خلال الأشهر الماضية، تُطرح أكثر من علامة استفهام حول ما إذا كان تشكيل لجنة الصداقة البرلمانية، وإعلان السفير المغربي أن الرباط تطمح إلى "بناء شراكة حقيقية وتحصين العلاقات مع موريتانيا" سيساهم في تبديد سوء الفهم الكبير بين البلدين الجارين، أم أن الوضع سيبقى على ما هو عليه.
مدير "مركز الصحراء وأفريقيا للدراسات الاستراتيجية"، عبد الفتاح الفاتحي، يرى أن حديث السفير المغربي عن أن ترقية العلاقات بين البلدين تتطلب جهوداً، يترجم فعلاً وجود صعوبة في تحسين العلاقات الثنائية بسبب عدد من المواقف المساندة للطرح الانفصالي. ويلفت في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن موريتانيا أبدت الكثير من التأييد لجبهة البوليساريو في عهد ولد الغزواني، مقارنة بالدعم الذي لقيته في عهد محمد ولد عبد العزيز حينما كان رئيساً للاتحاد الأفريقي. ويؤكد الفاتحي أن المغرب يثابر من أجل بناء علاقات نموذجية مع الجارة الجنوبية، ويواصل إصراره، على الرغم من أنه لم يلق قبولاً مميزاً من الجانب الموريتاني، بعدما سارعت نواكشوط إلى تأسيس مجموعة برلمانية للصداقة مع البوليساريو. كما أن خطاب الرئاسة لولد الغزواني الذي كان ينتظر منه مغربياً أن يؤسس لعلامات فارقة نحو علاقات نموذجية مميزة، أتى بخلاف ذلك، بحسب المحلل المغربي.
ويرى الفاتحي أنه "على الرغم من ذلك، فإن المملكة لم تيأس من خلق علاقات استراتيجية قوية بين البلدين، بالنظر إلى عمق العلاقات الجغرافية والتاريخية والثقافية والاجتماعية"، مؤكداً أن "المملكة ستواصل مدّ يدها بقوة إلى جارتها، لإعادة رسم علاقات أخوية تستوعب المتغيرات الحالية على المستوى الدولي والإقليمي، وتؤسس لمشروع تعاوني وشراكة بين البلدين بعيداً عن التجاذب والاستقطاب السياسي اللذين ترهن بهما الجزائر المنطقة في لعبة الصراع الإقليمي عبر ورقة النزاع المفتعل حول الصحراء"، على حدّ قوله.