تتجه الأنظار في الساعات المقبلة، اليوم الأربعاء، نحو ما ستقرره أحزاب المعارضة في المغرب بشأن تنفيذ تهديدها بتقديم ملتمس رقابة لإسقاط حكومة سعد الدين العثماني، وذلك كرد على تصويت كتلة حزبه "العدالة والتنمية"، قائد الائتلاف الحكومي الحالي، بمجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان)، ضد المشروع الحكومي الخاص بالاستعمالات المشروعة للقنب الهندي.
وفي الوقت الذي يتجه فيه مجلس النواب إلى إقرار المشروع الحكومي لقوننة استعمال القنب الهندي لأغراض طبية وصحية وصناعية، يثار جدل حول توقيت تهديد أحزاب المعارضة بتقديم ملتمس الرقابة ومراميها، لا سيما أن الخطوة تأتي في الرمق الأخير من عمر الحكومة الحالية وقبل 3 أشهر من الانتخابات التشريعية المقبلة، وكذا في ظل مخاوف من أن يدخل التهديد البلاد في أزمة دستورية وسياسية.
ويزداد الجدل حول التهديد باللجوء إلى ملتمس الرقابة في ظل تردد في صفوف أحزاب المعارضة بدا لافتا من خلال إعلانها، صباح اليوم، عن تنظيم مؤتمر صحافي مشترك لإعلان موقفها النهائي، قبل أن تعود ساعة بعد ذلك لتعلن عن تأجيله دون تحديد موعد جديد، ما جعل المراقبين يطرحون أكثر من علامة استفهام حول ما حصل.
وبحسب مصادر في المعارضة، تحدثت لـ"العربي الجديد" شريطة عدم ذكر اسمها، فإن تأجيل إعلان المؤتمر الصحافي مرده إلى اعتراض قيادة حزب "الاستقلال" على الخطوة، مقترحة اللجوء إلى الفصل 101 من الدستور المغربي، الذي يقضي بأن على "رئيس الحكومة أن يعرض أمام البرلمان الحصيلة المرحلية لعمل الحكومة، إما بمبادرة منه، أو بطلب من ثلث أعضاء مجلس النواب، أو من أغلبية أعضاء مجلس المستشارين".
ووفق المصادر ذاتها، فإنه في الوقت الذي تمسكت فيه قيادة كل من حزب "الأصالة والمعاصرة" و"التقدم والاشتراكية" بملتمس الرقابة، ينتظر أن تحسم قيادة "الاستقلال" موقفها النهائي خلال اجتماع اللجنة التنفيذية للحزب مساء اليوم.
وكان الأمين العام لـ"الأصالة والمعاصرة" عبد اللطيف وهبي قد أعلن عن وجود اتفاق بين المعارضة على تقديم ملتمس الرقابة في حال تصويت الحزب الأغلبي (العدالة والتنمية) ضد المشروع، على اعتبار أن ذلك التصويت سيكون "سلوكا خطرا على الديمقراطية".
واعتبر وهبي، خلال برنامج إذاعي بث في 19 مايو/ أيار الحالي، أن تصويت "العدالة والتنمية" في لجنة الداخلية بمجلس النواب ضد المشروع "عبثي"، وأنه يهدد باندثار الائتلاف الحكومي، لافتا إلى أنه ذهل من حقيقة أن حكومة برئاسة زعيم "العدالة والتنمية" سعد الدين العثماني، تمكنت من اعتماد القانون نفسه داخل مجلسها (الحكومي)، في حين أنه أثناء عرضه على البرلمان قام نواب الحزب بشن هجوم شرس على هذا النص.
وتنص المادة 105 من دستور 2011 على أنه يمكن لمجلس النواب الشروع في التصويت على ملتمس رقابة ضد السلطة التنفيذية، ولا يقبل هذا الملتمس إلا إذا تم التوقيع عليه من قبل ما لا يقل عن 20 في المائة من أعضاء المجلس. وتؤكد المادة نفسها أنه "لا تصح الموافقة على ملتمس الرقابة من قبل مجلس النواب، إلا بتصويت الأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم".
وشهدت التجربة البرلمانية في المغرب تقديم ملتمسين للرقابة، الأول عام 1964 والثاني عام 1990، ولم يؤدّ أي ملتمس منهما إلى إسقاط الحكومة، نظرا للقيود الدستورية التي تعرفها هذه الآلية السياسية.
وإذا كانت المقتضيات الدستورية تشترط لتفعيل ملتمس الرقابة ضرورة توقيعه من قبل خمسة أعضاء من مجلس النواب البالغ عددهم 395 عضوا (أي 79 عضوا)، وتصويت المجلس بأغلبية مطلقة (50%+1، أي 198 عضوا)، فإن السؤال الذي يطرح هو: هل سيتمكن "الأصالة والمعاصرة" وحلفاؤه في المعارضة، الذين يتوفرون على 263 مقعدا في مجلس النواب (105 مقاعد للأصالة والمعاصرة و46 للاستقلال و12 لحزب التقدم والاشتراكية)، من الحصول على دعم الأحزاب الأخرى، في غرفة تضم 395 مقعدا، من أجل إسقاط الحكومة؟
وإن كان لا شيء يؤشر، إلى حد الساعة، إلى حصول المعارضة على دعم باقي الأحزاب خاصة في الأغلبية، يرى أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة رشيد لزرق، في حديث مع "العربي الجديد "، أن "طرح ملتمس الرقابة وإن كان يتيح إمكانية محاسبة حكومة العثماني سياسيا وتوضيح ازدواجية الخطاب داخل أحزاب الأغلبية الحكومية، إلا أن التجربة السياسية بالمغرب تشير إلى أن تلويح المعارضة بطرح الملتمس لا يعدو أن يكون فرجة سياسية فقط".
وبحسب لزرق، فإن "أحزاب المعارضة لن تجد من الناحية الدستورية صعوبة في الوصول إلى النصاب الدستوري اللازم لطرح ملتمس الرقابة، بيد أن طبيعة ممارستها السياسية تشير إلى أن تنسيقها لا يعدو أن يكون تجمعا اضطراريا لأحزاب غايتها الدخول إلى الحكومة القادمة".
وبالنسبة للباحث في الدراسات السياسية حفيظ الزهري، فإن "المشهد السياسي المغربي يعيش حالة سياسية غريبة بالتصويت على قانون الاستعمالات المشروعة للقنب الهندي من قبل أحزاب الأغلبية والمعارضة باستثناء العدالة والتنمية"، معتبرا أن "تحول حزب رئيس الحكومة إلى حزب يمارس المعارضة ضد التحالف الحكومي الذي يتزعمه، حالة لا أخلاقية سياسيا تحتاج للمساءلة من قبل المعارضة المطالبة بتفعيل دورها الرقابي خاصة في شقه المتمثل في تقديم ملتمس الرقابة".
وأضاف، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن هذه الحالة "تقتضي من باقي الأحزاب المشاركة في التحالف الحكومي إلى جانب العدالة والتنمية الخروج إلى الرأي العام لإعلان نهاية التحالف الحالي لتتحول الحكومة الحالية إلى حكومة تصريف أعمال إلى غاية إجراء الانتخابات التشريعية المقبلة".
ويذهب الباحث المغربي إلى أن "سيناريو تقديم العثماني استقالته من مهمة رئيس الحكومة أصبح ضروريا لعدم قدرته على ضبط إيقاع تحالفه الحكومي من جهة، ومن جهة أخرى، تقديم استقالته من زعامة حزب العدالة والتنمية لعدم قدرته على ضبط نوابه الذين خرجوا عن صف التحالف الحكومي واختاروا ممارسة المعارضة ولو كانت ضد أنفسهم".
ويعتقد الزهري أنه "لم يعد يجمع بين الأحزاب المكونة للحكومة ( العدالة والتنمية، والتجمع الوطني للأحرار، والحركة الشعبية، والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، والاتحاد الدستوري)، سوى المناصب الوزارية في ظل غياب أي تنسيق ميداني وكثرة حوادث السير التي نتج عنها أعطاب كبيرة في الأغلبية يصعب ترميمها في زمن التسابق والتدافع السياسي مع قرب موعد الانتخابات".
غير أن أستاذ العلوم السياسية إسماعيل حمودي، يرى أن موقف الفريق البرلماني لـ"العدالة والتنمية" في التصويت على مشروع قانون الاستعمالات المشروعة للقنب الهندي ينسجم مع الموقف الذي سبق أن أعلنت عنه قيادة الحزب منذ إحالة مشروع القانون إلى البرلمان.
وأشار حمودي في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى أن "الحزب غير مقتنع بالمشروع، ويطالب بمزيد من التريث في إقراره، وتوسيع النقاش العمومي حوله، بحجة أنه قد يصب في مصلحة الشركات وكبار المزارعين وتجار المخدرات، وأنه لا يوفر ما يكفي من الحماية لصغار المزارعين".
وأوضح حمودي أن "موقف الكتلة النيابية للعدالة والتنمية يعبر عن موقف قواعد الحزب التي تتخوف من أن يكون مشروع القانون موجها ضد شعبية الحزب وصورته لدى الناخبين"، مشيرا إلى أن ذلك الموقف هو "محاولة لإنقاذ صورة الحزب عشية الانتخابات التشريعية".
في المقابل، يعتبر حمودي أن تهديد أحزاب المعارضة بتقديم ملتمس الرقابة مجرد "ابتزاز" لـ"العدالة والتنمية" لدفعه نحو التصويت على مشروع القانون، مضيفا: "هو تهديد غير جدي، ولن تمضي فيه، لأنها ليست المرة الأولى التي يصوت فيها الفريق أو حزب حكومي آخر ضد مشروع قانون قدمته الحكومة للبرلمان، وأبرز مثال في هذا الصدد الانقسام الذي حدث حول القاسم الانتخابي".