المعارضة السورية على أبواب حمص.. عاصمة الثورة وذاكرتها المثقلة

06 ديسمبر 2024
الساروت، تظاهرة في بابا عمرو بحمص، 6 يناير 2021 (فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- الوضع الجغرافي والديموغرافي لحمص: حمص، أكبر المحافظات السورية، تتميز بموقع استراتيجي يربط البلاد وتجاورها لبنان والعراق والأردن. تضم تنوعًا دينيًا وعرقيًا، مما جعلها مركزًا مهمًا في الصراع السوري منذ 2011.

- تاريخ الثورة والتهجير في حمص: شهدت حمص فسادًا قبل 2011 وأصبحت مركزًا للحراك الشعبي مع اندلاع الثورة، مما أدى إلى تهجير سكانها وتغيير ديموغرافي كبير نتيجة الحملات العسكرية العنيفة.

- أهمية حمص في الصراع الحالي: تعتبر حمص شريان إمداد رئيسي للنظام السوري، واستعادتها تعني تعزيز موقع الثورة السورية كفاعل رئيسي، وفقًا للناشط خالد أبو صلاح.

حمص أكبر محافظات سورية مساحة والوحيدة التي لها حدود مع 3 دول

تعد حمص ثاني محافظة سورية تثور ضد النظام بعد درعا في مارس 2011

شهدت حمص أول عملية تهجير في تاريخ الثورة السورية في مايو 2014

وصلت قوات المعارضة السورية المسلحة، اليوم الجمعة، إلى مشارف مدينة حمص بعد سيطرتها على جزء من ريف المحافظة الشمالي ودخولها مدينتي الرستن وتلبيسة وبلدة الدار الكبيرة، عقب ساعات من إعلان السيطرة على مدينة حماة، مركز المحافظة، وسط البلاد. وتتميز المحافظة التي تعد أكبر المحافظات السورية من حيث المساحة والوحيدة التي لها حدود مع ثلاث دول (لبنان، العراق، الأردن)، بالتنوع الديني والعرقي، إذ يقطنها الحضر والبدو، والعرب والتركمان والشركس، والسنة والشيعة والعلويون والإسماعيليون والمرشديون، والأرثوذكس والكاثوليك والإنجيليون.

تمتد حمص على أكثر من 40 ألف كيلومتر مربع وتتوسط سورية، لتشكل عقدة مواصلات تربط البلاد من جهاتها الأربع، يفصلها عن العاصمة دمشق شمالاً نحو 162 كيلومتراً، وفيها جامعة عريقة ومصفاة نفط والكثير من الثروات الباطنية.

كانت حمص ثاني محافظة سورية تثور ضد النظام بعد درعا في مارس/ آذار من العام 2011، إذ شهدت ساحتها الرئيسة وأحياؤها القديمة، بما في ذلك بابا عمرو وباب سباع والخالدية والبياضة وغيرها، احتجاجات برع المشاركون فيها في تأليف وترديد هتافات وأغانٍ عُرفت على نطاق واسع بعد أن كان نجمها الناشط عبد الباسط الساروت، حارس منتخب سورية ونادي الكرامة، والذي أصبح رمزاً للثورة السورية ثم مقاتلاً في صفوف كتائبها المسلحة. فقدت حمص معظم سكانها الذين هجّروا منها قسراً، بالإضافة إلى اللذين فقدوا حياتهم فيها خلال الثورة السورية، التي كانت حمص ولا تزال عاصمة لها.

بدأت إرهاصات الثورة في حمص قبل عام 2011 بنحو ست سنوات، حين تسلم صديق رأس النظام بشار الأسد محمد إياد غزال منصب محافظ حمص، والذي تفنن في التنكيل بأهلها. فقد انتشر في عهده الفساد وأصبحت الرشوة والمحسوبيات سمة واضحة للمحافظة. وخرجت العديد من التقارير تشير إلى فساد المحافظ وحاشيته، إلى أن أتى بمشروع "حلم حمص"، والذي أطلق عليه الأهالي حينها اسم "كابوس حمص" منذ بدأ العمل عليه عام 2007 إلى أن أقر رسمياً عام 2010، على الرغم من رفضه شعبياً بشكل واسع، بسبب ما يفضي إليه من تدميرٍ لحمص القديمة وتهجير أهلها من مناطقهم، وما يتسبب به من تغيير ديمغرافي عميق.

استهدف النظام حمص مع بداية مشاركتها في الثورة بتأجيج الفتنة الطائفية، ثم باستهداف الثوار والناشطين والتظاهرات، لكن "مجزرة الساعة" الشهيرة كانت الحدث الدموي الأبرز الذي واجهته المدينة، بل كامل المحافظة بعد اندلاع الثورة، حين فض النظام "اعتصام الحرية" في ساحة الساعة يوم 18 إبريل/ نيسان 2011، بقتل أكثر من 200 متظاهر ومعتصم في الميدان، حينها اندلع شلال الدم في حمص.

تلك المجزرة دخلت ذاكرة أهالي المدينة التي يضم ثراها جثمان أشهر القادة العسكريين في التاريخ الإسلامي والفاتحين الأوائل خالد بن الوليد، وهي تُعرف عند السوريين بـ"مدينة الوليد"، وتبدّل كل شيء عقب المجزرة، واندلعت الاحتجاجات في بابا عمرو والخالدية والبياضة وباب سباع وسواها من الأحياء التي نظمت احتجاجات أسبوعية ضد النظام، قبل أن يبدأ الأخير بسلسلة من المجازر داخل المدينة وبلداتها. وحاول النظام تطويق الثورة في حمص التي تميزت بالتنظيم والحضور الجماهيري الكثيف في التظاهرات، وهو ما أربكه، فاعتمد على أحياء موالية على أطرافها، للقيام بقمع المتظاهرين.

حمص.. أول تهجير في تاريخ الثورة السورية

وعندما شعر النظام بأنّ أهم المدن السورية بدأت تخرج عن سيطرته، شنّ عليها حملة عسكرية غير مسبوقة لم تستثن حتى مسجد خالد بن الوليد، ما أدى إلى محو أحياء كاملة من الوجود، وخصوصاً القديمة منها. وحاصر قسماً من حمص مدة طويلة، حتى اضطر من بقي فيها من مدنيين وثائرين إلى توقيع اتفاق قضى بخروجهم من الأحياء القديمة في مايو/ أيار عام 2014، في أول عملية تهجير في تاريخ الثورة السورية، وفي ذلك الوقت، ظهرت الإشارة الأولى إلى أنّ النظام قرّر تفريغ حمص من أهلها.

ثم كان التهجير الثاني في مارس من العام 2017، وذلك بتهجير سكان حي الوعر، الذي بقي محاصراً نحو أربعة أعوام، حيث هجر النظام والروس تحت بند التسويات نحو 20 ألفاً من سكان الحي إلى الريف الشمالي من المحافظة. ثم جاء التهجير الثالث، من الريف الشمالي للمحافظة، الذي كان يضم أصلاً الكثير من المهجرين من المدينة، بالإضافة لثوار الريف نفسه، حيث هجروا جميعاً في مايو 2018 إلى إدلب وشمال حلب، شمال غربي سورية.

بعد إخلاء حمص ومعظم ريفها من المعارضة، حاول النظام إحداث تغيير ديمغرافي، لا سيما في المدينة، وبالفعل تغيرت ملامح المدينة وحتى الريف، وكانت الأحياء القديمة أكثر الأماكن المستهدفة بعملية التغيير، بالإضافة إلى بعض مواقع الريف، لا سيما مدينة القصير في الريف الغربي، والتي أصبحت معقلاً لحزب الله اللبناني وعائلات مقاتليه.

إحياء ذكرى الساروت

وبعد السيطرة اليوم من قبل عمليات "ردع العدوان" على محافظة حماة، بدأت التحركات في ريف حمص الشمالي من قبل من بقوا فيه من ثوار تحت بند التسويات بمباغتة قوات النظام، في انتظار وضوح طرق الإمداد إليهم. وشهدت كل مناطق الرستن وتلبيسة في الريف الشمالي لحمص، منذ بدء عملية "ردع العدوان"، تحركات من قبل مقاتلي المعارضة الكامنين هناك، حيث كشفت مصادر لـ"العربي الجديد"، أن المقاتلين استهدفوا أرتالاً عسكرية تابعة للنظام السوري أثناء انسحابها من مدينة حماة باتجاه حمص، مساء الخميس، بالتزامن مع إخلاء مواقع عسكرية في مدينة الرستن. ورد النظام بقصف مدفعي مكثف استهدف مدناً وبلدات في المنطقة، انطلاقاً من مواقعه العسكرية في حاجز ملوك وكلية الهندسة القريبة من الرستن.

وعن حمص ومكانتها، يقول الناشط السياسي خالد أبو صلاح، والذي يعد من أبرز وجوه الثورة في المحافظة، إن "حمص ليست مجرد مدينة، إنها عاصمة الثورة السورية كما أطلق عليها السوريون، وذاكرة الكرامة والنضال"، ويضيف "صرخات عبد الباسط الساروت وهو يقود التظاهرات في شوارعها لا تزال ترن في وجدان السوريين، وصورته على أكتاف المتظاهرين تلخص حلم الحرية والكرامة الذي حملته الثورة منذ بدايتها. ورغم الألم الذي سببه تهجير جل أهلها وثوارها في 2014، بقيت حمص عنواناً للوجع الذي يرفض أن يُنسى، ورمزاً للثبات في وجه القهر".

ووصف أبو صلاح علاقة حمص بالثورة خلال حديث مع "العربي الجديد"، قائلاً: "حمص والثورة: محطة التحول الكبرى، حيث كانت حمص مركزاً أساسياً للحراك الشعبي في السنوات الأولى للثورة، وجسدت روح المقاومة في مواجهة آلة النظام الوحشية، لكن سقوطها في يد النظام بعد حصار طويل وتهجير مؤلم كان نقطة تحول كبيرة، حيث بدأت معه سلسلة من التراجعات الميدانية والسياسية لقوى الثورة في سائر سورية، وسقوط حمص آنذاك لم يكن مجرد خسارة مدينة، بل بداية لانهيار التوازن الذي سعت الثورة لتحقيقه في وجه النظام وحلفائه".

وبشأن التطورات الأخيرة وبدء استعدادات المعارضة للسيطرة علي المدينة، قال "حمص ليست مجرد مدينة في قلب سورية الجغرافي، والسيطرة عليها ليست مجرد معركة عسكرية، بل خطوة استراتيجية كبرى، حيث تمثل شريان الإمداد الرئيسي للنظام بين دمشق وشمال غرب البلاد، ما يجعلها نقطة محورية في استراتيجيته العسكرية واللوجستية"، لافتاً إلى أنّ "استعادة حمص تعني عملياً شل قدرة النظام على إعادة تجميع قواته وإمداداته، وقطع الطريق أمام محاولاته المستمرة لاستعادة زمام المبادرة".

وشدد على أنّ استعادة حمص "خطوة تقرّب الثورة من تحقيق هدفها في إنهاء حقبة الاستبداد التي يمثلها النظام، وتعزز موقعها فاعلاً رئيسياً في مستقبل سورية". وختم أبو صلاح قائلاً: "حمص اليوم ليست مجرد محطة عسكرية فقط، بل بوابة أمل تُعيد للسوريين ثقتهم بقدرتهم على التحرر والكرامة وطي صفحة نظام الأسد من تاريخ سورية إلى الأبد".