برزت خلال الأسبوع الماضي تصريحات لافتة لقيادات في أبرز حزبين معارضين في الجزائر، عن إمكانية الوصول إلى الحكم. طموح يتعارض مع معطيين أساسيين، وهما ظروف الإغلاق السياسي الذي تفرضه السلطة حالياً من جهة، وعدم اتحاد المعارضة للوصول إلى الحكم من جهة ثانية.
وقال السكرتير الأول لجبهة القوى الاشتراكية، أبرز وأقدم أحزاب المعارضة في الجزائر (تأسس في عام 1963)، يوسف أوشيش، الجمعة الماضي: "يتساءل العديد من مواطنينا حول الجدوى من الأحزاب السياسية، لقد حددت اللائحة السياسية للمؤتمر السادس (عُقد في ديسمبر/كانون الأول الماضي) بوضوح أهدافنا السياسية".
وأوضح في افتتاح الدورة العادية للمجلس الوطني للجبهة، أن "الأهداف تتمثل في جعل حزبنا وسيلة لجمع القوى الوطنية، وأيضاً للوصول إلى الحكم. تتمثل مهمة كل حزب سياسي في الوصول إلى المسؤوليات عبر الطرق السلمية والديمقراطية، وذلك من أجل تجسيد مشروعه السياسي وبرنامجه المجتمعي".
وأضاف أوشيش: "حان الوقت لتجاوز المواقف الراديكالية الشعبوية التي تعمل على احتجازنا داخل دائرة اعتراض لامتناهية وعقيمة. يتحتم علينا أن نجعل من تكوين مناضلينا وإطاراتنا مهمة ذات أولوية قصوى، فبروز نخبة سياسية بديلة، مثقفة وكفوءة، قادرة على الوصول إلى المسؤوليات الوطنية هو شرط لا غنى عنه لاستعادة ثقة الشعب".
غاية المعارضة بالوصول إلى الحكم
وشرح القيادي في جبهة القوى الاشتراكية وليد زنابي هذا الموقف في حديثٍ مع "العربي الجديد"، بالقول إن "غاية كل تشكيلة سياسية، أياً كانت الظروف المحيطة بها هي افتكاك الحكم لتطبيق برنامجها ومشروعها السياسي، وفي حالتنا لتنفيذ مبادرتها وتجسيد رؤيتها على أرض الواقع".
وتابع: "عندما نستخدم مصطلح الحكم، فإنه يحمل معنى واسعا ويقصد به أكثر من مستوى، سواء بالحكم المحلي أو بالحصول على غالبية برلمانية أو قيادة السلطة التنفيذية. وهي كلها أشكال يمكن ممارسة السلطة بها وليس كما أراد البعض حصرها بالحكومة أو الرئاسة".
وليد زنابي: غاية كل تشكيلة سياسية، أياً كانت الظروف المحيطة بها، هي افتكاك الحكم
وأوضح زنابي، أنه "عندما نتحدث عن الوصول إلى الحكم فهذا لا يعني حصوله غداً، ولكنه مسار لا بد من البدء فيه وعلى كل القوى الوطنية المشاركة فيه بشكل جماعي انطلاقاً من توفير الشروط الأساسية للممارسة السياسية، حتى يكون لها معنى ومغزى".
وأبدى اعتقاده بأنه "يتعين تكييف أحزابنا وبصورة تراكمية، لتضطلع بدورها في تصعيد النخب السياسية القادرة على تحمل المسؤوليات الوطنية وما يتطلبه ذلك من مهارات وكفاءات".
واعتبر زنابي أنه "مع العمل تدريجياً على تكريس مبدأ الفصل بين السلطات وتوفير انفتاح إعلامي، ستتبلور آلياً ثقافة التداول داخل المجتمع وبالتالي يمكن لمعارضة اليوم أن تمسك بمقاليد الحكم. وإن كنا ندرك جيداً أننا لا نعيش ظروفاً مثلى لممارسة العمل السياسي، فالنضال مستمر ويجب أن يكون نضال كل الطبقة السياسية حول إعادة الاعتبار للسياسة وإرساء دولة الحق والقانون".
وقبل تصريحات سكرتير جبهة القوى الاشتراكية، قال القيادي في حركة مجتمع السلم، رئيس الكتلة البرلمانية للحركة المعارضة، أحمد صادوق، خلال جلسة نيابية، الخميس الماضي، إن حزبه يطمح للوصول إلى الحكم.
واعتبر أنه "نحن اليوم في المعارضة، لكننا سنكون يوماً ما في الحكم، لدينا يقين بذلك"، مضيفاً: "الحركة لديها برنامج للوصول إلى الحكم، وهي تعمل على ذلك في إطار المشاركة السياسية". ولا يقصد صادوق المشاركة في الحكومة التي كانت الحركة قد خاضت تجربة المشاركة فيها بين عامي 1994 و2012، بل يقصد قيادة الحكومة ببرنامج الحركة وطرح رؤيتها الخاصة للبرنامج السياسي والاقتصادي للبلاد.
وأوضح صادوق تصريحاته حول مسألة الوصول إلى الحكم، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، بأن "الهدف الأساس من وجود أي حزب سياسي، هو طموحه وعمله من أجل الوصول إلى الحكم بالطرق المشروعة الممكنة. ونحن كحزب سياسي متجذّر مجتمعياً وسياسياً نعمل من أجل ذلك، ونخوض الانتخابات دائماً ببرنامج واقعي وطموح. وبغض النظر عن الإكراهات القائمة، إلا أننا مستمرون في العمل من أجل أن نصل إلى تغيير قواعد الممارسة السياسية وتحسين ظروفها بالنضال من داخل المؤسسات وباستغلال كل الأدوات المشروعة". وأشار إلى أنه "قد لا يتحقق ذلك في وقت قريب، لكننا مقتنعون تماماً بأنه سيتحقق يوماً ما للوصول إلى الحكم".
ويقود هذان التفاؤل والطموح لدى أبرز قوى المعارضة في الجزائر، إلى طرح التساؤلات عن هذين التواتر والتزامن في تصريحات قيادات المعارضة السياسية عن التطلع إلى الوصول إلى الحكم، عما إذا كانت هذه التصريحات، بغض النظر عن كونه طموحاً مشروعاً، ممكنة التحقيق من الناحية السياسية، ومدى واقعيتها بالنظر إلى معطيات الحالة الجزائرية، التي لا تتيح هوامش كثيرة لقوى المعارضة.
ومن التساؤلات أيضاً ما إذا كانت المعارضة تملك القدرة على تحقيق هذا الهدف في المدى المنظور، حتى مع تقلص أساليب تزوير الانتخابات في الجزائر، خصوصاً أنها لم تستطع هزيمة السلطة وأحزابها في أكثر لحظات ضعفها، بعد الحراك الشعبي الذي زعزع قواعد السلطة.
بالنسبة للرئيس السابق لمجلس شورى "حركة مجتمع السلم" عبد الرحمن سعيدي، فإن الحديث في الوقت الحالي عن وصول المعارضة إلى الحكم "أمنية أكثر مما هو مسعى، لأن البيئة السياسية الحالية راكدة، ولا حركية للأحزاب والسلطة فيها".
واعتبر في حديثٍ مع "العربي الجديد" أن "أدوار المعارضة تراجعت إلى درجة لم تصبح في قلب الأحداث بل على هامشها، والتصريحات التي سمعناها من قيادات حزبي مجتمع السلم والقوى الاشتراكية، مؤشر على تغيير الشرعة السياسية من مربع المعارضة إلى المشاركة في الحكومة، وضمن إعادة تموضع هذه الأحزاب التي استنفدت جدواها من الوجود بالمعارضة".
وأكد سعيدي أن "السلطة ليست مستعدة للسماح بوصول المعارضة إلى الحكم"، مستدلاً بتجربة مشاركة مجتمع السلم في الحكومة قبل عام 2012، من دون أن تشارك في الحكم وصناعة القرار. وأوضح أنه "في السابق كانت الحركة في تحالف مع السلطة وطلبت أن تتم ترقيته إلى الشراكة لكن السلطة رفضت، فكيف تصل إلى الحكم وهي بعيدة جداً عن دوائر الحكومة؟".
استبعاد وصول المعارضة إلى الحكم
بدوره، اعتبر الباحث محمد أرزقي فراد، أن "التداول على السلطة والحكم في الجزائر مستبعد"، مضيفاً في حديثٍ مع "العربي الجديد": "أنا على يقين من أن التداول على السلطة مستبعد تماماً، لأن الأحزاب الموالية للسلطة والعضوة في الحكومة لا تشارك فعلياً في الحكم وبعيدة عن رسم السياسات، فكيف بالحري وصول أحزاب المعارضة إلى الحكم".
واعتبر أرزقي فراد، الذي عُيّن متحدثاً لقوى المعارضة بعد مؤتمر جامع في أوج الحراك الشعبي في يوليو/تموز 2019، أن "الظروف السياسية الراهنة في الجزائر صعبة، بعد تصفية المجتمع المدني، ولم تعد هناك ممارسة للسياسة ولا لإعلام حر، ولا يمكن أن نتحدث عن المعارضة في غياب حرية التعبير، لذلك من المستبعد أن يكون في الأفق تداول على السلطة".
عبد الرحمن سعيدي: الوصول للحكم أمنية أكثر مما هو مسعى، لأن البيئة السياسية راكدة
في المقابل، أبدى الناشط السياسي، لخضر أمقران، تفاؤله في احتمال وصول المعارضة للحكم، بالقول في حديثٍ مع "العربي الجديد"، إن "كل شي ممكن. صحيح أن السلطة غير مهيأة لخوض تجربة انفتاح عام، لكن على حساب المعطيات التي أفرزها الحراك الشعبي والهزات الحادة التي تعرض لها النظام، يمكن أن نقول نعم، يمكن أن تصل المعارضة إلى الحكم في وقت ما، كل شيء وارد في السياسة على غرار التحولات الحاصلة أو التي حصلت في دول عدة".
لكن تقديرات سياسية أخرى تعتبر أن الأولوية في الوقت الحالي بالنسبة لقوى المعارضة، ليست التفكير في الوصول إلى الحكم أو عدمه، لعدم توفر الظروف الموضوعية لذلك، بقدر ما يتوجب عليها تدبير آليات لاستعادة الحد الأدنى من الظروف المناسبة لممارسة العمل السياسي وحرية الإعلام، في ظلّ التشدد الذي تبديه السلطة إزاء التضييق على القوى المعارضة، ولم تعد وسائل الإعلام تتعاطى بالقدر الكافي مع قوى المعارضة، بفعل ضغوط السلطة. وهو ما يحدّ من التواصل السياسي بينها وبين الجمهور.
وفي السياق، أكد القيادي في حزب جيل جديد المعارض (تقدمي)، حبيب ابراهمية في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "الحديث عن الوصول إلى الحكم محاولة لاستظهار قوة خطاب، لكن في الواقع المسألة أكثر تعقيداً".
ورأى أن "المعارضة الجزائرية لا تملك الأدوات والإمكانات اللازمة للوصول إلى السلطة، مثلما نراها في الدول الديمقراطية، وثقافة التداول على السلطة غير متجذرة تماماً داخل المنظومة السياسية في الجزائر".
واعتبر أن "هذا ما يفسر بوضوح الانغلاق الإعلامي والسياسي القائم في البلاد، وتعقيدات في ما يخص الانتظام السياسي والتجمّع، وهو ما سيصعّب من مهمة المعارضة في الوصول إلى المواطن الجزائري ومخاطبته، وسيصعب عليها كثيراً الفوز في الانتخابات حتى ولو كانت نزيهة".
وأشار ابراهمية إلى أن "واجب المعارضة الآن أن تعمل أولاً على إجبار السلطة على توفير المناخ اللازم والشروط المكفولة دستورياً، التي تسمح لها بالوصول إلى المواطن والتميز بمشروعها والفوز بانتخابات نزيهة تسمح لها بالوصول إلى الحكم"، مضيفاً: "أعتقد أن أولوية أحزاب المعارضة في الوقت الحالي هي العمل على استعادة حرية الانتظام السياسي وحرية الإعلام وحرية الاختلاف السياسي مع السلطة".