وظهرت تلك الأهداف من خلال التبنّي الأميركي لها بداية، قبل أن يأتي موقف الحكومة الاسرائيلية "التلقائي" في الترحيب بالمبادرة، وإعلانها الموافقة عليها. واكتمل بذلك مشهد حشر المقاومة الفلسطينية، بغية إظهارها بشكل الرافض للتهدئة. وبعد إعلان "كتائب عز الدين القسام"، الجناح العسكري لحركة "حماس"، رفضها للمبادرة المصرية، واصلت المقاومة إمطار الأراضي المحتلة بالصواريخ، في وقت تداعت فيه القيادة السياسية لفصائل المقاومة، لحسم أمرها من المبادرة.
وسرعان ما حددت حركة الجهاد الإسلامي موقفها، معلنةً رفضها بشكل رسمي للمبادرة المصرية للتهدئة في قطاع غزة، ومؤكدة أن المبادرة لا تلبي حاجات شعبنا وشروط المقاومة التي لم تستشر فيها.
وقالت الحركة في بيان رسمي، أنها "أبلغت الجانب المصري عدم قبول المبادرة، وأن المبادرة غير ملزمة لنا، وأن "سرايا القدس" ستواصل عملياتها، جنباً إلى جنب مع كل الفصائل والأجنحة العسكرية، دفاعاً عن شعبنا في مواجهة العدوان الصهيوني الهمجي".
وأشار المصدر إلى أن "قيادياً في المخابرات المصرية" طلب من الحركة الموافقة بشكل مبدئي على المبادرة، على أن تعرض ما لديها من ملاحظات أو مطالب خلال اللقاءات التي من المقرر أن تشهدها القاهرة في حال الموافقة على بنود المبادرة.
وأوضح المصدر، الذي رفض الكشف عن اسمه، أن جهاز المخابرات المصري أجرى في المقابل اتصالات مشابهة مع عدد من فصائل المقاومة في القطاع، والتي أبدت معظمها رفضاً للمبادرة، مؤكّدين أنّها "تهدر حقوق الفلسطينيين وأهل غزّة وشهدائها بعدما ساوت بين الطرفين، متجاهلة تماماً أنّ الكيان الصهيوني هو من بدأ بالعدوان".
نتنياهو: قبول المبادرة المصرية
وكان رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، قد أعلن في مؤتمر صحافي مشترك مع وزير الخارجية الألماني، فرانك شتاينماير، صباح اليوم، أنّ قبول إسرائيل المبادرة المصرية كان بهدف إتاحة المجال أمام الجهود الرامية الى نزع سلاح المقاومة، وتحويل قطاع غزّة إلى منطقة منزوعة السلاح.
بدوره، أعلن الوزير الألماني أنّه لا يجوز أن تبقى غزة أو أن تتحول إلى مخزن، داعياً إلى الاهتمام بأمن وسلامة المدنيين في قطاع غزّة. وكرر الوزير الألماني تأكيد العلاقة الوثيقة بين إسرائيل وألمانيا، وما اعتبره حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها.
المبادرة المصرية، التي أُغدقت بالمباركة الأميركية، أعقبها تصريحات لوزير الخارجية الأميركي، استنكر فيها "سقوط صواريخ المقاومة" على الأراضي المحتلة، من دون أن يتطرق إلى المجازر التي ارتكبتها إسرائيل. وقال كيري من فيينا قبل توجهه للقاهرة، إنه لا يجد ما يكفي من الكلمات لإدانة إطلاق "حماس" لصواريخ بعد جهود وقف إطلاق النار.
وفي بيان سابق، دعا كيري حركة "حماس" إلى قبول الاقتراح المصري لوقف إطلاق. ورحب بموافقة اسرائيل على الاقتراح المصري. وقال إن "الاقتراح المصري لوقف إطلاق النار وبدء محادثات يشكل فرصة لوقف أعمال العنف واعادة الهدوء".
وحذّر كيري من وجود "مخاطر كبيرة" لتصعيد أعمال العنف بين اسرائيل والفصائل الفلسطينية في غزّة الى درجة تصبح معها خارجة عن أي سيطرة. وقال "هناك مخاطر كبيرة من تصاعد العنف"، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة تريد اعطاء المبادرة المصرية لوقف إطلاق النار الوقت لكي تنجح، ولكنه مستعد للعودة الى الشرق الاوسط "غداً" إذا لزم الأمر.
إردوغان يدين المجازر
في المقابل، اتهم رئيس الوزراء التركي رجب طيب إردوغان حكومة الاحتلال بممارسة إرهاب الدولة في قصفها لقطاع غزة، مؤكّداً أنّها ترتكب "مجزرة" بحق الفلسطينيين في القطاع. وقال إردوغان في كلمته الأسبوعية أمام نواب حزبه "العدالة والتنمية": الى متى سيظل العالم صامتاً أمام إرهاب الدولة؟".
واستبعد إردوغان أي تطبيع للعلاقات مع الدولة العبرية ما دامت تواصل عدوانها على غزة. وأضاف أن "اسرائيل تتصرف كطفل مدلل وتتسبب بقتل فلسطينيين". وندد بعدم تحرك الرأي العام الدولي إزاء العملية العسكرية الإسرائيلية، وتوجه إلى أهالي القطاع بالقول "لستم وحدكم أبداً، ولن تكونوا وحدكم أبداً". ويجري أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، زيارة اليوم، إلى تركيا، يتوقع أن تبحث في العدوان الإسرائيلي على قطاع غزّة وسبل التهدئة.
في هذا الوقت، صعّد الاحتلال الإسرائيلي من عملياته العدوانية تجاه القطاع، مدمراً مزيداً من منازل المدنيين، وشن عشرات الغارات على أراضٍ زراعية ومناطق فارغة.
من جهة ثانية، واصلت المقاومة الفلسطينية عمليات الردّ على العدوان والجرائم الإسرائيلية التي أودت بحياة 192 فلسطينياً و1410 مصابين، العشرات منهم بترت أجزاء من أجسادهم بفعل أطنان البارود، التي أُلقيت على مدار الأيام الثمانية الماضية.
وأعلنت كتائب القسام، الذراع العسكرية لحركة "حماس"، أنّها تمكّنت من قصف حيفا بصاروخ "أر 160"، وقصف "روحوفوت" في الضواحي الجنوبية لتل أبيب بـ5 صواريخ "سجيل 55"، وقصفت أشكول بقذيفتي هاون 120 ميللمتراً، وكذلك "حشودات" شرق الوسطى بصاروخي 107، وعسقلان بـ 3 صواريخ "قسام"، ومستوطنة نير عوز بـ 6 صواريخ 107، وقصفت أسدود المحتلة بـ 8 صواريخ "غراد".
من جهتها، قصفت "سرايا القدس"، الذراع العسكرية لحركة "الجهاد" صوفا ويتيد وسديروت بستة صواريخ من طراز "107"، فيما قصفت نتيفوت بصاروخي "غراد"، وبئيري وريعيم بأربعة صواريخ "107".
(شارك في التغطية: أيمن المصري من القاهرة، ضياء خليل من غزّة، نضال محمد وتد من القدس المحتلة)