المجر: 6 أحزاب معارضة من اليمين واليسار تتوافق على مرشح لمواجهة أوربان

18 أكتوبر 2021
بيتر ماركي زاي مرشح المعارضة المجرية بوجه فكتور أوربان (ATTILA KISBENEDEK/AFP/Getty)
+ الخط -

يواجه فيكتور أوربان، رئيس الوزراء المجري القومي المتشدد، تحدياً جدياً لسلطته المستمرة منذ 2011، بعد أن استطاعت أحزاب المعارضة، بيسارها ويمينها، تقديم شخصية وسطية محافظة لمنافسته في الانتخابات المقبلة بعد نحو 6 أشهر. 

وتمكنت الأحزاب المجرية أخيراً من اختيار مرشح يقف بوجه أوربان، الذي أحكم قبضته على مختلف السلطات في البلاد، بعد أسابيع على محاولات التوافق، حيث تم أمس الأحد الإعلان عن خسارة المرشحة اليسارية كلارا دوبريف في الانتخابات التمهيدية للمعارضة أمام المحافظ بيتر ماركي زاي (49 عاماً)، الذي يشغل عمدة بلدية في جنوب البلد منذ 2018، وهو كاثوليكي متدين وخبير اقتصادي ومهندس عاش سنوات بين الولايات المتحدة الأميركية وكندا.

ويعد فوز زاي، بواقع 60% مقابل 40% لدوبريف، رسالة مباشرة للناخبين المجريين ولحزب "فيديز"، الذي يحكم تحت زعامة أوربان، بأن المعارضة في المجر قادرة على تقديم بدائل، وراهن أوربان على فوز اليسارية دوبريف، التي شغلت منصب نائب رئيس البرلمان الأوروبي بسبب تاريخ زوجها، رئيس الحكومة السابق حتى 2009 فيرينك جيوركساني الذي اعترف بالكذب، ما عرضها لضغوط متواصلة من أوربان لإفقادها شعبية الشارع وتراجع حظوظها في الاستطلاعات، وهو ما انعكس على نتائج الدورة الثانية من الانتخابات التمهيدية أمس، بعد فشلها في حسم الجولة الأولى لمصلحتها.

وتهدف دوبريف في مسعاها للحصول على تفويض المعارضة إلى أن تقدم نفسها أولَ سيدة تصل إلى سدة الحكومة في المجر، لكنه مسعى اصطدم ببعض الواقعية السياسية عند أحزاب يسارية وليبرالية ومحافظة وقومية وبيئية لمواجهة تحالف قومي متشدد بزعامة أوربان، المنتهج خطاباً شعبوياً لجذب سكان المجر منذ 2010، وبعد أن بات يشد العصب القومي خلال الأعوام الماضية بحجة وجود مؤامرة عالمية-يهودية يقودها الملياردير الأميركي من أصل هنغاري-يهودي جورج سوروس، وهو ما يوافقه عليه بعض أجنحة اليمين القومي المتشدد في بولندا والتشيك وسلوفينيا. 

وبالنسبة لفيكتور أوربان، الذي يتحكم في معظم وسائل الإعلام في البلد، إلى جانب تداخل السلطتين التنفيذية والقضائية، ما جعله لسنوات في موقف متصادم مع الاتحاد الأوروبي، فإن ماركي زاي يشكل تحدياً جدياً، وعلى الرغم من شعبية دوبريف ذات الميول اليسارية، فإن زاي استطاع جذب فئات الشباب من مختلف الاتجاهات السياسية، الراغبة بالتخلص من استفراد "فيديز" وأوربان بالحكم في بلادهم واستمرار خط التصادم مع المعسكر الأوروبي.

لجوء واغتراب
التحديثات الحية

"ديكتاتورية فاسدة" 

نهج أوربان المستند إلى نظرية المؤامرة والتخويف من المهاجرين نحو أوروبا، ومن "تدخلات" الاتحاد الأوروبي في السياسات الداخلية لبلاده، جعله يعزز سلطته أكثر منذ 2012، وأدخل عديد التعديلات الدستورية والقانونية في سبيل ذلك، وهو ما ستحاول المعارضة العمل ضده خلال ما تبقى من فترة ولايته حتى موعد الانتخابات العامة في ابريل/نيسان 2022. 

ويصف بعض ساسة أوروبا سلطة أوربان في بودابست بـ"الديكتاتورية"، ولم يتردد زاي في وصف حكم أوربان بأنه بات "ديكتاتورية فاسدة ينفر منها الناس"، متوعداً بدستور جديد لبلاده بعد الانتخابات القادمة، التي وصفها بأنها اختيار بين أن تكون المجر "حرة وأوروبية" أو "تغرق في المستنقع". 

ورغم أن تحالف أحزاب المعارضة يضم في صفوفه ساسة من الميول القومية والمحافظة، فإن شعبوية أوربان باتت مثار قلق لها، خصوصاً أنها تستند إلى ما يسمى"نهج ديمقراطية غير ليبرالية"، بوصف محلي وأوروبي، فوسائل الإعلام أصبحت بمثابة متحدث وأذرع تتبع حزب "فيديز"، ويهيمن أوربان ومقربوه على ما يضخ من معلومات للشعب، وبالأخص نحو الريف المجري الذي وجد نفسه، منذ أزمة اللاجئين في 2015، يتلقى سيلاً من الحملات الدعائية التي تصف اللاجئين والمهاجرين بأنهم يقومون بـ"اجتياح إسلامي لأوروبا"، رغم أن بلادهم لم تستقبل سوى بضع مئات من هؤلاء، فيما الأغلبية الساحقة اختارت بودابست ممراً نحو الشمال الأوروبي، خصوصاً إلى برلين واستوكهولم. 

وإلى جانب قضايا المهاجرين، يقدم أوربان، شأنه شأن المعسكر القومي المتشدد وسط وشرق دول الاتحاد الأوروبي كبولندا وسلوفينيا، خطاباً متشدداً حيال "القيم الأسرية المسيحية"، وهو ما اعتبره الاتحاد الأوروبي يتعارض وقيمه، وبشكل خاص يتصادم أوربان مع ساسة بروكسل والبرلمان الأوروبي في ستراسبورغ حول قضايا التعددية وحرية الإعلام واستقلال القضاء وقضايا تتعلق بالإجهاض والمثلية الجنسية، ما دفع الأوروبيين لتهديد بودابست ووارسو بتجميد صرف مستحقات حزمة التعافي الاقتصادي من جائحة كورونا. 

ويخشى أوربان من توافق المعارضة على زعزعة سلطته، لا سيما بعد مشهد هزيمة معسكر الشعبويين في جمهورية التشيك أخيراً، وهزيمة مرشح حزب "القانون والعدالة" الحاكم في مواجهة مرشح مدعوم من قبل أحزاب المعارضة في الانتخابات المحلية في مدينة رزيسزو، جنوب شرقي بولندا، وفي بودابست نفسها حيث شكل فوز الليبرالي جيرجيلي كاراسوني برئاسة بلديتها في 2019، بدعم تحالف أحزاب المعارضة في مواجهة مرشح "فيديز"، مؤشراً هاماً دفع المعارضة للتوحد أخيراً على مرشح واحد، وكان كاراسوني أحد مرشحي المعارضة في الانتخابات التمهيدية، الأحد قبل الماضي، قبل أن ينسحب ويفوز بها بيتر ماركي زاي. 

مهمة صعبة 

ويشبه بعض المحللين والسياسيين الأوروبيين والمحليين ما يجري في الدول التي تقاد بمعسكر شعبوي بما جرى في الانتخابات الرئاسية الأميركية، وتحديداً لناحية توافق الأجنحة السياسية، بما فيها حزب "جوبيك"، الذي بدأ متشدداً وانتهى بتبني سياسة وسطية بعد تحالفه لسنوات مع سياسات متطرفة لأوربان، على مرشح ينافس على الحكم، مثل ما توافق الديمقراطيون على جو بايدن بسبب ارتفاع حظوظه في الفوز على الرئيس الأميركي السابق دونالد  ترامب أكثر من حظوظ كامالا هاريس. 

وفي العموم، تبقى أمام أحزاب المعارضة المجرية مهمة صعبة خلال الأشهر المتبقية لإقناع الناخبين بتغيير تحالف فيديز اليميني القومي المتشدد، ففيكتور أوربان، الذي بدأ مسيرته السياسية في الحزب الشيوعي الحاكم في المجر حتى انهيار الكتلة الشرقية في 1990، منتقلاً إلى الليبرالية ثم التشدد، استطاع منذ إحكامه قبضته على السلطات تأمين شعبية عريضة.

وينتهج أوربان، مثل حليفه البولندي ياروسلاف كازينسكي، سياسة التخويف من عودة الاشتراكية، من خلال حملات دعائية مسيطر عليها، ويقدم أوربان الكثير من الوعود حول الأجور والدعم المالي، وقاد سابقاً حملة لتشجيع النساء المجريات على إنجاب المزيد من الأطفال لقاء دعم مالي وتخفيض ضرائب، وقدم أخيراً وعوداً بمدفوعات نقدية من خلال برنامج "13 إصلاحاً"، على رأسها تحسين أوضاع المتقاعدين وتوزيع مكافأة شهرية لهم بمقدار 220 يورو. 

قلق من تراجع تأييد الديمقراطية بين المجريين

خلال السنوات الأخيرة، زاد بشكل مقلق أعداد المجريين الذين لا يفضلون النظام الديمقراطي للحكم، وكان استطلاع أجري في 2017 للفئة العمرية من 18 إلى 24 سنة في بودابست ووارسو، وقامت به مؤسسة "بيرتلسمان ستيفتونغ" الألمانية Bertelsmann Stiftung، أظهر أن نحو 27% في الأولى و29% في الثانية لا يفضلون النظام الديمقراطي، وأجاب 48% فقط بأنهم متفقون مع مقولة أن "الديمقراطية خير مطلق"، وبقية المستطلعين أجابوا بأنهم لا يعرفون. 

وأثارت الدراسات والاستطلاعات حول ميول شعوب شرق ووسط القارة قلقاً أوروبياً متزايداً مع تزايد قبضة الأحزاب القومية على السلطات فيها، وخصوصاً الإعلامية والقضائية. 

وشهدت المجر في ظل فيكتور أوربان هجرة نحو نصف مليون مجري إلى الخارج بسبب تراجع الأوضاع الاقتصادية، وللبحث عن وظائف في دول أخرى، وخصوصاً مع سياسة تدني الأجور، التي تنتهجها الحكومة الساعية إلى جعل المجر تتمتع بسياسة تنافس اقتصادي أفضل على الطريقة الألمانية في تدني أجور ساعات العمل، أي بتخفيض تكلفة الإنتاج، ما أدى بفئات متعلمة كثيرة إلى ترك بلدهم، وبعضهم توجه إلى بريطانيا، ليجد نفسه مجدداً في أزمة بعد الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي. 

المساهمون