قال مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن، هانس غروندبرغ، إنّ صمود الهدنة في هذا البلد لشهرين ونصف كان أمراً لا يمكن تصوّره بداية السنة، مشيداً بتمديد الطرفين الهدنة بموجب نفس الشروط حتى الثاني من أغسطس/آب.
جاءت تصريحات المبعوث الأممي أمام مجلس الأمن الدولي في نيويورك، مساء الثلاثاء، خلال إحاطة دورية له حول الوضع في اليمن.
وحول ما تم تحقيقه منذ بدء الهدنة، وما إذا كانت قد شهدت خروقات، قال غروندبرغ: "من الناحية العسكرية، إنّ الهدنة مستمرة... لم تكن هناك غارات جوية داخل اليمن أو هجمات عبر الحدود تنطلق من اليمن منذ بداية الاتفاق. كما شهدنا انخفاضاً كبيراً في عدد الضحايا المدنيين".
واستدرك المبعوث الأممي بالقول إنه لا يزال هناك ضحايا مدنيون، بمن فيهم أطفال، يسقطون بسبب الألغام في المناطق "الملوثة" التي تعذر في السابق الوصول إليها بسبب القتال.
ولفت إلى أنه "على الرغم من الانخفاض العام في الاقتتال، ما زلنا نتلقى تقارير الجانبين حول انتهاكات مزعومة داخل اليمن، بما في ذلك القصف وهجمات طائرات بدون طيار، والتحليقات الاستطلاعية وإعادة انتشار القوات. وهناك تقارير عن اشتباكات مسلّحة على عدة جبهات أغلبها في محافظات مأرب وتعز والحديدة"، مشيراً إلى أنه لا يمكن للأمم المتحدة التحقق من تلك التقارير بشكل مستقل.
وعبّر غروندبرغ عن سعادته لعقد مكتبه أول اجتماعين للجنة التنسيق العسكرية، التي ضمّت ممثلين عن الحكومة اليمنية والحوثيين، إضافة إلى قيادة القوات المشتركة للتحالف بقيادة السعودية. ووافقت اللجنة على الاجتماع على أساس شهري وعلى إنشاء غرفة تنسيق مشتركة لمعالجة القضايا المهمة للطرفين "في وقتها المناسب"، معتبراً أنّ "الاجتماعات وجهاً لوجه خطوة أولى مهمة نحو بناء الثقة، وتحسين التواصل بين الطرفين".
كما أشاد المبعوث الأممي بعودة الرحلات التجارية بين عمّان وصنعاء، بعد ست سنوات من إغلاق مطار صنعاء، ولفت إلى تسيير 8 رحلات تجارية كذلك بين القاهرة وصنعاء، وأثنى على استمرار تدفق الوقود إلى ميناء الحديدة طوال فترة الهدنة قائلاً: "خلال شهري إبريل/نيسان ومايو/أيار، تم إدخال أكثر من 480 ألف طن متري من منتجات الوقود، وهو أكثر مما دخل الحديدة خلال العام الماضي بأكمله".
وأمل المبعوث الأممي استمرار هذه الجهود، إذ أدى السماح بإدخال الوقود إلى "تخفيف الضغط على الخدمات الحيوية، وخفض طوابير الانتظار بشكل كبير في محطات الوقود التي كانت تهيمن على شوارع صنعاء، وسمح لليمنيين بالسفر بسهولة أكبر في جميع أنحاء البلاد".
وشدد غروندبرغ على ضرورة أن تؤدي الهدنة أيضاً إلى "تخفيف معاناة سكان تعز، والسماح لهم بحرية التنقل".
ويهدد ملف تعز الهدنة الأممية برمتها، التي أعلن عنها مطلع إبريل/نيسان الماضي لمدة شهرين، ومُدّدت شهرين إضافيين مطلع يونيو/حزيران الحالي، إذ تعدّ مسألة فتح الطرق نحو المدينة من ضمن البنود الإنسانية لهذه الهدنة، غير أن ذلك لا يزال متعثراً إلى الآن.
يأتي ذلك فيما نُفذت بقية بنود الهدنة؛ سواء بفتح مطار صنعاء بواقع رحلتين أسبوعياً، أو السماح بدخول سفن المشتقات النفطية مدينة الحديدة التي يسيطر عليها الحوثيون، بالإضافة إلى الوقف الشامل لإطلاق النار، على الرغم من الاتهامات المتبادلة بالخروقات.
وكان مكتب غروندبرغ، قد قال، في تصريحات خاصة لـ "العربي الجديد"، إنّ زيارة المبعوث الأممي لصنعاء، الأسبوع الماضي، جاءت لمناقشة "عدة قضايا، بما فيها مقترح أممي لإعادة فتح طرق في تعز ومحافظات أخرى بشكل تدريجي".
وأضاف المكتب: "يتوقع غروندبرغ ردّاً وشيكاً من صنعاء حول المقترح الأممي"، مذكّراً بأنّ المقترح أخذ بعين الاعتبار مختلف المخاوف التي عبّر عنها الطرفان خلال النقاشات التي بدأت خلال الشهر المنصرم في العاصمة الأردنية عمّان.
وتابع: "أما بالنسبة لعناصر الهدنة، فإنّ فتح الطرق عبارة عن إجراء لتخفيف معاناة اليمنيين، ولتطبيع الأوضاع وتسهيل حرية حركة المدنيين"، مؤكداً أنّ المبعوث الخاص "يواصل التزامه بالعمل مع الأطراف لتنفيذ جميع عناصر الهدنة للمتابعة في إيصال فوائد ملموسة للنساء والرجال والأطفال اليمنيين، والتواصل بخصوص الخطوات القادمة لتعزيز الفرصة التي توفرها الهدنة لوضع اليمن على مسار السلام".
وحذر غروندبرغ أمام مجلس الأمن من "هشاشة الهدنة والتأخر في تنفيذ بنودها، والذي قد يهدد ما تم تحقيقه"، لافتاً إلى أنّ "اللجوء إلى المعاملات، والتهديد بربط تنفيذ عنصر من عناصر الهدنة بعنصر آخر، واستخدام الخطاب الإعلامي التصاعدي تقوض الهدنة"، مشدداً في الوقت عينه على أنّ "الأمر متروك للطرفين في نهاية المطاف للحفاظ عليها والوفاء بوعودهما لصالح اليمنيين".
أما عن نقاط الخلاف العالقة، فأوضح غروندبرغ أنها "سياسية في غالبيتها"، ومنها "إدارة الإيرادات، ومدفوعات رواتب القطاع العام، ووثائق السفر، ووقف إطلاق نار أكثر ديمومة".
وعن مساعيه خلال الأسابيع المقبلة، أبدى المبعوث الأممي حرصه "على تحقيق حلول أكثر استدامة للاحتياجات الاقتصادية والأمنية الملحة"، كاشفاً أنه يخطط "لبدء مفاوضات على المسارين الاقتصادي والأمني".
ومن جهتها، تحدثت المسؤولة في مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، غادة مضوي، عن الأثر الإيجابي للهدنة في اليمن، في ما يخص تراجع عدد الإصابات بين المدنيين ودخول الوقود واستئناف الرحلات التجارية، وكذلك وصول فرق المساعدات الإنسانية لعدد من المناطق.
ووصفت مضوي الأزمة الإنسانية في اليمن بأنها "كبيرة وصعبة"، معربة عن مخاوفها من تفاقم هذه الأزمة مما سيقوض فرص التقدم في المستقبل، لافتة إلى التأثيرات السلبية للحرب في أوكرانيا على زيادة أسعار الغذاء والسلع الأساسية حول العالم، موضحة أنّ اليمن "يتأثر بهذه الصدمات أكثر من غيره حيث يستورد أغلب احتياجاته من الخارج"، محذرة من أنّ أكثر من نصف مليون طفل سيعانون على الأرجح من سوء تغذية حاد هذا العام، بينما سيعاني 19 مليون شخص في جميع أنحاء البلاد من الجوع بمن فيهم أكثر من 160 ألفاً على شفير المجاعة.