يُضاعف رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي اعتماده على جهاز مكافحة الإرهاب في تنفيذ عمليات ومهمات مختلفة، خاصة داخل العاصمة بغداد، من المفترض أنها من تخصص قوات الجيش والشرطة. لكن الإخفاقات الأخيرة لتلك القوات في مواجهة تحدي وتهديدات الفصائل المسلحة زادت من الاعتماد على الجهاز الأمني المكلف تحديداً بمواجهة الجماعات المرتبطة بتنظيم "داعش"، وسابقاً "القاعدة". وتسبب هذا الاعتماد، بحسب مراقبين ونواب، في خلق نوع من التوتر والحساسية الجديدة بين القوى السياسية والفصائل المسلحة الحليفة لإيران من جهة، وبين قادة جهاز مكافحة الإرهاب، الذي يصنف بأنه الأكثر بعداً عن ضغوط القوى السياسية والجماعات المسلحة، ويحظى بدعم أميركي كبير من حيث التسليح والتدريب.
كريم عليوي: على جهاز مكافحة الإرهاب أن يبقى بعيداً عن التوجهات السياسية
وبحسب مسؤول عراقي في بغداد، فإن العمليات التي نفذها جهاز مكافحة الإرهاب، خلال الشهرين الماضيين، كان أكثر من 40 في المائة منها في بغداد وضواحيها، وتتعلق بعمليات تأمين المناطق الحيوية والمهمة، مثل المطار والمنطقة الخضراء التي تضم السفارة الأميركية، بالإضافة إلى بعثات دبلوماسية أخرى، فضلاً عن عمليات اعتقال وضبط متورطين بالفساد، وملاحقة ما يعرف بخلايا الكاتيوشا، وأيضاً المتورطين بخطف ناشطين واستهداف الأرتال التابعة للتحالف الدولي. وأقر "بتوسعة عمل ومهام قوات جهاز مكافحة الإرهاب في ما يتعلق بملف الفصائل المسلحة والجماعات التي تتحدى الدولة عبر استهداف المصالح الأميركية وقوات التحالف، وكذلك ملف استهداف الناشطين، بسبب النفوذ الذي تمتلكه الفصائل داخل صفوف القوات النظامية، والتي عادة ما تؤدي إلى تسريب معلومات تتسبب بإفشال الكثير من المهمات".
ووفقاً للمسؤول، فإن القوة الرديفة لجهاز مكافحة الإرهاب، من ناحية اعتماد الحكومة عليها، هي وكالة الاستخبارات التابعة لوزارة الداخلية بقيادة اللواء أحمد أبو رغيف. وكشف أن "القوتين كانتا في حالة إنذار عندما تم تطويق المنطقة الخضراء من قبل عناصر عدة مليشيات ليلة 26 إبريل/ نيسان الماضي، بعد اعتقال القيادي في الحشد الشعبي قاسم مصلح، إذ يمكن اعتبارهما قوات صد لحماية الدولة".
وبسبب هذا الاعتماد وإبراز تلك القوة من قبل رئيس الحكومة، أكد سياسيون ونواب ضمن تحالف "الفتح"، الجناح السياسي لـ"الحشد الشعبي"، أن حكومة الكاظمي تزج بهذا التشكيل الأمني الخاص في "صراعات سياسية"، وفقاً لما قال عضو التحالف والنائب كريم عليوي لـ"العربي الجديد". وأضاف عليوي أن "على جهاز مكافحة الإرهاب أن يبقى بعيداً عن التوجهات السياسية، التي قد تقع فيها بعض أطراف الحكومة الحالية مع جهات أخرى، وأن يقف على مسافة واحدة من الجميع، لأن توريط الأجهزة الأمنية في الصراعات السياسية يؤدي على الأغلب إلى توتر بين قوات الجهاز مع الصنوف الأمنية والعسكرية الأخرى". وأوضح أن "عمل جهاز مكافحة الإرهاب، وفق القانون، هو أمني استخباراتي، ومن غير المقبول إدخاله في صراعات سياسية قد تضعف من قدراته البطولية التي عرفها العراقيون خلال السنوات الماضية".
إلا أن المتحدث باسم جهاز مكافحة الإرهاب صباح نعمان قال، لـ"العربي الجديد"، إن "الجهاز لا يمثل ذراعاً سياسيةً لأي جهة حزبية، ووظيفته تحقيق الأمن للعراقيين من خلال محاربة التنظيمات الإرهابية وتجفيف منابع تمويل هذه التنظيمات". وأضاف أن "الجهاز بعيد عن المحاصصات الحزبية والسياسية. بالتالي، فإن قوات الجهاز تتبع أوامر القائد العام للقوات المسلحة، وتشترك في العمليات الأمنية والعسكرية النوعية التي تخدم مصلحة الشعب العراقي، ولا تخرج عن القانون الخاص بجهاز مكافحة الإرهاب. وحين تنتشر قواتنا داخل المدن، فتكون بأوامر من القائد العام، وبالتالي نحن لا نعمل إلا لصالح القانون والحكومة".
صباح نعمان: الجهاز بعيد عن المحاصصات الحزبية والسياسية
وتأسس جهاز "مكافحة الإرهاب" في 2006 كقوة خاصة لتتبع الخلايا الإرهابية وكبار قياداتها بتنظيم "القاعدة" آنذاك، وتتبع مكتب القائد العام للقوات المسلحة، وهو رئيس الحكومة. ويعد الجهاز القوة العراقية الأكثر تنظيماً وشدة في مواجهة التحديات الأمنية، كما أنها شاركت في عمليات تحرير المدن المحتلة من قبل تنظيم "داعش". وتعتبر وفق تقارير عسكرية دولية واحدة من أفضل القوات الخاصة في الشرق الأوسط، لا سيما أنها تتلقى تدريبات من قبل خبراء أجانب، وتحديداً أميركيين. وبات الجهاز، الذي يديره حالياً عبد الوهاب الساعدي، الذراع الأمنية الأولى لدى حكومة الكاظمي في مواجهة الفصائل المسلحة، لأسباب ترتبط غالبيتها بكونه الأكثر انضباطاً والأبعد عن تأثير الفصائل المسلحة النافذة في العراق، وفقاً لمراقبين.
بدوره، أكد الخبير الأمني اللواء الركن المتقاعد عماد علو أن جهاز مكافحة الإرهاب "على ارتباط وظيفي وقانوني برئيس الوزراء بشكل مباشر. وكونه لم يؤسس بطريقة المحاصصة الحزبية والطائفية، التي سارت عليها باقي التشكيلات العسكرية والأمنية، فهو يتعرض بين فترة وأخرى إلى حملات إعلامية لتشويه صورته. وتقود بعض الأحزاب هذه الحملات، لأنها تسعى للاستحواذ على مناصب داخل الجهاز". وأوضح، لـ"العربي الجديد"، أن "ما يزيد من اعتماد الحكومة العراقية الحالية عليه، هو أن الجهاز أكثر مهنية واحترافية من غيره. كما أن المنتسبين له، من ضباط وجنود، منسجمين مع فكر الدولة ومشاريع المواطنة والوطن، على خلاف بعض أجزاء الصنوف العسكرية الأخرى، التي تندرج من أصول عقائدية وسياسية، ناهيك عن أن بعضها يؤمن بأجندات من خارج حدود العراق".