بعد الاحتجاجات الشعبية في محافظة إدلب شمال غربي سوري ضد "صمت" القوات التركية على الانتهاكات المتكررة لقوات النظام السوري وروسيا لاتفاق وقف إطلاق النار في المنطقة، وتصاعد أعداد الضحايا المدنيين نتيجة هذه الانتهاكات، بادرت القوات التركية إلى قصف مواقع قوات النظام في ريف إدلب الجنوبي، وكذلك فعلت فصائل المعارضة المسلحة.
وذكر الناشط محمد المصطفى، لـ"العربي الجديد"، أنّ القوات التركية أطلقت، فجر اليوم الجمعة، عشرات القذائف على مواقع قوات النظام في مدينة معرة النعمان ومحيطها بريف إدلب الجنوبي، بالتزامن مع قصف مكثف من جانب فصائل المعارضة على مواقع لقوات النظام في جبل الزاوية، وسط معلومات عن وقوع خسائر بشرية بين عناصر تلك القوات.
من جهتها، قصفت قوات النظام قرى وبلدات معربليت وكنصفرة جنوبي إدلب، دون أنباء عن إصابات.
ويأتي القصف بعد احتجاجات شعبية شهدتها بعض مناطق إدلب، أمس الخميس، ضد الصمت التركي إزاء المجازر التي ترتكبها قوات النظام السوري في المحافظة. وقطع المحتجون، أمس الخميس، الطرقات الرئيسية في بلدات وقرى جبل الزاوية من خلال حرق الإطارات مطالبين الضامن التركي والفصائل بوقف قصف النظام وروسيا على مدنهم وبلداتهم، والذي خلف، منذ مطلع الشهر الجاري، عشرات القتلى، معظمهم أطفال ونساء.
من جانبه، قال "الائتلاف الوطني السوري" إنّ التطورات الميدانية والقصف المدفعي والجوي "الذي تنفذه قوات الاحتلال الروسي وقوات النظام والمليشيات الإيرانية يدفع الأوضاع على الأرض إلى حافة الانفجار مجدداً"، وفق بيان له.
وطالب الائتلاف، في بيانه، أمس الخميس "الأطراف الدولية الفاعلة بالتدخل الجاد لوقف مخططات النظام وحلفائه، ومواجهة هذا الهجوم والتصعيد المستمر". وقال إنه "ينتظر من الدول العربية الشقيقة موقفاً يزيد الضغوط على المجتمع الدولي بهذا الخصوص".
كما طالب الأمم المتحدة "بتطبيق مبدأ المسؤولية عن حماية السكان من الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والتطهير العرقي والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية"، معتبراً سكوت المجتمع الدولي على هذا التصعيد "يعني إقراراً بعجزه عن تنفيذ قراراته أو تحمل مسؤولياته، وإفساحاً للمجال أمام وقوع المزيد من الجرائم والانتهاكات على الأرض".
سكوت المجتمع الدولي على هذا التصعيد يعني إقراراً بعجزه عن تنفيذ قراراته أو تحمل مسؤولياته، وإفساحاً للمجال أمام وقوع المزيد من الجرائم والانتهاكات على الأرض بكل ما يمكن أن يترتب على ذلك من نتائج.
— الائتلاف الوطني السوري (@SyrianCoalition) July 22, 2021
كذلك طالب الدفاع المدني السوري، المجتمع الدولي بوقف هجمات النظام وروسيا على إدلب وإعادة المهجرين، والبدء بمحاكمة مجرمي الحرب وتطبيق الحل السياسي الدولي.
وقال الدفاع المدني، في بيانٍ، أمس الخميس، إنّ "إفلات النظام من العدالة هو تحدٍ صارخ للإنسانية جمعاء، وإن الإنسانية مطالبة اليوم بموقف حازم، وليس الاكتفاء بالصمت والمراقبة"، محذرا من موجة نزوح جديدة إلى مخيمات الشمال السوري التي تفتقر لأدنى مقومات الحياة في حال استمرار التصعيد.
وزادت وتيرة التصعيد في إدلب بعد أداء رئيس النظام بشار الأسد "القسم الرئاسي" في الـ17 من الشهر الحالي، والذي توعد فيه مناطق المعارضة بأنه سيتم "تحريرها" قريباً.
ويقول الدفاع المدني إنه رصد، منذ مطلع يونيو/ حزيران، أكثر من 287 هجوماً، تسببت بمقتل 83 شخصاً، بينهم 24 طفلاً و16 امرأة، أما عدد الهجمات منذ مطلع العام فوصل إلى أكثر من 700 راح ضحيتها 110 أشخاص.
وتخضع مناطق إدلب وريف حلب الغربي وريفي حماة واللاذقية الشمالي في شمال غربي سورية لعدة اتفاقيات لوقف إطلاق النار، آخرها اتفاق موسكو في 5 مارس/آذار من العام الماضي.
وفي جنوب البلاد، قال موقع "تجمع أحرار حوران" إنّ عنصرين من مليشيا محلية تتبع لـ"الفرقة الرابعة"، يتزعمها المدعو شادي الصمادي، قتلا، وأصيب آخرون نتيجة مشاجرة حصلت بينهم وبين دورية مشتركة لفروع النظام الأمنية بالقرب من كازية الشعب بدرعا المحطة، مساء أمس الخميس.
وذكر الموقع أنّ ضابطاً في الدورية الأمنية أعطى أوامر بإطلاق النار على سيارة تقل عناصر "الفرقة الرابعة" التابعين للصمادي، ما أسفر عن وقوع قتلى وجرحى بينهم نقلوا على أثرها إلى مشفى درعا الوطني، وسط استنفار عسكري لقوات النظام قرب المشفى.
وكانت مجموعات تابعة لـ"الفرقة الرابعة" والأمن العسكري قد استهدفت، مساء أمس، بالمضادات الأرضية منازل المدنيين في أحياء درعا البلد.
"الإدارة الذاتية" ترفض اتهامات النظام
في غضون ذلك، رفضت "الإدارة الذاتية لشمال وشرق سورية" اتهامات قوات النظام لها بالترويج لمشاريع انفصالية، ودعت النظام إلى التعامل بحكمة ومنطق للخروج من الأزمة السورية.
وقالت الإدارة، في بيان لها، اليوم الجمعة، إنّ النظام السوري "يتحدث مرة أخرى بلغة بعيدة عن المنطق والواقع ويسرد في ذات الأسطوانة والخطاب الديماغوجي"، مضيفة أنّ "استهداف مشروع الإدارة الذاتية وربطه بسياقات لا أساس لها من الصحة، يعكس رغبة النظام في صرف الرأي العام السوري عن تقصيره".
ورداً على اتهام وزارة خارجية النظام مشروع "الإدارة الذاتية" بأنه يضعف سورية، ذكر البيان أنّ لدى النظام "قراءة غير واقعية للحالة العامة في سورية، وهو يتمسك بذهنية الإقصاء والإنكار والإصرار على مشروعه المركزي الفردي الذي أهلك البلاد".
ورأى البيان أنّ "تمسك النظام السوري بهذه الرؤية الضيقة والذهنية الفردية والقراءة الخاطئة للواقع ما هو إلا تعميق للأزمة وهروب إلى الخلف واستخفاف بعقول السوريين"، مطالباً النظام بتغليب المصلحة الوطنية في سورية، و"عدم تشويه تضحيات شعبنا والإدارة الذاتية".
كما دعاه إلى "التحلي بلغة المنطق والعقل والابتعاد عن خطاباته التقليدية والانفتاح على الحوار الجدي والتخلي عن لغة التخوين والاتهامات المزيفة، لأن هذا الخطاب هو من دمر سورية ولن يؤثر على الإطلاق بأية إيجابية على الساحة السورية".
وكانت وزارة الخارجية التابعة للنظام السوري، أصدرت، أمس الخميس، بياناً انتقدت فيه زيارة وفد من "الإدارة الذاتية" الكردية إلى باريس، ودعت تلك الإدارة إلى الكف عن الترويج لما سمته المشاريع الانفصالية. وشككت بحرص "هؤلاء" على وحدة أرض وشعب سورية، وحذرتهم من "الإمعان في التآمر على الوطن والمشاركة في العدوان عليه، وتحريض ما تبقى من قوى استعمارية للنيل من سيادته وحرية شعبه واستقلاله".
إلى ذلك قتل ثلاثة أشخاص في حوادث متفرقة في مخيم الهول بمحافظة الحسكة شرق سورية. وذكر الناشط أبو عمر البوكمالي لـ"العربي الجديد" أنه عثر، مساء أمس الخميس، على جثة لاجئ عراقي في العقد الثالث من العمر قتل داخل خيمته برصاص مجهولين. كما عثر على جثة لاجئة عراقية مقتولة بطلق ناري في القسم الأول من المخيم المخصص للاجئين العراقيين.
كما عثرت قوات "الأسايش" التابعة لـ "الإدارة الذاتية"، التي تشرف على المخيم، على جثة أحد عناصرها مقتولاً داخل القسم الأول دون العثور على أي دلائل حول منفذي العملية.
وحسب مصدر أمني، فإن المخيم سجل أكثر من 17 حالة قتل، عقب الحملة الأمنية التي أطلقتها "الأسايش" بمساندة "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) في 28 مارس/ آذار الفائت.