القدس وانتحال الحديث باسمها

30 ابريل 2021
من مواجهات القدس المحتلة بين الفلسطينيين والاحتلال (الأناضول)
+ الخط -

استدعى المشهد المقدسي من إحدى بواباته، باب العامود، بإجبار أهالي القدس المحتلة قوات الاحتلال على إزالة الحواجز، خطابين عربيين، يبدوان متناقضين، عند معسكري التطبيع و"الممانعة". فعلى الرغم من أن الشباب المقدسي "لم يزل على الجبل"، في مواجهة المستوطنين، راح شعبويو التطبيع، ينسبون تراجع الاحتلال إلى حكامهم. والأمر نفسه جرى حين خاض المقدسيون معركة إزالة كاميرات المراقبة في عام 2017. مهانة المشهد الرسمي باتت بلا حياء، مع تغيّب الجامعة العربية، كالعادة، وحصر الدور في ادّعاء انتصار الأنظمة بإزالة حاجز وكاميرا في القدس ذاتها التي جهد مؤيدو ذلك المعسكر، طيلة الأعوام الماضية، بإيجاد بدائل جغرافية لها من بوابة أن "الأقصى ليس الذي يعرفه الناس". وحاولوا فضّ الناس عن القضية الفلسطينية، رغم فشلهم المتكرر في "أنسنة" صور عتاة التطرف الصهيوني الاستيطاني، وهو ما أثار سخرية الاحتلال نفسه.

في المقابل، ثمة معسكر "ممانعة" لا يقلّ خبثاً في خطاباته المنتحلة لاسم فلسطين والقدس. فهبة أهل القدس برأيه هي ثمرة "ما زرعه"، ويجري حشر اسم قائد "فيلق القدس" الإيراني المُغتال قاسم سليماني، على بعض شاشات "الممانعة". ولا عجب من بعض لغو، من وزن أن "الصاروخ الطائش" قرب مفاعل ديمونا جاء في السياق.

عموماً، يعود الفلسطيني في القدس ليفاجأ بأجواء المهانة الرسمية العربية المستمرة منذ ثلاثة أجيال. ويعرّي هذا الأمر الاحتلال المتحول إلى نظام "أبرتهايد" (فصل عنصري)، سواء لدى منظمات حقوقية دولية أو أحزاب وصحافة أوروبية. وفيها يقدّم رسالة واضحة لطرفي المعسكرين، المطبع، والمهرول إلى خيمة "آيباك" (اللوبي الصهيوني في واشنطن)، و"الممانع" بالشعارات الانتهازية، خصوصاً نظام دمشق وحلفاءه، الذي ما انفكت صحافة الاحتلال تكشف تفضيل تل أبيب له على الحرية والديمقراطية في سورية وعموم دول الطوق العربي، أن يكفا عن انتحال اسم فلسطين والقدس، تبريراً وخداعاً مفضوحين.

وبالطبع، إن الواقع الرسمي الفلسطيني لم يكن بمنأى عن رسائل القدس الواضحة، حتى قبل الحديث عن الانتخابات. فنضال المقدسيين يقابله وبكل أسف حالة ارتباك رسمي، يقوم على ترهل الدور المنوط بحركة تحرر وطني. وأفضل ما يمكن أن تقدّمه الفصائل الفلسطينية، بكل اتجاهاتها، لشعبها هو التوقف أمام مشهدية الانفصام بين التمسك بمسار سياسي ـ تفاوضي، أثبت فشله لأكثر من 20 سنة، وبين توق نحو 7 ملايين فلسطيني إلى تحرر وطني حقيقي.

إن اللغة الخطابية المُحبَطة لقيادة السلطة في رام الله ما كان لها الوصول إلى الحائط المسدود، لو أن الاتجاه يسير نحو مراجعة حقيقية لدور وأهداف منظمة التحرير الفلسطينية. وإذا كان النظام الرسمي العربي غارقا في البحث الفردي عن "نجاة" أو "مصالح"، فثمة مشهد آخر يتشكل حول القضية الفلسطينية، وهو في مصلحة الشارعين الفلسطيني والعربي بالعموم. فالاستعصاء الصهيوني، في مواجهة أزمته الداخلية وإصراره على الجمع بين الاحتلال والدعم الخارجي، يدفع بكثيرين في الغرب إلى قناعة بأن دولة الاحتلال تتجه فعلياً إلى نظام "أبرتهايد".

ولعل نظرة سريعة إلى افتتاحيات بعض الصحافة الأوروبية عن أن "إسرائيل تختار تدمير ديمومتها"، تعني أن أحزاباً وقوى وسياسيين في أوروبا باتوا بالفعل يقرأون أزمة الاحتلال. ويحتاج هذا الأمر فلسطينياً، وبشكل عملي لا خطابي، إلى سياسة تراهن على عوامل قوة ذاتية عند شعبها وقواه، سواء في الأراضي المحتلة عام 1967 أو في 1948 وحتى الشتات الفلسطيني. ففي اختيار برامج حقيقية لمواجهة "أبرتهايد"، ما يُمكّن من وقف العبثية الرسمية العربية، وغيرها، التي حاولت فرض استسلام فلسطيني. وأدوات المواجهة لا تُحصر في زاوية انتخابات تمرير مشروعية ذات السياسات التي انتهجت طيلة عقدين، وبغض النظر عن الأسماء.

المساهمون