صدرت الثلاثاء الماضي حزمة جديدة من العقوبات الأميركية على النظام السوري ومتعاونين معه بموجب قانون مكافحة تجارة الكبتاغون، الذي صادق عليه الرئيس الأميركي جو بايدن في ديسمبر/كانون الأول الماضي.
وجاءت الحزمة في وقت كثرت الشكوك بشأن إهمال الغرب، وتحديداً الولايات المتحدة للملف السوري، إذ تراجعت العقوبات الأميركية منذ وصول بايدن للبيت الأبيض في يناير/كانون الثاني 2021. كما أن النظام برئاسة بشار الأسد بات يتمدد بالتعويم في محيطه الإقليمي، العربي على وجه الخصوص.
العقوبات الأميركية ضد النظام
وفي حين صدرت حزمة جديدة من العقوبات بشكل متزامن بين واشنطن ولندن ضد النظام وشخصيات لبنانية متعاونة معه، فإن الأمر يمكن قراءته على أنه رسالة من الغرب نحو النظام ومساعيه لتحقيق مزيد من التعويم.
والثلاثاء الماضي، فرض مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأميركية "أوفاك"، عقوبات على ستة أشخاص، بينهم اثنان من أقارب رأس النظام السوري بشار الأسد، لدورهم في إنتاج الكبتاغون أو تصديره، فيما فرضت الحكومة البريطانية عقوبات على 11 كياناً مرتبطاً بالنظام.
وبحسب وزارة الخزانة الأميركية، فإن العقوبات شملت كلاً من سامر كمال الأسد، وهو ابن عم رئيس النظام السوري، ويشرف على منشآت إنتاج الكبتاغون الرئيسية في اللاذقية التي يسيطر عليها النظام. كما طاولت العقوبات وسيم بديع الأسد، وهو ابن عم آخر للأسد، ودعم قوات النظام في أدوار مختلفة. كذلك شملت قيادة مليشيا كتائب البعث، وهي وحدة شبه عسكرية تحت قيادة الجيش السوري.
وأدرج عماد أبو زريق، وهو قائد سابق في "الجيش السوري الحر"(معارضة)، ويقود الآن مليشيا تابعة للمخابرات العسكرية السورية (شملته تسوية مع النظام في درعا) على قائمة العقوبات.
ويؤدي أبو زريق دوراً مهماً في تمكين إنتاج المخدرات وتهريبها في جنوب سورية. ويقود زريق مليشيا تسيطر على معبر نصيب الحدودي بين سورية والأردن، ويستخدم سلطته في المنطقة لبيع البضائع المهربة وتشغيل مضارب الحماية وتهريب المخدرات في الأردن.
الحكومة البريطانية: عائدات تجارة الكبتاغون للنظام تبلغ نحو 5.7 مليارات دولار أميركي سنوياً
كما شملت العقوبات نوح زعيتر، وهو لبناني له علاقات وثيقة مع كل من الفرقة الرابعة في قوات النظام السوري وبعض أعضاء حزب الله. وهو تاجر أسلحة معروف ومهرب مخدرات ومطلوب حالياً من قبل السلطات اللبنانية بتهمة تهريبها. وبحسب ما ورد يقوم زعيتر بأنشطته غير المشروعة تحت حماية الفرقة الرابعة، كما ثبت تدخله في الحرب السورية لصالح حزب الله.
وطاولت العقوبات حسن محمد دقو، وهو مزدوج الجنسية، لبناني - سوري، أطلقت عليه وسائل الإعلام لقب "ملك الكبتاغون"، وخالد قدور، وهو رجل أعمال سوري ومقرب من ماهر الأسد، فيما أشارت وزارة الخزانة إلى أن العقوبات الأميركية الجديدة استهدفت أشخاصاً وشركتين لدورهما في إنتاج وتصدير الكبتاغون.
بدورها، أوضحت مديرة مكتب مراقبة الأصول الأجنبية لدى وزارة الخزانة الأميركية، أندريا م. غاكي، في بيان وزارة الخارجية الأميركية، أن "سورية أصبحت رائدة عالمياً في إنتاج الكبتاغون الذي يسبب الإدمان، ويتم تهريب الكثير منه عبر لبنان".
وشددت على أنه "مع حلفائنا، سنحاسب أولئك الذين يدعمون نظام بشار الأسد بإيرادات المخدرات غير المشروعة وغيرها من الوسائل المالية، التي تمكن النظام من القمع المستمر للشعب السوري".
بدورها، قالت المتحدثة باسم الحكومة البريطانية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، روزي دياز، في تغريدة لها على حسابها في "تويتر" الثلاثاء الماضي، إن "ماهر الأسد شقيق بشار يُشرف شخصياً على تجارة الكبتاغون خارج سورية". وأشارت إلى أن "عائدات تجارة الكبتاغون للنظام تبلغ نحو 5.7 مليارات دولار أميركي سنوياً وتمثل 80 في المائة من إمدادات العالم".
وكشفت دياز: "تغادر شحنات بمليارات الدولارات معاقل النظام مثل ميناء اللاذقية". ولفتت إلى أن تجارة الكبتاغون "تُثري الدائرة المقربة من الأسد والمليشيات وأمراء الحرب على حساب الشعب السوري".
وكان الرئيس الأميركي قد وقع في ديسمبر الماضي، ميزانية الدفاع الأميركية لعام 2023 التي قدمها الكونغرس، وتضمّنت قانوناً لمحاربة الكبتاغون الذي يصنعه النظام السوري. ويتضمن مشروع القانون أن تجارة المخدرات المرتبطة بنظام الأسد تعتبر "تهديداً أمنياً عابراً".
ويُطالب الوكالات الأميركية بوضع استراتيجية مكتوبة خلال مدة أقصاها 180 يوماً، لتعطيل وتفكيك إنتاج المخدرات والاتجار بها، والشبكات المرتبطة بنظام الأسد في سورية والدول المجاورة، ويبدو أن هذه الحزمة من العقوبات على النظام، صدرت بموجب هذا القانون.
وسبق أن ظهرت فرضية إهمال الإدارة الأميركية الحالية للملف السوري، جراء عودة العلاقات بين النظام وبعض الدول العربية، وعدم تحريك الإدارة لمفاعيل القوانين الأميركية الرادعة لأي فرد أو كيان أو دولة تقيم علاقات دبلوماسية أو اقتصادية أو عسكرية مع النظام في دمشق، إلا أن واشنطن أكدت في تصريحات لمسؤولين فيها عدم تهاونها في الملف السوري.
لا لإعادة "تأهيل الديكتاتور"
وفي رد على التشكيك بالعقوبات والقوانين الأميركية وجديتها في إحداث تغيير على بنية النظام أو إجباره على الجلوس لطاولة الحل السياسي، أشار مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية، فضل عدم الكشف عن اسمه لعدم تخويله بالتصريح الرسمي، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، إلى أن "هذه الإدارة لن تعرب عن أي دعم لجهود إعادة تأهيل الديكتاتور بشار الأسد".
وأضاف في حديثه، الذي سبق صدور لائحة العقوبات الجديدة: "لن نقوم بترقية علاقاتنا الدبلوماسية مع نظام الأسد، ولا ندعم تطبيع الدول الأخرى علاقاتها معه، ولن نرفع العقوبات عن سورية ولن نغير موقفنا المعارض لإعادة إعمار سورية حتى يكون هناك تقدم حقيقي ودائم نحو الحل السياسي".
وحول عدم تحريك واشنطن، لا سيما في ظل الإدارة الحالية، لمفاعيل قوانين الردع، لا سيما بموجب "قانون قيصر" أمام الدول التي طبعت أو تسعى لتطبيع علاقاتها مع النظام، قال المسؤول الأميركي، إن حكومة الولايات المتحدة "لا تزال تركّز على ممارسة الضغط على الأسد من خلال العمل مع المجتمع الدولي لمحاسبته ونظامه على الفظائع ضد السوريين، والتي يرقى بعضها إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية".
وأشار إلى أن سياسة بلاده "لا تزال صارمة في العقوبات في سورية، والتي تشمل قانون قيصر، وهي سارية المفعول بالكامل وهي أداة مهمة للضغط من أجل مساءلة نظام الأسد".
وتابع: لم نرفع أو نتخلّ عن أية عقوبات، على العكس في العام الماضي، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على عدة مجموعات وأفراد متورطين في انتهاكات حقوق الإنسان ومعاناة الشعب السوري، شملت كبار ضباط القوات الجوية السورية المسؤولين عن هجمات بالأسلحة الكيميائية، ومسؤولين سوريين آخرين في جهاز المخابرات والأمن، الذي يسيطر على مراكز الاحتجاز حيث حدثت انتهاكات لحقوق الإنسان ضد السجناء السياسيين وغيرهم من المعتقلين.
مسؤول أميركي: الاستقرار في سورية لا يمكن تحقيقه إلا من خلال عملية سياسية تمثل إرادة جميع السوريين
ونوّه المسؤول نفسه إلى أن الرخصة التي أصدرها مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأميركية في 9 فبراير/ شباط الماضي، هي مؤقتة لتوسيع التصاريح بموجب لوائح العقوبات السورية لدعم الجهود الإنسانية وجهود الإغاثة الطارئة للزلزال في سورية (وقع في 6 فبراير).
وقال: توضح الرخصة العامة أن العقوبات الأميركية لا تمنع أو تعيق المعاملات والأنشطة اللازمة لتقديم المساعدة المشروعة في حالات الكوارث للشعب السوري. وأضاف: "تعكس هذه الرخصة العامة التزام الولايات المتحدة بدعم الشعب السوري خلال أزمته الإنسانية المستمرة"، معتبراً أن هذا الأمر "ليس تغييراً في السياسة تجاه نظام الأسد".
لا دعم أميركياً لتعويم الأسد
وحول احتمالية تغيير الإدارة أو الولايات المتحدة موقفها من النظام، في ظل الوضع الراهن بغض الطرف عن تعويمه على الأقل على المستوى العربي والإقليمي، قال المسؤول الأميركي: "كما كرّر وزير الخارجية أنتوني بلينكن، نحن لا ندعم جهود إعادة تأهيل الأسد، ولا ندعم تطبيع الآخرين للعلاقات معه، لقد كنا واضحين بهذا الشأن مع شركائنا".
وتابع: "نحثّ الدول التي تفكر في التعامل مع نظام الأسد على النظر بعناية إلى الفظائع المروعة التي ارتكبها نظام الأسد ضد الشعب السوري على مدى العقد الماضي، فضلاً عن جهود النظام المستمرة لحرمان جزء كبير من البلاد من الوصول إلى المساعدات الإنسانية والأمن".
وأضاف المسؤول الأميركي: "لن ترفع الولايات المتحدة أو تتنازل عن العقوبات ولا نؤيد إعادة إعمار سورية حتى يكون هناك تقدم حقيقي ودائم نحو حل سياسي، وهو أمر لم نشهده للأسف". وأبدى اعتقاده أن "الاستقرار في سورية والمنطقة أمر لا يمكن تحقيقه إلا من خلال عملية سياسية تمثل إرادة جميع السوريين، ونحن ملتزمون بالعمل مع الحلفاء والشركاء والأمم المتحدة نحو حل سياسي دائم".
من جهته رأى السياسي المعارض رضوان زيادة، المقيم في واشنطن، أن العقوبات الأميركية تصدر بموجب قوانين تقر من الكونغرس، لكن التطبيق والتشدد في تطبيقها يعتمد على الإدارة".
وأضاف: ولذلك إذا كانت الادارة لا ترى فائدة من القوانين فإنها تحاول التحايل عليها أو تأجيلها، لكن لا تستطيع تجاهلها لأن الكونغرس سيضغط من أجل تطبيقها، وبكل الأحوال هي رسالة سياسية قوية من واشنطن.
وحول إمكانية إحداث فرق حقيقي في بنية الأزمة السورية من خلال الضغط الغربي والأميركي عبر العقوبات والقوانين، أشار زيادة في حديثٍ مع "العربي الجديد"، إلى أنه لا يعتقد أن يتم ذلك في ظل الإدارة الحالية، وأن "ذلك ربما يحدث مع إدارات مقبلة في المستقبل، فهذه الإدارة سلبية جداً في تعاطيها مع الملف السوري".