في وقت يتزايد فيه الحديث عن "نظام عالمي جديد"، منذ بداية الغزو الروسي لأوكرانيا في العام الماضي، تذهب مختلف الدول نحو تعزيز تكتلاتها، بحثاً عن مصالحها المستقبلية. من أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي إلى أفريقيا وآسيا، وغيرها، تسارع الدول لتعزيز شراكاتها وتعاونها وتنسيقها أمام التكتلات والقوى المهيمنة والمتصارعة. وباستثناء منظومة "مجلس التعاون لدول الخليج العربية" تبدو الحالة العربية في جمود.
ومن دون المقاربة مع تكتل الاتحاد الأوروبي، الذي تأسس بعد سنوات من نشوء جامعة الدول العربية، من الواضح أن الوضع العربي أسير تشرذم وخلافات تعيق حتى التعاون البيني الوثيق. فعلى سبيل المثال تبدو أميركا اللاتينية والكاريبي أكثر حيوية ومسارعة إلى التكتل.
وعدا عن أن ناس تلك الدول، المقدرين بنحو 700 مليون إنسان في 33 دولة، متباينون اقتصادياً وسياسياً، يشبهون العرب في أزمات الانقلابات والانتقال الديمقراطي، فإن ذلك لم يمنعهم من الالتقاء على القواسم المشتركة لمصالحهم، والتفاوض كتكتل مع الاتحاد الأوروبي وأميركا الشمالية.
الآن، حتى لو اختلف العرب، وظن بعضهم أن مصالحه تتحقق من خلال العلاقات الثنائية، فإن الواقع يقول إنه من دون ظهور ثقل جمعي عربي يصعب الانفكاك من حصد الخسائر المتوالية، في أكثر من منطقة.
وبلغة المصالح، وبقراءة سياسات القارة الأقرب، أفريقيا، التي يقع فيها عدد من الدول العربية، تبدو منظومات العرب بكل أسف متحولة إلى جمهور يتفرج على ما يجري.
القارة التي كانت ذات يوم عمقاً حيوياً للعرب، تُركت منهم لنحو ثلاثة عقود. ويجري اختراق أفريقيا من قبل قوى تنافس العرب على مصالحهم، وسط سلبية الفعل العربي، اللهم إلا ببيانات روتينية تعبر عن عجز. والأمر نفسه ينسحب على "اللاتينية" ومنطقة الكاريبي.
صحيح أن بعض الأنظمة السياسية في أفريقيا مختلفة فيما بينها، وينهش بعضها الفساد، ورغم ذلك تراهم أيضاً يتفاوضون ككتلة إقليمية. سواء تعلق الأمر بروسيا أو الاتحاد الأوروبي أو تجمعات آسيا. وإذا كانت المعضلة العربية تتمثل في شلل مؤسستها الموسمية في "الجامعة العربية"، المنشغلة ببيانات موسمية أو اجتماعات روتينية جامدة، لا تعبر عن حيوية الأجيال العربية الشابة، فربما حان الوقت للتفكير جدياً بمنتدى عربي مختلف.
الكثير من دول العالم أسست تجمعات جديدة لحفظ مصالحها، مثل آسيان وبريكس وسيلاك في اللاتينية، والاتحاد الأفريقي، وتجمعات أخرى. فماذا ينقص العالم العربي لتأسيس أقله ما يشبه "مجلس التعاون" الخليجي، إذا كانت تجارب الآخرين لا تروق لصناع القرار؟