استمع إلى الملخص
- تقارير تشير إلى أن الفدية المطلوبة لإطلاق سراح المعتقلين تتراوح بين ألف إلى عشرة آلاف دولار، ومع ذلك، لم يتم إطلاق سراح العديد من الضحايا حتى بعد دفع الفدية.
- قوات الدعم السريع تستغل أقسام الشرطة لاحتجاز المواطنين وتحصيل الفدية، مما أدى إلى نزوح العديد من السكان من قراهم خوفاً من العودة المتكررة لهذه القوات.
منذ اندلاع الحرب بين الجيش السوداني ومليشيات الدعم السريع، وجد المدنيون السودانيون أنفسهم وسط عاصفة من الانتهاكات بحقهم من قبل طرفي الصراع والقوات والمليشيات المساندة لهم. وكانت "الدعم السريع" صاحبة الحصة الكبرى من الانتهاكات بمهاجمتها للمدن والقرى، وإقدامها على اختطاف واعتقال المواطنين وطلب مبالغ مالية ضخمة من ذويهم فدية لإطلاق سراحهم، أو قتلهم، وسط تخوّف السودانيين من تفاقم الظاهرة وتحولها إلى مورد مالي للمليشيات المنتشرة في معظم ولايات البلاد. وتسببت الحرب الدائرة في السودان منذ 15 إبريل /نيسان 2023 في معاناة بالغة للمدنيين. وخلّف الصراع أكثر من 13 ألف قتيل، وفقاً لـ"مشروع بيانات مواقع النزاعات المسلحة وأحداثها" (أكليد)، إلى جانب آلاف المفقودين الذين تنتشر صورهم على مواقع التواصل الاجتماعي، والذين اتضح بعد ظهور عدد منهم أنهم كانوا يقبعون في معتقلات تابعة لقوات الدعم السريع، خصوصاً في العاصمة الخرطوم.
في بعض الحالات تجاوز مبلغ الفدية المدفوع لـ"الدعم السريع" الـ10 آلاف دولار
وقالت "مبادرة مفقود"، العاملة في مجال حصر المفقودين والبحث عنهم، في تقرير أصدرته في 15 إبريل الماضي، إن العديد من المواطنين اضطروا إلى دفع فدية لإطلاق سراح أبنائهم المعتقلين لدى قوات الدعم السريع تراوحت قيمتها ما بين ألف إلى أربعة آلاف دولار. وأضافت أنه في بعض الحالات تجاوز المبلغ الـ10 آلاف دولار. وذكرت أنه "لسوء الحظ وفي كثير من الحالات لم يتم إطلاق سراح الضحايا على الرغم من دفع عائلاتهم الفدية"، وفي بعض الحالات "أعيد الضحايا إلى عائلاتهم متوفين".
"الدعم السريع" تقايض حياة السودانيين
يوم 23 أغسطس/آب الحالي اختطفت قوة من "الدعم السريع" الصحافي السوداني علاء الدين أبو حربة من منزله في منطقة شرق النيل، بمدينة الخرطوم بحري، وهي منطقة خاضعة لسيطرة "الدعم السريع". وطالب الخاطفون بفدية مالية ضخمة لإطلاق سراحه، مهددين بتصفيته في حال عدم استلام المبلغ المطلوب.
وقالت نقابة الصحافيين السودانيين في بيان، الأحد الماضي، إن الخاطفين ورغم تسلمهم للمبلغ، ضاعفوا الفدية من مليون إلى مليوني جنيه سوداني (ألف دولار، الدولار يساوي ألفي جنيه)، ما يضع حياة الصحافي علاء الدين في خطر داهم في أي لحظة. ودانت النقابة هذا العمل ووصفته بـ"الإجرامي البربري"، محملة "الدعم السريع" المسؤولية الكاملة عن حياة الصحافي. واعتبرت أن "تهديد حياته أو المقايضة عليها يمثل انتهاكاً صارخاً لكل القوانين والأعراف الدولية".
وكانت لجان "مقاومة منطقة العشرة" بمدينة الخرطوم العاصمة، قد قالت في 26 يونيو/حزيران 2023 إن أسرة كاملة تعرضت للاختطاف من قبل مليشيات "الدعم السريع"، ما اضطر أقاربهم إلى دفع فدية مالية لم تحدد قيمتها، مقابل إطلاق سراح المحتجزين وأطفالهم وزوجاتهم. وأضافت أنه بعد الإفراج عنهم غادروا الخرطوم إلى مكان آمن. وفي بيان بتاريخ 3 يوليو/تموز الماضي، قال "مؤتمر الجزيرة" (تنظيم شعبي) إن قوات الدعم السريع اقتحمت في الأول من يوليو الماضي قرية حاج النور بمحلية جنوب الجزيرة (بولاية الجزيرة وسط شرقي السودان)، واعتقلت 16 شاباً من أبناء القرية. ولفتت إلى أن "الدعم السريع" رفضت إطلاق سراحهم إلا مقابل دفع 600 ألف جنيه (300 دولار) فدية عن كل فرد، مضيفة أنه بعد عملية تفاوضية مضنية مع المليشيا تم الاتفاق على مبلغ 300 ألف جنيه مقابل كل فرد.
إرعاب المواطنين
وقال المواطن إبراهيم عثمان، لـ"العربي الجديد"، إن قوة من "الدعم السريع" هاجمت قرية شبونة، بداية إبريل الماضي، واختطفت فتاة من القرية الواقعة جنوب ولاية الجزيرة، مطالبة بمبلغ 100 ألف جنيه (فِدية) مقابل إطلاق سراحها. وأضاف أن ذويها "اضطروا لدفع المبلغ لاستعادتها، ثم نزح الكثير من السكان تاركين القرية بعد أن حاولوا في البداية التعايش مع وجود الدعم السريع، لكن استهدافها للنساء دفعهم لقرار المغادرة".
استهداف "الدعم السريع" للنساء في قرية بولاية الجزيرة دفع السكان لقرار المغادرة
وفي قرية أبو قوتة، شمالي ولاية الجزيرة، ذكر مواطنون، لـ"العربي الجديد"، أن مجموعة من قوات الدعم السريع حضرت إلى القرية قبل أسبوعين، وسألت عن أشخاص بعينهم. وأضافوا أن تلك القوات أطلقت النار في الهواء وأرعبت المواطنين، ثم أطلقت النار على مواطن في قدمه، مطالبة بتجهيز مبلغ ستة ملايين جنيه سوداني (ثلاثة آلاف دولار) وغادرت على أن تعود لاستلامه. وأوضح المواطنون أن الأمر تسبب فوراً في مغادرة العديد من السكان والنزوح لمناطق أخرى خوفاً من عودة عناصر "الدعم السريع".
كما أبلغ معتقل سابق لدى قوات الدعم السريع، فضل عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، أنه تم القبض عليه في مدينة نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور، إذ اتُهم بالعمل مع استخبارات الجيش، لكن بعد تأكد "الدعم السريع" من أنه لا علاقة له بأي جهة عسكرية، رموه في السجن. ولاحقاً جاء أحد الجنود، وفق المواطن، وأخبرهم (المعتقلين) أن "بإمكانهم المغادرة شرط دفع حق الطبلة (ثمن قفل السجن) وحدد مبلغاً وغادر". وأضاف المواطن أنه ومن معه أخبروا الحارس أنهم لا يملكون المال وعليهم الاتصال بمعارفهم للطلب منهم، فأحضر لهم هاتفاً واتصلوا بذويهم لإرسال المال. وذكر أن عناصر "الدعم السريع" يملكون تطبيقاً مصرفياً طلبوا إرسال المال عبره، وبعد استلامهم الأموال أطلقوا سراحه. وأشار إلى أنه دفع مبلغ 300 ألف جنيه وغادر بسرعة واختبأ مع أشخاص يعرفهم ثم غادر برفقة نازحين حتى لا يتم القبض عليه مجدداً.
"الدعم السريع" تستغل أقسام الشرطة التي تستولي عليها لاحتجاز المواطنين والتحقيق معهم
وفي ديسمبر/كانون الأول الماضي، حضرت مجموعة من قوات الدعم السريع إلى منزل المواطن محمود صالح، جنوبي الخرطوم، واقتادوه معصوب العينين إلى أحد مقراتهم، واتهموه بأنه ضابط استخبارات في الجيش، قبل مطالبته بشراء حريته بدفع المال. وقال شقيقه منصور، لـ"العربي الجديد"، إن محمود اتصل به بعد بحثهم عنه لأشهر بلا جدوى، وأخبره بما حدث و"أنهم الآن يطلبون مبلغ خمسة ملايين جنيه (2500 دولار) للإفراج عنه أو قتله". وأضاف أنه تحدث مع أحد محتجزي شقيقه وتفاوض معه على تخفيض المبلغ، وعندما أصر على أربعة ملايين عرض عليه أخذ سيارتهم المخبأة في منزل الأسرة بالخرطوم، وبعد اتصالات ومفاوضات مضنية قبلوا بالسيارة وأطلقوا سراح شقيقه.
وقال شرطي سابق طلب عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، إن قوات الدعم السريع "تستغل أقسام الشرطة في المدن والقرى التي تسيطر عليها لاحتجاز المواطنين والتحقيق معهم". وأضاف أنهم "يتعرفون إلى العسكريين السابقين أو المدنيين الذين يملكون أموالا وسيارات في الأحياء عبر متعاونين من الحي يعملون معهم". وتابع: "للأسف الكثير من هؤلاء المتعاونين هم عسكريون سابقون خدموا في جهاز الأمن أو الشرطة، وفُصل أغلبهم لسوء السلوك، وبعد اندلاع الحرب انضموا لصفوف الدعم السريع". وأشار إلى أن الخاطفين "يستخدمون غالباً تطبيق بنكك المصرفي التابع لبنك الخرطوم، ورغم تحصل الشرطة وسلطات القانون على أرقام هذه الحسابات من قبل المواطنين الذين يبلغون عنها، إلا أن الكثير منها ما زال يعمل، وهناك آلاف البلاغات مدونة لدى الشرطة".