حظيت زيارة السفير الفرنسي في المغرب كريستوف لوكورتييه إلى منطقة الصحراء، المنتظر أن تنتهي مساء اليوم الأربعاء، بمتابعة كبيرة من قبل المراقبين لتطورات الملف المستمر لـ49 عاما، بالنظر إلى دلالاتها السياسية وتوقيتها. فبعد 11 يوما على انتهاء زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الرباط التي طوت صفحة أزمة صامتة استمرت لثلاث سنوات، وعززت الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، وأكدت مجددا التزام باريس بسيادة المغرب على الصحراء، قاد السفير الفرنسي كريستوف لوكورتييه وفدا دبلوماسيا، وعددا من رجال الأعمال ومتخصصين في مجالات التعليم والثقافة، إلى مدينتي العيون (كبريات حواضر الصحراء) والداخلة (ثاني كبريات حواضر الصحراء)، في زيارة هي الأولى من نوعها.
وجاءت زيارة لوكورتييه التي بدأت مساء الاثنين "في إطار الجهود المستمرة لتوسيع وتعميق التعاون بين فرنسا والمغرب في عدة مجالات"، وفق بيان للسفارة الفرنسية بالرباط. وأكد البيان أن الزيارة تهدف إلى "لقاء سكان المنطقة والتواصل مع السلطات الإقليمية للاستماع إلى التحديات التي تواجههم، فضلا عن تحديد مجالات التعاون المستقبلي التي يمكن أن تساهم فيها فرنسا في دعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية لهذه المناطق، بما يعود بالنفع على سكانها". كما اعتبرت السفارة أن هذه الزيارة "جزء من السياسة الفرنسية الثابتة تجاه المغرب، التي أكدها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال زيارته الأخيرة. تسعى فرنسا إلى دعم المغرب في مختلف القطاعات، وخاصة في المناطق الصحراوية التي تتطلب اهتماما خاصا لتعزيز الاستقرار والتنمية".
اعتبرت السفارة الفرنسية في المغرب أن هذه الزيارة جزء من السياسة الفرنسية الثابتة تجاه المغرب
وكان السفير الفرنسي قد استهل أول الأنشطة المرتبطة بالزيارة، صباح أمس الثلاثاء، بملاقاة والي جهة العيون-الساقية الحمراء، عبد السلام بيكرات، والمنتخبين الذين جرى اختيارهم من قبل أهل الصحراء في انتخابات الـ8 من سبتمبر/ أيلول 2021، وبشيوخ وأعيان القبائل الصحراوية. كما التقى والي جهة الداخلة وادي الذهب، علي خليل. وبالتوازي مع ذلك، عقد حوالي خمسين من رجال الأعمال وصناع القرار الاقتصادي الفرنسيين، أمس الثلاثاء بالعيون، اجتماعا مع مسؤولين محليين ومنتخبين، بهدف استكشاف فرص الاستثمار والشراكة في جهة العيون-الساقية الحمراء.
وتأتي الزيارة في وقت توالت فيه الخطوات الفرنسية نحو الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء، وذلك بحسب إشارات عدة، من أبرزها إعلان وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو، في 29 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، عن اتخاذ خطوات وإحداث تمثيل دبلوماسي رسمي لبلاده في الصحراء، وتأكيده أن السفير الفرنسي سيتوجه إلى الصحراء، من أجل تعزيز حضور بلاده الدبلوماسي والثقافي في المنطقة.
كذلك، كان لافتا تأكيد إعلان "الشراكة الاستثنائية الوطيدة" الذي وقعه العاهل المغربي الملك محمد السادس والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في الـ28 من الشهر الماضي بالرباط، على أن يشمل تطبيق تلك الشراكة أوسع نطاق ترابي ممكن، وذلك على ضوء الاعتراف الفرنسي بسيادة المغرب على الصحراء. كما جدد ماكرون بصفة خاصة تأكيد التزامه بأن يواصل مواكبة جهود المغرب من أجل تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية لهذه المنطقة لفائدة السكان المحليين.
وبحسب الباحث في الدراسات السياسية والدولية، حفيظ الزهري، فإن الزيارة تأتي "في سياق تنزيل وتفعيل مخرجات الزيارة الأخيرة لماكرون إلى المملكة على أرض الواقع، خصوصا على المستوى السياسي المتمثل في اعتراف باريس بسيادة المغرب على الصحراء".
زيارة "بوزن دولي"
وقال الزهري، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "تنزيل الاعتراف الفرنسي بمغربية الصحراء يتضح من خلال أهمية ونوعية الوفد الذي رافق السفير الفرنسي في زيارته إلى مدينة العيون، والذي تشكل من رجال أعمال لهم وزن ثقيل على المستوى الاقتصادي والاستثمار". واعتبر أن الزيارة تدخل في إطار بداية العمل بالاتفاقيات التي تم توقيعها بين الحكومتين المغربية والفرنسية خلال زيارة ماكرون الأخيرة إلى الرباط. وأوضح أن زيارة السفير الفرنسي للصحراء "تحتل أهمية كبرى في ما يخص مستقبل العلاقات بين البلدين، إذ تشكل دفعة قوية للتنسيق السياسي بينهما إقليميا وجهويا ودوليا، وللتنمية في الأقاليم الجنوبية للمملكة من خلال الاستثمارات الفرنسية التي ستواكب التنمية في تلك المنطقة.. كما لها وزن على المستوى الدولي، إذ ستدفع العديد من الدول إلى إعلان اعترافها الرسمي بمغربية الصحراء، وتحريك رؤوس أموالها من أجل الاستثمار في الصحراء".
لدعم المشاريع التنموية
من جهة أخرى، رأى المحلل السياسي محمد شقير، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن زيارة السفير الفرنسي إلى الأقاليم الصحراوية برفقة وفد كبير من رجال الأعمال "تؤكد الدور الكبير الذي لعبه اللوبي الاقتصادي الفرنسي في تغيير موقف ماكرون وإقناعه بالاستجابة إلى الخروج من المنطقة الرمادية والقيام بزيارة دولة إلى المغرب". وأضاف شقير أن ماكرون بتأكيده خلال الزيارة على إقامة شراكة اقتصادية قوية بين الجانبين، خاصة ما يتعلق بالاستثمار في الأقاليم الصحراوية، يؤكد "اعترافا سياسيا واقتصاديا بمغربية الصحراء، وتجاهلا لمضمون الحكم الأخير لمحكمة العدل الأوروبية".
شقير: الزيارة مرآة للقرار السياسي المتخذ من طرف الرئاسة الفرنسية بشأن تأكيد مغربية الصحراء
واعتبر شقير الزيارة "مرآة للقرار السياسي المتخذ من طرف الرئاسة الفرنسية بشأن تأكيد مغربية الصحراء والمساهمة في الاستثمار في المشاريع التنموية بهذه المناطق، من خلال البحث عن فرص استثمارية، سواء في مجال الطاقة أو مجال الفوسفات، أو تحلية مياه البحر، إلى غير ذلك من المشاريع الهيكلية الواعدة".
وكان الرئيس الفرنسي قد جدد دعم بلاده لسيادة المغرب على الصحراء، قائلا في خطاب له أمام البرلمان المغربي في 29 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، إن "مستقبل وحاضر الصحراء يوجد تحت السيادة المغربية"، مؤكدا أن "الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية هو الإطار لحل هذا النزاع".