- الخلافات ترتبط بتوترات بين خالد المشري وحكومة الوحدة الوطنية، التي تدعم تكالة لفرض أمر واقع على مجلس النواب وتعطيل تشكيل حكومة جديدة.
- استمرار أزمة المجلس يعطل العملية السياسية في ليبيا، ويتوقع أن تلعب البعثة الأممية دورًا حاسمًا في حل الأزمة عبر حوار مباشر بين الأطراف المعنية.
انتهت جلسة عقدها قرابة نصف أعضاء المجلس الأعلى للدولة الليبي، أمس الثلاثاء، بإعادة انتخاب محمد تكالة رئيسا للمجلس، وسط اعتراض النصف الآخر من أعضاء المجلس، من بينهم خالد المشري، على الجلسة ونتائجها. وفاز تكالة بمنصب الرئيس بأصوات 55 عضوا من أصل 73 عضوا شاركوا بالجلسة، فيما حصلت نعيمة الحامي على 8 أصوات، وإدريس بوفايد على 5 أصوات، بالإضافة لورقتين بيضاوين وامتناع عضو عن التصويت، فيما اختير مسعود عبيد نائبا أول لرئيس المجلس، وموسى فرج نائبا ثانيا.
واستندت جلسة الأمس لإعادة انتخاب رئيس المجلس إلى حكم قضائي لمحكمة جنوب طرابلس، منتصف الأسبوع الماضي، حول رفض طعن تقدم به المشري في إجراءات تكالة بشأن إعادة انتخابات المجلس لحسم الخلاف القائم منذ أشهر حول نتائج جلسة انتخابات الرئيس التي جرت في مطلع أغسطس/ آب الماضي.
وانتهت انتخابات أغسطس الماضي بفوز المشري بـ69 صوتا مقابل فوز تكالة بـ68 صوتا، إلا أن تكالة طالب بجولة ثالثة واحتساب ورقة احد المصوتين له، التي أسقطتها لجنة العد من احتساب الأصوات بسبب وجود كتابة عليها تجعلها تدخل في وصف التمييز، فيما رفض المشري إعادة التصويت متمسكا بعدم قانونية الورقة الجدلية وصحة انتخابه رئيسا للمجلس، ما أدخل قضية الخلاف إلى ساحة المحاكم والقضاء.
تكالة: الانتخابات صحيحة وعلى الأعضاء الالتحاق بجلسات المجلس
وردا على الاعتراضات التي أبداها عدد من أعضاء المجلس المتغيبين عن الجلسة حول عدم قانونيتها، قال تكالة، في كلمة موجزة بعد فوزه بالأمس، "لقد قمنا بعملية انتخابية صحيحة بمشاركة 72 عضوا قبل التحاق عضو آخر بالجلسة، فصار عدد المشاركين 73 عضوا من أصل 140 عضوا صحيحي العضوية، ما يعني أكثر من نصف أعضاء المجلس"، داعيا الأعضاء المتغيبين إلى اللحاق بالجلسات المقبلة "لاستئناف أعمال المجلس والإيفاء بالاستحقاقات الوطنية المناطة به على أكمل وجه".
بالمقابل، أعلن المشري رفضه لنتائج جلسة الأمس، وتمسكه بحقه في رئاسة المجلس وفقا لنتائج جلسة الانتخابات مطلع أغسطس/ آب الماضي، وذكر بأن الجلسة انعقدت بالمخالفة للنظام الداخلي للمجلس. وفيما كرر المشري، في تصريح لتلفزيون محلي ليل البارحة، وصفه لتكالة بأنه "منتحل للصفة ومغتصب للسلطة"، اعتبر أنها جلسة هدفها "فرض أمر واقع"، مشيرا إلى وجود قوة أمنية تابعة لحكومة الوحدة الوطنية كانت تحمي انعقاد الجلسة، مقارنة باقتحام قوة أمنية تابعة للحكومة لجلسات سابقة عقدها برئاسته لمنعه من ممارسة مهامه.
وأبدى عديد الأعضاء من أنصار المشري اعتراضهم على جلسة الأمس، ومنهم عادل كرموس الذي وصفها، في تصريحات سابقة لـ"العربي الجديد"، بأنها تمثل طيفًا سياسيًا واحدًا داخل المجلس من داعمي تكالة، وأفاد بأن البعثة الأممية في ليبيا أبلغت تكالة بضرورة أن تكون الجلسة بمشاركة كل أعضاء المجلس لتحقيق توافق أوسع.
الإشكال سياسي
وبشأن هذه التطورات، يرى المحلل السياسي أحمد أبوعرقوب خلال حديث مع "العربي الجديد"، أن تصريح تكالة بشأن قانونية جلسة الأمس "لا يقفل باب الجدل"، ويضيف: "علاوة على أن المشاركين في الجلسة هم من طيف سياسي واحد، فقد لوحظ مشاركة عضو بالمجلس عن مدينة غدامس بالجلسة، رغم أنه لا يعد من الأعضاء صحيحي العضوية بشهادة اللجنة القانونية بالمجلس"، مؤكدا وجود الكثير من الملابسات القانونية التي شابت جلسة الأمس، مثل أن قضية الخلاف حول نتائج انتخابات أغسطس الماضي لا تزال أمام القضاء ولم يحسم فيها.
ورغم ذلك يؤكد أبو عرقوب أن الإشكال القائم بمجلس الدولة ليس قانونيا بقدر ما هو سياسي، موضحا أن الأسباب تتصل بخلفيات العلاقة بين المشري وحكومة الوحدة الوطنية في طرابلس "بسبب تبنى المشري لرؤية سياسية تقوم على ضرورة تنفيذ قوانين لجنة 6+6 وعلى رأسها تشكيل حكومة جديدة، وهو ما يتعارض مع الهدف السياسي للحكومة في طرابلس وهو البقاء في السلطة".
ويضيف: "لهذا السبب تدعم الحكومة في طرابلس تكالة رغم صحة رئاسة المشري للمجلس في انتخابات أغسطس الماضي استنادا للوائح المجلس الداخلية، وللحكومة في دعم تكالة ضد المشري هدفان، لفرض أمر واقع على مجلس النواب لإجباره على التعامل مع تكالة لتتمكن الحكومة عبره من تعطيل تمرير أي مقترحات سياسية تستهدف تشكيل حكومة جديدة، ولضمان تعطيل مجلس الدولة وبالتالي الإبقاء على حالة الجمود الحالية بتعطيل اتفاق الصخيرات الذي يتطلب توافق مجلسي النواب والدولة".
وعن تأثير استمرار أزمة مجلس الدولة وتداعياتها، يعتبر أبو عرقوب أن مجلس الدولة "معطل الآن، وهو وضع انعكس أيضا على مجلس النواب الذي نشاهد أنه أصابه الفتور وعدم القدرة على التحرك في العملية السياسية بشكل منفرد، لأن اتفاق الصخيرات المنظم للعملية السياسية ينص على أن مجلس الدولة شريك أساسي في العمل السياسي".
ويرجح ألا يقبل مجلس النواب بتكالة رئيسا لمجلس الدولة، مستندا في ذلك إلى إعلان سابق للمجلس بشأن اعترافه بالمشري رئيسا للمجلس، ويشير إلى ضرورة أن تضطلع البعثة الأممية بدورها لحل أزمة مجلس الدولة "باعتبارها الراعي لاتفاق الصخيرات الذي يعد مجلس الدولة من بين أهم مخرجاته، واستمرار أزمة المجلس ستعطل العملية السياسية وتزيد حالة جمودها".
وتابع أبو عرقوب حديثه: "البعثة الأممية أهملت أزمة مجلس الدولة حتى وصلت إلى هذا المستوى من الانقسام، وكان عليها التدخل منذ البداية للحافظ على استمرار عمل أركان العملية السياسية، وعليها أن ترعى الآن حوارا مباشرا بين تكالة والمشري لحل هذه الأزمة".
في المقابل، يرى الكاتب والصحافي عبد الله الكبير خلال حديث مع "العربي الجديد"، أن جلسة مجلس الدولة بالأمس، خطوة في طريق حسم الأزمة، خاصة وأنها استندت إلى حكم قضائي رفض قبول طعن المشري في إعادة انتخاب رئيس المجلس في سعي المجلس. وبصرف النظر عن انتماءات المشاركين في جلسة الأمس، فإن "الجلسة وفرت النصاب القانوني، وهذا المهم، وهو جانب أضعف موقف المشري في الجانبين القانوني والسياسي"، بحسب الكبير.
ويضيف: "تكالة مدعوم من الحكومة في طرابلس وأغلب الأطراف العسكرية والسياسية أيضا ما جعل موقفه أقوى من المشري الذي لم يعد يملك دعما سياسيا في غرب البلاد، بل سيزداد المشري ضعفا وعزلة بثبوت صحة جلسة الأمس ما سيجعل أكثر الأعضاء المتغيبين يلتحقون بالمجلس"، وعن مستقبل العملية السياسية يرى الكبير أن مجلس النواب والمجتمع الدولي سيقبل بشراكة تكالة بسبب قوة مؤيديه سياسيا وعسكريا ما يجعله الأكثر دعما لتمثيل غرب البلاد في أي عملية سياسية.