الحكومة الإسرائيلية الجديدة: استيطان وهيمنة الحريديم

19 مايو 2020
نجح نتنياهو في التخلص من عبء بينت(مناحيم كهانا/فرانس برس)
+ الخط -


لا حاجة لبذل جهد كبير لمعرفة واستشراف سياسات حكومة بنيامين نتنياهو الجديدة، بعد أن كرر نتنياهو أول من أمس القول إنه "آن الأوان لتطبيق القانون الإسرائيلي على الضفة الغربية"، وإن مئات آلاف المستوطنين سيبقون في مواقعهم في كل تسوية سلمية. يكفي هذا التصريح لإدراك الاتجاه الذي يسير به نتنياهو، وإن كان ليس واضحاً ما إذا كان سيبدأ إجراءات تشريع قانون الضم مباشرة في الأول من يوليو/تموز المقبل وفق الاتفاق الائتلافي مع الجنرال بني غانتس، أم سيذهب نحو خطوات ضم زاحف وعيني، على مدار سنوات الحكومة المقررة، بموازاة "انتظار" موافقة فلسطينية للدخول في مفاوضات معه، تبعاً لما نصت عليه خطة دونالد ترامب -نتنياهو.

ومع أن الاتفاق الائتلافي ينص على أن الحكومة ستعمل على مدار أربع سنوات في مجال مكافحة جائحة كورونا وتبعاتها وتداعياتها في مختلف المجالات، إلى جانب "الحفاظ على أمن إسرائيل ومواجهة الأخطار البعيدة والقريبة"، إلا أنه لا توجد في الواقع ضمانات لأن ينفذ نتنياهو اتفاق التناوب مع الجنرال غانتس.

ومع أن الحكومة وُصفت بأنها حكومة طوارئ وطنية تقوم على مبدأ الندية بين حزب "الليكود" ومعسكره وبين حزب "كاحول لفان" بقيادة الجنرال غانتس، ومنح الأخير لقب رئيس حكومة بديلاً، إلا أنه يمكن القول إن مركز الثقل في اتخاذ القرارات سيبقى لدى نتنياهو وحلفائه في أحزاب الحريديم، لا سيما أريه درعي ويعقوف ليتسمان.
فقد حصل حزبا "شاس" و"يهدوت هتوراة" على 8 حقائب وزارية بالغة الأهمية تمكّنهما من التحكّم بحياة الإسرائيليين في مجالات مختلفة، أهمها مجالات الدين والدولة وتجنيد الحريديم، وهي مجالات يحصل نتنياهو مقابلها على ولاء أعمى في الحكومة وتسيير أمورها، ومواصلة الحرب على الجهاز القضائي ومكانة المحكمة الإسرائيلية العليا وتضييق الحريات (خصوصاً أن الاثنين متورطان بدوريهما في ملفات فساد وتحقيقات ضدهما)، ومن ضمن ذلك الموضوع الأهم، طبعاً بعد ضمان بقاء نتنياهو في الحكم، وهو موضوع ضم غور الأردن وفرض القانون الإسرائيلي على المستوطنات الإسرائيلية كافة في الضفة الغربية بما فيها المستوطنات المنعزلة والنائية.


وسيكون بمقدور نتنياهو تحريك هذين الحزبين، إذا أراد، لافتعال أزمة على خلفية قضايا داخلية تتصل بالدين والدولة، أو قضية تجنيد الحريديم، للإمعان في إضعاف شريكه غانتس، وإبقائه معلقاً بحبال نتنياهو، وعدم تعريض مستقبل الحكومة للخطر، بل تمديدها وصولا إلى 17 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، وهو الموعد الرسمي للتناوب بين غانتس ونتنياهو، أو في حال قرر نقض اتفاق التناوب من دون أن يتحمّل وزر ذلك أمام الرأي العام.

في المقابل، فإن نتنياهو سيستخدم وجود غانتس ووزير الخارجية غابي أشكنازي في الحكومة، كورقة توت، أو ربما إن صح القول درعاً لتبرير وتبييض سياسات الضم، خصوصاً بعد أن أعلن الاثنان عن تبنّي خطة ترامب (صفقة القرن) والقبول بمشروع ضم أحادي الجانب، حتى لو تم توصيف ذلك وتغليفه بتعبير "بعد التنسيق مع الإدارة الأميركية". وسيستخدم نتنياهو ورقة غانتس وأشكنازي، باعتبارهما الوجه "الوسطي" المعتدل للحكومة، الذي ينطلق من المصالح الأمنية لإسرائيل في مسألة الضم، وليس من منطلقات أيديولوجية فكرية متطرفة، بشكل مناقض تماماً لاستخدامه وجه "البيت اليهودي" (لاحقاً يمينا) وأفيغدور ليبرمان، خلال فترة ولاية الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما لتبرير عدم التقدّم في المفاوضات مع الفلسطينيين بفعل المعارضة الداخلية، التي مثّلها كل من نفتالي بينت وليبرمان. وهذا ما يفسر عملياً، عدا عن الكراهية الشخصية التي يحملها نتنياهو لبينت وليبرمان، سبب إبعاده حزب "يمينا" من الحكومة، حتى يكون بمقدوره تغليف قرار الضم بالأسس الأمنية بعيداً عن "الأصول الدينية المسيحانية" لنفتالي بينت وأنصاره.

في المقابل، وبموازاة ذلك، سيكون بمقدور نتنياهو تبرير ضم زاحف غير مجاهر به، وغير كامل باستخدام "صورة الوسطية" التي سيكون على الجنرال أشكنازي، وزير الخارجية الجديدة، توظيفها في محاولة لتخفيف ردود الفعل الدولية والعربية. وكان أشكنازي قد بدأ ذلك مع مراسم تسلمه منصبه أمس، عندما زعم أنه "تماما مثل القوة العسكرية، فإن السلام أيضاً مع جاراتنا هو ذخر استراتيجي وعلينا المحافظة عليه، إنني أولي أهمية كبيرة لتعزيز العلاقات الاستراتيجية مع مصر والأردن، فهي أهم الدول الحليفة في مواجهة التحديات في المنطقة".

هذه هي الفائدة الأهم، لتحالف نتنياهو مع غانتس، والتي تأتي بعد ضمان تشكيل الحكومة وبقائه في الحكم، فهي تعفيه من "صخب" تصريحات نفتالي بينت وأنصاره والتهديد المستمر بالانسحاب من الحكومة، كما توفر له درعاً وجسراً مع الدول العربية وفي مقدمتها الأردن والسلطة الفلسطينية لمحاولة ضبط ردود فعلهما وتخفيف حدة المعارضة، خصوصاً إذا اتجه نحو عدم فرض الضم بشكل كامل في المرحلة الأولى من حكومته، وهو ما سيمكّن غانتس وأشكنازي من عرض ذلك كإنجاز لهما، ومواصلة زرع الوهم "بالفوائد" التي تحملها خطة ترامب.