تدشن أطراف مفاوضات فيينا الرامية إلى إحياء الاتفاق النووي المترنح، اليوم الاثنين، جولتها الثامنة، وسط حالة ترقب شديد لمخرجات هذه الجولة التي تنعقد تحت ضغط تصاعد التحذيرات الأميركية من أن "الوقت بات ينفد"، مع الحديث عن مهلة حتى نهاية يناير/كانون الثاني أو مطلع فبراير/شباط للوصول إلى نتيجة، فضلاً عن تبادل رسائل عسكرية تحذيرية بين إيران وإسرائيل.
ومن المقرّر أن تنعقد اللجنة المشتركة لأطراف الاتفاق النووي، وهي تضم إيران والصين وروسيا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، برئاسة منسق المفاوضات أنريكي مورا، وهو نائب مفوض السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي.
ستّ جولات من مفاوضات فيينا انعقدت في عهد حكومة الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني، والجولة السابعة، التي انطلقت بعد 5 أشهر من انتهاء الجولة السادسة في 29 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، كانت الأولى في عهد الرئيس الإيراني الجديد المحافظ إبراهيم رئيسي، الذي تسلك حكومته توجهاً وتكتيكاً مختلفاً عن سلفها في المفاوضات، وهو ما ترجمته من خلال تقديم مسودتي مقترحات حول رفع العقوبات والمسائل النووية في مستهل الجولة السابعة، سجلتا تعديلات على ما توصل إليه المفاوضون خلال الجولات السابقة، وهو ما اعتبرته الأطراف الغربية "انقلاباً" على المسودات السابقة.
وبعد جزر ومدّ شهدته الجولة السابعة التي استمرت 14 يوماً، قبلت الأطراف الأميركية والأوروبية في نهاية المطاف بضم المقترحات الإيرانية إلى النصوص السابقة.
وانتهت هذه الجولة باتفاق أطراف المفاوضات على مسودة لتحديد الخلافات بشأن الخطوات النووية، وذلك لمناقشتها خلال هذه الجولة. لكن مسودة رفع العقوبات لم تكتمل بعد، ومن المقرّر أن يجرى التفاوض بشأنها لتحديد نقاط الخلاف أيضاً وحصرها في مسودة، ثم بدء النقاش بشأن هذه الخلافات.
وفي ختام الجولة السابعة من المفاوضات، تحدثت الأطراف عن إحراز "تقدم"، لكن الترويكا الأوروبية (فرنسا وبريطانيا وألمانيا) أكدت، في بيان، أن "التقدم التقني يقربنا فقط من النقطة التي توقفت عندها المفاوضات في يونيو/حزيران" الماضي.
إلى ذلك، قال وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، اليوم الاثنين، في المؤتمر الخامس للعلاقات الإيرانية الخارجية، إن مفاوضات اليوم في فيينا تنطلق على أساس "وثيقة مشتركة" بشأن المسائل النووية ورفع العقوبات، مشيراً إلى أن أطراف التفاوض خلال الجولة السابعة توصلت إلى هذه الوثيقة و"أبعدنا وثيقة يونيو 2020".
وأكد أمير عبد اللهيان، وفق التلفزيون الإيراني: "من أجندة المفاوضات الجارية رفع العقوبات، والتحقق من ذلك، والحصول على ضمانات" من الولايات المتحدة بعدم الخروج مرة أخرى من الاتفاق.
وشدد وزير الخارجية الإيراني على أنه "ينبغي أن تستفيد إيران من جميع الامتيازات الاقتصادية المنصوص عليها في الاتفاق النووي"، قائلاً: "يجب أن نتمكن من بيع النفط وإعادة عوائده نقداً".
لا مفاوضات مباشرة مع واشنطن ما دامت العقوبات مستمرّة
من جهته، قال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زادة، في مؤتمره الصحافي الأسبوعي اليوم الاثنين، إن بلاده "مستعدة للوصول إلى اتفاق جيد، ونذهب إلى فيينا للتوصل إلى النتيجة".
ودعا خطيب زادة الطرفين الأميركي والأوروبي إلى "العودة لفيينا بجدية وإرادة للوصول إلى اتفاق جيد"، قائلاً إن "الترويكا الأوروبية (فرنسا وبريطانيا وألمانيا) لم تظهر أي جدية وإرادة خلال الجولات السابقة".
واتهم المتحدث الإيراني "بعض الدول بارتكاب أخطاء في الحسابات"، من دون تسمية هذه الدول، قائلاً إنها "تسعى من خلال نشر أخبار كاذبة وإثارة ضجات إعلامية لتحصيل امتيازات خارج الاتفاق النووي".
وأضاف أن علاقات إيران مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية "إذا ما كانت في الإطار التقني ووفق مبدأ الحيادية، فلن تكون لدينا مشكلة في دخول المفتشين في إطار اتفاق الضمانات"، وهو اتفاق للمراقبة كجزء من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية.
وأكد خطيب زادة أن طهران لن تدخل مفاوضات مباشرة مع واشنطن ما دامت العقوبات مستمرّة، مشيراً إلى أن مورا يتبادل الرسائل بين الطرفين خلال مفاوضات فيينا.
طهران تتهم باريس بعرقلة مسار المفاوضات
وعشية انطلاق الجولة الجديدة من المفاوضات، نقلت وكالة "تسنيم" الإيرانية عن مصدر مقرب من فريق إيران التفاوضي قوله إنه "بعد الاتفاق حول القضايا الشكلية للمفاوضات خلال الجولة السابقة، من المقرّر أن يخوض المفاوضون في هذه الجولة في المضمون".
وأكد المصدر الإيراني المسؤول، الذي لم يكشف عن هويته، أن "إيران ملتزمة بالتوصل إلى اتفاق جيد في أقرب وقت ممكن، لكننا لن نرضخ لمهل مصطنعة. لا توجد حالة طارئة لنا".
وأضاف أن "التقدم الحاصل حول مسودة المواضيع النووية في الجولة السابقة يعكس جدية إيران، والتقدم في الجولة الجديدة يتوقف على توجهات الطرف الآخر"، متهماً فريق فرنسا المفاوض بعرقلة مسار المفاوضات، قائلاً إن "التقدم حصل في فيينا في غياب الوفد الفرنسي، لكن بمجرد عودته، شهدت المفاوضات بطئا".
وفي السياق، اتهم "مصدر مسؤول" إيراني، في حديث مع وكالة "إرنا" الإيرانية الرسمية، فرنسا بـ"لعب دور غير بناء" في المفاوضات.
كما قال وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، يوم الخميس الماضي، في مؤتمره الصحافي مع نظيره العراقي فؤاد حسين: "لا نرى توجهات بعض الدول الأوروبية، خاصة فرنسا، خلال المفاوضات، أنها بناءة، نتوقع من الطرف الفرنسي أن يلعب دوراً بناءً".
مهلة زمنية للمفاوضات
خلال الجولة السابعة، كانت الأطراف الغربية قد أمهلت إيران حتى نهاية ديسمبر/كانون الأول الجاري للوصول إلى نتيجة، لكنها رفضت هذه المهلة، حسب ما كشفت مصادر مطلعة لـ"العربي الجديد" حينها.
واليوم، تُستأنف المفاوضات على وقع مهلة جديدة، حيث أشار موقع "إكسيوس" الأميركي، الجمعة، إلى أن الإدارة الأميركية ستواصل المفاوضات فقط حتى نهاية يناير/كانون الثاني أو أوائل فبراير/شباط.
وفي السياق أيضاً، قال مندوب روسيا إلى المفاوضات ميخائيل أوليانوف، في تغريدة عبر "تويتر" في وقت سابق، إنه "علينا أن نصوّب على إنهاء ناجح وأسرع للمفاوضات حتى مطلع فبراير".
وسرعان ما علّق مراسل صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية لورنس نورمن على تغريدة أوليانوف قائلاً إن "روسيا انضمت إلى الجدول الزمني لإنهاء المفاوضات حتى نهاية شهر يناير أو أوائل فبراير".
Russia joins the end-Jan/early Feb Iran deal timeline. https://t.co/8dxzoidakq
— laurence norman (@laurnorman) December 24, 2021
غير أن المندوب الروسي عاد وغرّد قائلاً: "نعم هذا جدول زمني، لكن ليس مهلة. المهل المصطنعة مضرة. التقدم في المفاوضات يتوقف على عوامل عدة".
مناورات إيرانية
إلى ذلك، استبقت إيران استئناف مفاوضات فيينا في نسختها الثامنة بإطلاق مناورات ضخمة في الخليج ومضيق هرمز وثلاث محافظات إيرانية جنوبية، استمرّت خمسة أيام، وانتهت يوم الجمعة الماضي.
وأجرت قوات الحرس الثوري الإيراني في هذه المناورات، التي عنونت بمناورات "الرسول الأعظم 17"، تمرينات، من خلال إطلاق صواريخ باليستية تحاكي قصف مفاعل "ديمونا" الإسرائيلي، ومنشآت إسرائيلية حساسة أخرى.
وقال رئيس الهيئة العامة للقوات المسلحة الإيرانية الجنرال محمد باقري إن الهدف من هذه المناورات كان "الردّ على التهديدات الأخيرة للكيان الصهيوني".
وأضاف باقري، في تصريحات أوردها التلفزيون الإيراني، أن "المناورات كان قد خطط لها من قبل، لكن التهديدات الكثيرة والفارغة لمسؤولي الكيان الصهيوني في الأيام الأخيرة جعلتنا نجريها في هذا التوقيت".
ولفت إلى أن القوات الإيرانية أظهرت "جانباً من القدرات الصاروخية" في هذه المناورات، قائلاً إنها "أطلقت من مسارات ومواقع مختلفة 16 صاروخاً دقيقاً باتجاه هدف واحد وأصابته بدقة بالغة"، في إشارة غير مباشرة إلى مفاعل "ديمونا".
من جهته، قال القائد العام للحرس الثوري الإيراني الجنرال حسين إسلامي إن "مناورات الرسول الأعظم 17، وخاصة مرحلتها الأخيرة، تحمل رسائل واضحة وقوية"، مؤكداً أنها "تحذير جاد وحقيقي وميداني في مواجهة تهديدات مسؤولي الكيان الصهيوني".
الحوار مع السعودية
وفي سياق آخر، تحدث وزير الخارجية الإيراني عن المباحثات مع السعودية قائلاً إنه يجرى العمل راهناً على تحديد موعد لإطلاق الجولة الخامسة من هذه المباحثات التي تنعقد في بغداد.