الجزائر والتوتر مع المغرب: رهان على ضغوط سياسية واقتصادية

26 سبتمبر 2021
رفض لعمامرة أي وساطة في الأزمة (أود أندرسون/فرانس برس)
+ الخط -

تضع كل المؤشرات الراهنة، الأزمة الدبلوماسية بين الجزائر والمغرب في اتجاه مزيد من التعقيد والتصعيد السياسي، خصوصاً على ضوء قرار الجزائر الجديد القاضي بإغلاق المجال الجوي أمام الطائرات المغربية. لكن السؤال الذي يُطرح في الوقت الحالي، هو عن المدى الأقصى الذي يمكن أن تصل إليه الأزمة؟
في آخر تصريح له لقناة أميركية، وضع وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة سقفاً سياسياً للأزمة مع المغرب، بالتزام الجزائر "طريقة حضارية" في إدارة الأزمة. ووجّه رسالة طمأنة بحرص الجزائر على استبعاد أي حلول غير سياسية، أو ما وصفه "الوصول إلى وضع غير مرغوب فيه". ويقصد بهذا الوضع، الصدام المباشر بين البلدين. بل إن لعمامرة اعتبر أن إقدام الجزائر على قطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب، كان "طريقة حضارية لإنهاء وضع لا يمكن أن يستمر أكثر دون التسبب في ضرر، ويهدد بدفع البلدين إلى طريق غير مرغوب فيه".

بدأت الأزمة الدبلوماسية تتطور إلى مواجهة سياسية في المحافل الدولية

لكنّ تطوراً لاحقاً بإغلاق الجزائر أجواءها أمام جميع الطائرات المغربية، سبقه قرار بعدم تجديد اتفاق أنبوب الغاز العابر للمغرب (تنتهي آجاله في شهر أكتوبر/تشرين الأول المقبل)، دفع إلى التساؤل مجدداً عما إذا كانت الخيارات السياسية ما زالت مفتوحة على مزيد من القرارات التصعيدية، وعن مدى المواجهة السياسية المستمرة بين البلدين، خصوصاً بعد ثالث تدخل دبلوماسي مغربي يثير قضية استقلال منطقة القبائل شرقي الجزائر، ويتحدث عما يصفه "تقرير مصير الشعب القبائلي"، ما يعني أن الأزمة الدبلوماسية بدأت تتطور إلى مواجهة سياسية في المحافل الدولية من جهة، وغياب أي مؤشرات لحلها في وقت قريب. وزاد المخاوف تصريح يوم الجمعة الماضي لمسؤول ملف دول المغرب العربي في وزارة الخارجية الجزائرية عمار بلاني، الذي قال لـ"رويترز" إنه "من غير الممكن استبعاد اللجوء لإجراءات إضافية"، من دون أن يحدد طبيعة هذه الإجراءات.

ويترافق ذلك مع إصرار الجزائر على رفض راهن لأي وساطة في الأزمة مع المغرب. إذ وزعت الخارجية الجزائرية قبل نحو أسبوعين تصريحاً باسم لعمامرة، تضمن تأكيد رفض أي وساطة أو نقاش عربي عن الأزمة. كما نشرت الخارجية بيانين متتاليين ينفيان وجود أي وساطة إماراتية، ثم سعودية في الأزمة، خصوصاً بعد زيارة وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، إلى الجزائر، قبل نحو 10 أيام. هذا يعني أن الجزائر تعتبر أن الوقت لم يحن بعد لمناقشة حل الأزمة، وما زالت تفضل الخيارات السياسية والاقتصادية، وتراهن على مزيد من القرارات، خصوصاً ذات الطابع الاقتصادي للضغط على المغرب، كان آخرها إغلاق المجال الجوي أمام الطائرات المغربية المدنية والعسكرية، بقرار مجلس الأمن القومي، وما قد يتبع ذلك من وقف خط الربط الكهربائي عبر وجدة المغربية.

ويعتقد محللون جزائريون أنه وإضافة إلى مجموعة أسباب سياسية عديدة، فإن التطورات الأخيرة جاءت مباشرة بعد الكشف عن إبرام المغرب اتفاقيات تعاون مع الاحتلال الإسرائيلي في مجال التعاون العسكري لتصنيع طائرات من دون طيار، إضافة إلى بناء المغرب قاعدة عسكرية قرب الحدود الجزائرية، تعتقد الجزائر أنها موجهة للتنصت، وبإشراف خبراء أمنيين إسرائيليين. وهي عوامل مثيرة للقلق، خصوصاً إذا أضيفت إليها عوامل سباق التسلح الذي انتهجه البلدان في السنوات الأخيرة، لا سيما الجزائر، التي أعادت تجهيز قواتها العسكرية بترسانة متعددة من الأسلحة المتطورة، وضعتها في مصاف ثاني أقوى جيش في المنطقة العربية والأفريقية، وهو ما يطرح في السياق احتمالات المواجهة والصدام.

وعن ذلك، لفت الباحث السياسي المختص في القضايا الأمنية عمار سيغة، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى أن "المعلومات المتوفرة تؤكد أن الجزائر اتخذت مزيداً من الترتيبات في الناحية العسكرية الثالثة التي تشمل منطقة الحدود مع المغرب، بعد تعليمات من القيادة العليا للجيش الجزائري. ووضعت تلك الوحدات في حالة تأهب ويقظة قصوى. وهذا يعني أن الجزائر تضع في الاعتبار إمكانية الذهاب نحو تصعيد أمني، مع الاعتقاد أيضاً أن الحشد الظاهر على مستوى البلدين لا يعدو أن يكون جزءاً من حرب باردة، مع سعي كل طرف لفرض وجهة نظره، والمواجهة العسكرية لن تكون في المدى القريب". وأشار سيغة إلى أن احتمالات التصعيد الميدانية "قد تكون في المنطقة الغربية الجنوبية القريبة إلى منطقة تندوف والأراضي الصحراوية التي تسيطر عليها جبهة البوليساريو، ويمكن أن نتوقع تصعيداً للمواجهة بين المغرب وقوات جبهة البوليساريو، والأخيرة لن تتوانى الجزائر عن دعمها وتقديم المساعدة اللوجستية والعسكرية لها".

عمار سيغة: يمكن أن نتوقع تصعيداً للمواجهة بين المغرب وقوات البوليساريو

لكن ومع حالة التوجس والقلق والحرب الباردة القائمة بين الجزائر والمغرب، فإن هناك شبه إجماع على استبعاد فرضية الصدام الميداني، لاعتبارات سياسية خاصة من الجزائر التي لا تريد ذلك. ورأى الكاتب والمحلل السياسي، مدير شبكة "أخبار الوطن" رياض هويلي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "هناك محدداً رئيسياً لطبيعة إدارة الجزائر للأزمة مع المغرب ومجمل أزماتها مع الدول، وهو نهج الخيار السلمي، بمعنى استبعاد أي نوع من أنواع الصدام في التعامل مع الدول، وهذا مبدأ من مبادئها الثابتة". وأضاف: "أعتقد أن الجزائر أيضاً ستوظف كلّ الأوراق الضاغطة على النظام المغربي، السياسية والاقتصادية والدبلوماسية". وتابع: "يبقى من المحتمل أن يرتكب المغرب حماقة سياسية قد يكون مدفوعاً إليها من أي طرف، عندها لا يكون أمام الجزائر إلا الدفاع عن سيادتها، وهذه هي الحالة الوحيدة التي يمكن أن يحدث فيها صدام لا نتمناه، وليست المنطقة بحاجة إلى وضع كهذا".

المساهمون