استمع إلى الملخص
- التشابه والاختلاف في الرؤى الدولية: رغم التشابه كقوتين بارزتين، تختلف الصين والهند في مقاربتهما للنظام الدولي؛ حيث ترى الصين نفسها كقوة دافعة، بينما تعتبر الهند صعود الصين تهديدًا للاستقرار الإقليمي.
- التنافس على قيادة الجنوب العالمي: تسعى الصين والهند لقيادة الجنوب العالمي، مع تقديم الصين نفسها كقوة قائدة، بينما تضع الهند نفسها في موقع الزعامة من خلال استضافتها لقمة مجموعة العشرين.
توصلت الصين والهند أخيراً إلى توافق من ست نقاط عقب محادثات حول الحدود بين وزير الخارجية الصيني وانغ يي ومستشار الأمن القومي الهندي أجيت دوفال، في بكين، في وقت سابق من الشهر الحالي. واتفق الجانبان على الاستمرار في اتخاذ التدابير اللازمة للحفاظ على السلام والهدوء في المناطق الحدودية وتعزيز التنمية الصحية والمستقرة للعلاقات الثنائية. كما أكدا التزامهما بمواصلة السعي إلى حلّ عادل ومقبول للطرفين استناداً إلى المبادئ التوجيهية لحل النزاع الحدودي التي تمّ الاتفاق عليها للمرة الأولى في عام 2005. وكان العمل بهذه المبادئ قد توقف منذ اندلاع اشتباكات دامية على طول الحدود في جبال الهيمالايا قبل خمس سنوات.
أوجه تشابه بين الصين والهند
لكن بعيداً عن النزاع الحدودي، يتشابه البلدان في أوجه متعددة، لعل أبرزها أنهما أصحاب إرث حضاري متجذر في التاريخ، والقوتان الأبرز في دول الجنوب العالمي (البلدان النامية)، فضلاً عن اشتمالهما على قوة بشرية هائلة تتجاوز 1.4 مليار نسمة لكل دولة. أيضاً، تشكل الصين والهند جزءاً من التحول الجيوسياسي المتمثل في صعود الشرق وانحدار الغرب في المشهد الدولي الراهن. وهما أيضاً جزء من مجموعة بريكس (التي اشتق اسمها من الأعضاء المؤسسين: البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا)، والتي تسعى إلى إعادة تشكيل الحوكمة العالمية. ومع ذلك، هناك أيضاً اختلافات حادة في مقاربة كل دولة النظام الدولي ومسألة التعددية القطبية وقيادة الجنوب العالمي.
تنظر الهند إلى صعود الصين باعتباره قوة معطّلة للنظام الدولي وتهديداً للسلام والاستقرار الإقليميين
فالصين، على سبيل المثال، تعتبر نفسها القوة الدافعة الأكبر وراء النظام الدولي المتغير، وصاحبة الفضل في الحفاظ على السلام والاستقرار، خصوصاً في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. في المقابل، تنظر الهند إلى صعود الصين باعتباره قوة معطّلة للنظام الدولي وتهديداً للسلام والاستقرار الإقليميين، وهذا أمر غير مقبول بالنسبة لبكين، ويزيد من حدة التوتر بين الطرفين. بالإضافة إلى ذلك، تعتقد نيودلهي أن التحالف مع الولايات المتحدة يساعد على الحد من نفوذ بكين في المنطقة، وبالتالي إرساء أسس الاستقرار عن طريق تعزيز قوة الردع، في حين ترى بكين أن التدخل الأميركي في ملفات إقليمية ودعم واشنطن حلفاءها في المنطقة يؤديان إلى زعزعة الاستقرار وتحويل جنوب شرق آسيا إلى برميل بارود قابل للاشتعال في أي لحظة.
ويرى أستاذ الدراسات السياسية في جامعة صن يات سن الصينية وانغ جو، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن هناك تبايناً واضحاً في الرؤى بين الصين والهند في مسألة النظام الدولي، وإن كان الجانبان يتفقان، حسب قوله، على مبدأ التعددية القطبية. ويضيف أنّ كلا الطرفين أعرب عن رغبته في بناء عالم متعدد الأقطاب، ولكن نيودلهي وضعت اشتراطات مسبقة تتعلق بتطبيق هذا المبدأ على منطقة آسيا، بمعنى وضع حد للهيمنة الصينية، وقد سعت في سبيل ذلك إلى التحالف مع الولايات المتحدة لاعتقادها بأن الإلهاء والإرباك الأميركي للصين من شأنهما أن يعززا صعود نيودلهي قوةً منافسةً قادرةً على إزاحة بكين عن عرشها باعتبارها ركيزة إقليمية نافذة في المنطقة.
ويشير وانغ جو إلى أن الصين تتفق من حيث المبدأ مع الهند في مسألة التعددية في شرق آسيا، لكنها تعارض أن يُستخدم هذا الأمر غطاءً لمآرب أخرى مرتبطة بطموح نيودلهي. ولفت إلى أن بكين لا يمكن أن تتخلى عن حقها في استخدام ممرات الشحن في المحيط الهندي وحماية سلامة السفن التجارية الصينية، لاعتقادها أن الحديث عن تعددية آسيوية يستهدف في المقام الأول نفوذها من خلال الحد من تحركاتها في المنطقة وتعزيز التحالفات الدولية والإقليمية المعادية. أيضاً، تشترط الصين، وفق قوله، من جانبها، انسحاباً أميركياً من المنطقة، وهو أمر سوف ترفضه الهند بالضرورة، بحسب اعتقاده.
تنافس على الجنوب العالمي
على صعيد آخر، تقدّم الصين نفسها قوةً قائدة لدول الجنوب العالمي، وهي بطبيعة الحال واحدة من العديد من البلدان النامية التي طالبت بإنشاء نظام سياسي واقتصادي عالمي جديد. وبالتالي، فإن الصين والغالبية العظمى من بلدان الجنوب تشترك تاريخياً في صداقة ثورية مشتركة ضد "الإمبريالية" و"القوى الاستعمارية". ولكن في المقابل، تضع الهند نفسها في موقع زعامة الجنوب العالمي، حيث إنها استضافت قمة مجموعة العشرين في نيودلهي العام الماضي. وعقدت ثلاث قمم سنوية لصوت الجنوب العالمي، كان آخرها في أغسطس/آب الماضي، وهي القمة التي شهدت استبعاد الصين بشكل مقصود.
وانغ جو: بكين لا يمكن أن تتخلى عن حقها في استخدام ممرات الشحن في المحيط الهندي
ومعلّقاً على ذلك، يرى الخبير المختص في الشأن الآسيوي في معهد فودان للدراسات والأبحاث جينغ وي، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه بعيداً عن الخلافات والتباين في وجهات النظر، تستطيع الصين والهند تحسين التفاهم وبناء الثقة من خلال توضيح القضايا المتعلقة بالنظام الدولي والجنوب العالمي، إذ يُنظر إلى البلدين باعتبارهما من القوى المتنافسة على القيادة في المنطقة، نظراً إلى أجنداتهما المؤثرة عالمياً، لذلك يجب المضي قدماً في تجاوز الخلافات وتعزيز التعاون بما يخدم المصلحة المشتركة. ويلفت إلى أن أي محاولة لتهميش دور الصين في الجنوب العالمي، كما فعلت الهند أخيراً، محكوم عليها بالفشل. ويضيف: لكي تصبح الصين والهند ركيزتين أساسيتين في هذا العالم المضطرب، يتعين عليهما أن تدركا المسؤوليات التاريخية التي تتحملانها، وأن تنظرا إلى المصالح الثنائية ومصالح الجنوب العالمي من منظور طويل الأمد واستراتيجي.
وكانت وسائل إعلام صينية حكومية قد أكدت أن وضع الصين والهند في مواجهة بعضهما بعضاً يقوض المصلحة المشتركة للدول النامية. ولفتت إلى أن الجنوب العالمي ليس مثل مجموعة الدول السبع التي لديها هيكل تنظيمي صارم: إنه أكثر من تحالف فضفاض. لذلك، فإن التركيز المفرط، وفق رأيها، على المنافسة على القيادة، من شأنه أن يقسم هذا الهيكل ويضعف قدرته على التنافس من أجل صوت أقوى على الساحة العالمية. وشدّدت وسائل الإعلام الصينية على أن بكين لم تسع أبداً إلى التنافس على الزعامة داخل أي مجموعة من البلدان، ولا تطمح إلى الهيمنة أحادية القطب، وفي المقابل، لا ينبغي لبعض الأصوات في الهند أن تنظر إلى الصين باعتبارها منافساً على الزعامة.