البرهان... مناورة ومراوغة

04 ابريل 2023
يهم البرهان البقاء في السلطة ومواصلة المراوغة (أشرف شاذلي/فرانس برس)
+ الخط -

أنشأ نظام الرئيس السوداني المعزول عمر البشير، قبل سنوات، مليشيا "الدعم السريع"، تحت سمع وبصر قادة الجيش، فلم يعترض منهم إلا القليل. وفي عام 2017، أجاز البرلمان قانوناً خاصاً لـ"الدعم السريع"، ليقنن وجودها ويجعل منها قوات موازية للجيش، ولم ينطق واحد من قادة الجيش ببنت شفة.

بعد سقوط البشير، أصرت قيادة الجيش الجديدة على منح قوات "الدعم السريع" دوراً سياسياً حيث عيّن قائد هذه القوات محمد حمدان دقلو الذي وصل في غفلة من الزمن ومن الجيش لرتبة الفريق أول، نائباً لرئيس المجلس العسكري في إبريل/نيسان 2019، وسمح له بالتمدد السياسي واستقطاب زعماء القبائل ورجال الدين والناشطين السياسيين والأحزاب، وظهر للعالم في فترة من الفترات وكأنه الرجل الأول في الدولة وكل ذلك تحت سمع وبصر قادة الجيش.

بعد الشراكة بين المدنيين والعسكريين في 2019، وتشكيل مجلس السيادة الانتقالي، لم يكن هناك منصب دستوري باسم نائب رئيس مجلس السيادة، ولكن العسكريين في المجلس قاتلوا من أجل خلق منصب لدقلو نائباً لرئيس المجلس، وضد توجهات المدنيين في المجلس الذين ناهضوا الفكرة ووافقوا عليها كإجراء داخلي وليس دستورياً.

وتمدّد حميدتي مرة أخرى، وتمددت قوات "الدعم السريع" كما لم تتمدد من قبل، سياسياً ومالياً واقتصادياً وعسكرياً. وتشهد صفحات صحف الخرطوم لها بالإعلانات المستمرة لحاجتها إلى تجنيد ضباط أو جنود، وحينما يُسأل قائد الجيش الجنرال عبد الفتاح البرهان أو غيره، فإنه يؤكد تأكيداً قاطعاً أن "الدعم السريع" جزء من القوات المسلحة وتأتمر بأوامرها، ولم يتحدث البرهان ولا الفريق شمس الدين الكباشي (عضو مجلس السيادة) ولا أصغر ضابط عن ضرورة الدمج، ماذا حدث بعد ذلك؟ 

وقع انقلاب 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021، ودارت الخلافات والحرب الكلامية بين الطرفين، وتزامن ذلك مع اختراقات سياسية بالتوقيع على الاتفاق الإطاري السياسي بين العسكر والمدنيين تمهيداً لاتفاق نهائي، واحد من أهم بنوده الوصول إلى جيش وطني واحد بعد دمج كل الجيوش فيه.

العملية السياسية التي ربما كان يتعامل معها البرهان كنوع من المناورة وكسب الوقت، وصلت إلى نهايتها، وشعر بقرب مغادرته المسرح وانتقال السلطة للمدنيين، فلجأ إلى مكر جديد بربط توقيع الجيش على الاتفاق النهائي، بالاتفاق على جدول زمني لا تتعدى مدته سنتين لإكمال دمج "الدعم السريع" في الجيش وفق شروط الجيش.

هذا الموقف الجديد للجيش والذي لم يكن يجرؤ عليه أحد في يوم من الأيام، موقف صحيح، وإن جاء متأخراً جداً لكن "أن تأتي متأخراً خير من ألا تأتي". فقط كيف نتأكد أن البرهان اتخذ ولو مرة واحدة موقفاً بعيداً عن التكتيك والمناورة وكسب الوقت؟ فمن الواضح حتى الآن أنه وبقية قادة الجيش ليست لديهم رغبة حقيقية في دمج قوات "الدعم السريع" إنما أثاروا الموضوع كمحاولة للتهرب من تعهداتهم بمغادرة المشهد السياسي والعودة إلى الثكنات، وهم أول من يعلمون أن موضوع دمج "الدعم السريع" تكتنفه صعوبات حقيقية ولا يمكن أن يتم بأي حال من الأحوال في مدة سنتين يقترحها الجيش. كما يدركون صعوبة دمج كل تلك الأعداد واستحالة توفير أموال كافية لعمليات التسريح والإدماج في المجتمع.

والقول إن الجيش لن يوقع على الاتفاق النهائي إذا لم يتم توافق على الجداول الزمنية، يوضح تماماً عدم الرغبة في التوقيع، لأن 90 في المائة من نصوص الاتفاق النهائي هي نصوص سياسية محضة، ولا يمكن تعطيلها بسبب خلافات الانقلابيين.

والسؤال المنطقي للبرهان هنا، لو لم يوقع الجيش على الاتفاق النهائي واستمر في سيطرته على السلطة، فهل لديه رؤية وقدرة وإرادة لدمج "الدعم السريع"؟

إن الذي صمت على بناء المليشيات وتمويلها منذ 20 عاماً، لا أظن يهمه بقاؤها من عدمه بقدر ما يهمه بقاؤه في السلطة والاستمرار في المراوغة.

المساهمون