الانفلات الإسرائيلي والإدمان الأميركي على الكيل بمكيالين

22 يونيو 2023
توفير الغطاء الأميركي لاعتداءات إسرائيل ليس بجديد (عصام الريماوي/ الأناضول)
+ الخط -

قبل أيام صدر التقرير النصف سنوي عن "لجنة الاستقصاء" المكلفة من قبل مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، بالتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان وقوانين الحرب في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية. في خلاصته، ألقت اللجنة باللوم على الاحتلال الإسرائيلي، كما وجهت عدة انتقادات واتهامات لهذه الأخيرة وصوّبت على مغالطاتها مثل سعي جماعاتها لمساواة انتقاد إسرائيل بـ"معاداة السامية"، وكذلك على القوانين التي شرّعتها عدة ولايات أميركية بتأثير هذه الجماعات، ضد مقاطعة البضائع الإسرائيلية القادمة من المستوطنات.

كالعادة في حالات من هذا النوع حصل استنفار هبّت على أثره الإدارة الأميركية وشكلت تكتلا من 27 دولة "لإدانة اللجنة"، بزعم أنها "منحازة". وارتفعت أصوات النواطير الإسرائيلية في واشنطن مطالبة بوجوب تحرك إدارة جو بايدن "لحلّ هذه اللجنة" للخلاص من تقاريرها "غير المتوازنة". وهي خطوة كانت أكثرية مجلس الشيوخ (68) قد سبق ودعت إليها في مارس/ آذار الماضي، بعد أن عرفت باقتراب موعد صدور التقرير. المأخذ الأساسي لهذه الجهات أن اللجنة لم تأت في تقريرها على ذكر المدنيين الإسرائيليين الذين سقطوا "ضحية للعمليات الإرهابية"، حسب التسمية التي تروجها الماكينة الدعائية الإسرائيلية في واشنطن.

التعبير نفسه استخدمه المتحدث الرسمي في الخارجية، فيدنت باتيل، في افتتاح إحاطته الصحافية أمس حينما قال "ندين بقوة العملية الإرهابية التي وقعت أمس الثلاثاء ضد إسرائيليين قرب مستوطنة عيلي"، في إشارة إلى العملية التي نُفذت الثلاثاء قرب مستوطنة "عيلي"، وأسفرت عن مقتل أربعة مستوطنين. وكان يمكن أن تمر، وفق المفهوم الأميركي، لو وضعت الخارجية اعتداءات قوات الاحتلال الإسرائيلية والمستوطنين على مخيم جنين وجواره في الكفة ذاتها، خاصة أنه سقط فيها من الفلسطينيين أكثر من عملية "عيلي". وعندما جرى تذكيره بأن الثانية جاءت "كرد على الأولى"، تجاهل الوقائع مكتفيا بالقول إن الإدارة "تواصل اتصالاتها مع شركائنا الإسرائيليين ومع السلطة الفلسطينية للحث على خفض التصعيد". ما يقوم به "المستوطنون المتطرفون" (معظمهم كما يقال من حاملي الجنسية الأميركية) من عمليات عنف وتخريب ضد الفلسطينيين فهو فقط يثير "القلق العميق" لدى الإدارة التي قال إنها "تدينه". لكن لا مكان لهذا العنف في خانة "الإرهاب" المحجوزة للفلسطينيين في هذه المعادلة".

توفير الغطاء الأميركي لاعتداءات إسرائيل ليس بجديد. فهو سياسة قديمة موروثة لها جذورها المعروفة وقد مارستها كافة الإدارات بصورة أو بأخرى. لكن بعضها احتفظ بهامش ولو محدودا لممارسة نفوذ واشنطن على تل أبيب عند اللزوم. إدارة الرئيس الأميركي الراحل، ريتشارد نيكسون تصرفت بهذا الشكل وبعدها إدارة جيرالد فورد وقبلهما رونالد ريغان ودوايت أيزنهاور ومن دون أن تتأثر العلاقات العضوية بينهما رغم الاهتزازات الظرفية العابرة. بايدن ليس من هذا الرعيل. إدارته تعطي الوعود للفلسطينيين وتتوعد حكومة الاحتلال بزعامة بنيامين نتنياهو، لتنتهي إلى التراجع وتناقض نفسها بطريقة فاضحة. وحتى في قضايا بسيطة مثل الوعد بإعادة فتح القنصلية الأميركية في القدس الشرقية واعتراضاتها الأولية على توزير بعض المتطرفين في حكومة نتنياهو وبعدها التلويح بمنع إصدار تأشيرة دخول لوزير المالية بتسليل سموتريتش لزيارة واشنطن ثم العدول عن المنع؛ ناهيك بالتزامات بايدن المعلنة بشأن حل الدولتين واستبدالها بتركيز جهودها على توسيع التطبيع أو ما يعرف بـ"اتفاقات أبراهام"؟

وما يثير الاستغراب هو مدى الرخاوة في ردود إدارته على الانفلات الإسرائيلي الأخير والتوسع الاستيطاني. وإذا احتوت فبصورة مواربة وخجولة. حتى ولو كان الانفلات الإسرائيلي استفزازياً للإدارة نفسها. العدوان على مخيم جنين جرى بالتزامن مع وجود مساعدة وزير الخارجية بربارة ليف في إسرائيل والمنطقة. وهذه ليست المرة الأولى. نتنياهو يتقن لعبة استفزاز الرؤساء الأميركيين القابلين للاستفزاز. تحدّى بيل كلينتون ثم باراك أوباما والآن جو بايدن.

المساهمون