الاتحاد الأوروبي يصعّد الضغوطات على تونس لعودة النظام الديمقراطي

19 أكتوبر 2021
الاتحاد الأوروبي سيدعو الرئيس التونسي قيس سعيّد إلى "عودة عمل مجلس نواب الشعب" (Getty)
+ الخط -

يعقد البرلمان الأوروبي، عشية اليوم الثلاثاء، اجتماعاً يبحث فيه الوضع في تونس، وسيعرض البرلمان يوم الخميس القادم مشروع قانون بهذا الخصوص للتصويت.

وبحسب مشروع القرار الذي سيُناقش، فإن الاتحاد الأوروبي سيدعو الرئيس التونسي قيس سعيّد إلى "عودة عمل مجلس نواب الشعب وضمان دولة القانون".

وبرغم "إقرار الانقسام الكبير في النظام السياسي الحالي الذي يحول دون بروز أغلبية، فإن الاتحاد يدعو إلى أن تجرى كل مراجعة لهذا النظام وفق احترام النظام الدستوري، وأهمها مبدأ الفصل بين السلطات، وفي احترام كامل للحريات الأساسية وحقوق الإنسان".

ويشير مشروع القرار إلى "ضرورة الدعوة لحوار وطني شامل وحوار اجتماعي مع المنظمات والمجتمع المدني، والتشديد على دور الاتحاد العام التونسي للشغل". وسيدعو مشروع القرار الدول الأعضاء للانخراط في "العمل مع الشعب التونسي لتطوير الديمقراطية والتنمية الاقتصادية الدائمة والنمو الاجتماعي".

ويتزايد الضغط الأوروبي على تونس بشكل متصاعد منذ أسابيع، خصوصاً بعد القرارات التي اتخذها الرئيس قيس سعيّد يوم 22 سبتمبر أيلول/ الماضي، والتي جمع فيها كل السلطات بين يديه، وهو ما زاد من مخاوف شركاء تونس، وعلى رأسهم الاتحاد الأوروبي.

مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل قال، أمس الاثنين، إنه أجرى محادثة مع الرئيس سعيّد بشأن الأوضاع السياسية في البلاد، وأوضح بوريل أنه تحدث مع قيس سعيّد بشأن أهمية فصل السلطات.

وأضاف أنه أخبر سعيّد بأن تعيين رئيسة للحكومة لا يعني تجاهل العودة إلى السلطات الدستورية في تونس. جاء ذلك على هامش اجتماع وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي في لوكسمبورغ.

ويشدد المسؤولون الأوروبيون على أهمية وضع جدول زمني محدد للعودة إلى النظام الدستوري في تونس، يقوم على الفصل بين السلطات واحترام سيادة القانون والديمقراطية البرلمانية وحماية الحريات الأساسية، وعلى أن يكون تشكيل الحكومة الجديدة خطوة أولى مهمة نحو الحفاظ على المكتسبات الديمقراطية.

وقال بوريل إن الاتحاد الأوروبي سيحدد أفضل السبل لدعم الديمقراطية والاستقرار والازدهار في تونس، على أساس إجراءات وتدابير ملموسة تتخذها السلطات التونسية.

يذكر أن مجلس الشؤون الخارجية للاتحاد الاوروبي كان قد أعلن أن وزراء خارجية دول الاتحاد ناقشوا، أمس الاثنين، الوضع في تونس على ضوء التطورات الأخيرة، وشددوا على أهمية الحفاظ على المكسب الديمقراطي وعلى أهمية الحفاظ على الفصل بين السلطات وإعادة السير الطبيعي للمؤسسات.

وتأتي هذه الاجتماعات الأوروبية المتتالية حول تونس بحكم التطورات التي شهدها البلد في الأسابيع الأخيرة، بعد فترة ترقب أوروبية تلت زيارة بوريل لتونس ولقائه سعيد في قصر قرطاج بداية الشهر الماضي.

تأثير الموقف الأوروبي على تونس

ويمثل الموقف الأوروبي ثقلاً كبيراً على الأوضاع في تونس، خصوصا على المستوى الاقتصادي، حيث تعود بداية العلاقات الاقتصادية مع الاتحاد الأوروبي إلى سنة 1969، تاريخ إبرام تونس أول اتفاق تجاري مع المجموعة الاقتصادية الأوروبية، لحقه اتفاق تعاون آخر سنة 1976، وفي سنة 2012، تقرر إرساء الشراكة المميزة بين الاتحاد الأوروبي وتونس.

ومنذ سنة 2017، التزم الاتحاد الأوروبي بمنح تونس هبة سنوية بقيمة 300 مليون يورو، ويستأثر الاتحاد بنصف المعاملات التجارية التونسية.

ويرى المحلل السياسي قاسم الغربي أن "تداعيات تدهور العلاقة مع الاتحاد الأوروبي ستكون وخيمة وسلبية أكثر من تراجعها مع الولايات المتحدة الأميركية، لأن الاتحاد الأوروبي هو الشريك الاقتصادي والسياسي الأول لتونس".

واعتبر الغربي في تصريح لـ"العربي الجديد" أن "تونس تتجه إلى تعمق الأزمة السياسية والاقتصادية"، معتبراً أن " تونس ليس أمامها من خيار سوى التفاعل مع شركائها، وخصوصاً ما يتعلق بمسألة عودة البرلمان، والعقل والحكمة يحتمان البحث عن صيغة لعودة مؤقتة للبرلمان على مساوئه، وباتفاق ما حول شكل هذه العودة وشروطها ومهامها ومدتها، ولكن ينبغي أن نتوصل إلى هذه الصيغة، وإلا فنحن متجهون إلى أزمة لا حد لها، لأن تونس غير قادرة على الصمود في ظل غياب مقدرات وثروات، بل نحن الآن نبحث عن معاشات الموظفين شهري نوفمبر/تشرين الثاني وديسمبر/كانون الأول القادمين".

تونس ليس أمامها من  خيار سوى التفاعل مع شركائها،  خصوصاً ما يتعلق بمسألة عودة البرلمان

وقال الغربي إن "هناك وثيقة تشير إلى أن وزارة الدفاع الأميركية طلبت من وزارة الخارجية الأميركية أن تقدم لها تقريراً حول مدى مشاركة الجيش التونسي في عملية 25 يوليو/تموز، وإذا ثبت ذلك، فستكون له انعكاسات كبيرة على العلاقات مع الولايات المتحدة الأميركية".

وفي جانب آخر، أعلنت سفارة ألمانيا في تونس، مساء أمس الاثنين، أن وزير الدولة للشؤون الخارجية نيلس أنين يؤدي زيارة رسمية إلى تونس بداية من اليوم الثلاثاء.

وبدأ المسؤول الألماني زيارته بلقاء الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي، وبحسب ما أورده موقع "الشعب نيوز" التابع للاتحاد، فإن اللقاء تواصل ساعة كاملة، وناقش الوضع في تونس والتأكيد على دعم ألمانيا التجربة الديمقراطية التونسية، التي دعمتها الحكومة الألمانية والبرلمان الألماني، وتم تخصيص الكثير من الهبات والمساعدات لتونس.

وعبر وزير الدولة للشؤون الخارجية عن استعداد ألمانيا لتواصل هذه التجربة الديمقراطية التونسية.

وبعد ذلك، التقى نظيره التونسي عثمان الجرندي، وعبر عن" تطلع ألمانيا إلى أن تمضي تونس قدماً في مسار تكريس الديمقراطية ودولة القانون والمؤسسات، بما يساعد على تثبيت الاستقرار وتحقيق مطالب الشعب التونسي في التنمية والعدالة الاجتماعية".

من جانبه، أعرب الجرندي عن "الأمل في أن تواصل ألمانيا مساندتها لتونس على المستويين الثّنائي ومتعدّد الأطراف في هذا الظرف الدقيق الذي تمرّ به بلادنا، وأن يستمرّ الحوار بين الجانبين لبحث السبل الكفيلة بمزيد توطيد التّعاون بين البلدين وتنويعه".

وكان هذا اللقاء فرصة "لتبادل وجهات النظر حول أهم القضايا الإقليمية والدولية، لاسيما المستقبل السياسي في ليبيا بمناسبة انعقاد مؤتمر "استقرار ليبيا" والتعاون التونسي الألماني في مجلس الأمن الدولي، وفي هذا الإطار نوّه المسؤول الألماني بدعم تونس لمبادرة "التحالف من أجل الدبلوماسية متعددة الأطراف".

وضع غامض

ويعلق الوزير الأسبق محسن حسن بأن "تداعيات تدهور العلاقة مع الاتحاد الأوروبي كبيرة، لأن الاقتصاد التونسي مرتبط ارتباطاً عضوياً مع دول الاتحاد، وللتدليل على ذلك، فإن ارتفاع النمو بنقطة في الاتحاد ينعكس بحوالي 0,7 نقطة نمواً على تونس، وهو الشريك الاقتصادي الأول لتونس من حيث الصادرات والواردات، والميزان التجاري التونسي مع الاتحاد إيجابي لصالح تونس".

ويستدرك حسن خلال تصريحات لـ"العربي الجديد": "لكن ما حدث في تونس منذ 25 يوليو ثم في 22 سبتمبر أثار حفيظة العديد من شركائها، سواء كان الاتحاد الأوروبي أو الولايات المتحدة أو المؤسسات المالية الدولية، لأن الوضع في البلاد أصبح غامضاً، وأمام حالة غياب اليقين السياسي وعدم وضوح الرؤيا، فلن يقبل أي من هؤلاء أن يمول تونس أو يقرضها أو يستثمر فيها، وسيحصل تراجع في هذه العلاقات مع هؤلاء الشركاء الذين ينظرون إلى المناخ العام على مستوى المعايير الاقتصادية المتوفرة".

ما حدث في تونس منذ 25 يوليو ثم في 22 سبتمبر أثار حفيظة العديد من شركاء تونس

واعتبر أن "شركاء تونس متخوفون على مصالحهم الاقتصادية فيها، ومعاييرهم السياسية في ذلك واضحة، وقد عبروا عن قلقهم من تجميد البرلمان وإلغاء العمل بالدستور وتجميع السلطة بين يدي الرئيس، وفي رأيي هناك تخوف بالأساس على مصالحهم الاقتصادية المهمة في تونس قبل أي شيء آخر".

وأشار حسن إلى أن "تدهور العلاقات مع أوروبا أو مع غيرها من الشركاء ستكون له انعكاسات خطيرة على عزلة تونس، وهذا خطير جداً، لأن اقتصاد تونس تاريخياً هو اقتصاد منفتح، وهو من أكثر الاقتصادات العربية انفتاحاً، وستكون مهمة تعبئة الموارد الخارجية صعبة للغاية، ولن تتمكن تونس من الحصول على تمويلات من هؤلاء الشركاء".

 

المساهمون