الأرض لا تغير اسمها.. تجربة جزائرية لفلسطين

31 مارس 2021
القضية الفلسطينية في صلب اهتمام الشعب الجزائري (فرانس برس)
+ الخط -

كانت تسمّى فلسطين وستبقى تسمّى فلسطين إلى أبد الآبدين. الأرض لا تغيّر اسمها مهما طال الزمن وتغيرت الجغرافيا والديمغرافيا، مهما امّحت قرى وأنشئت مدن وتغيرت التسميات في الخريطة قسراً. تلك حتمية التاريخ التي تثبتها الحكاية الجزائرية بكل تفاصيلها، تجربة قاسية لكنها مثمرة، ويجب أن يقرأها الفلسطينيون كلما شعروا بالحاجة إلى ضخ كل الأمل في العودة وكسر سردية الهيمنة الأبدية للكيان المحتل.

قرن ونيف، أي 132 عاماً، هو الزمن الذي قضاه الاستعمار الفرنسي في الجزائر. لم تكن فرنسا في نزهة، بل كان احتلالاً استيطانياً حاملاً أبعاداً دينية، إذ عمّدته الكنيسة منذ دخول أولى الجيوش الفرنسية إلى الجزائر. وخلال هذه الفترة الطويلة، عمدت فرنسا إلى إبادة الإنسان والهوية وتغيير ملامح الأرض وصناعة واقع اجتماعي وسياسي واقتصادي جديد. وفي عام 1930 نظم الفرنسيون احتفالات صاخبة في الجزائر وقرعت أجراس الكنائس، ليس احتفاء بمرور مئوية على الوجود الفرنسي في الجزائر فحسب، بل "اعلاناً لأبدية الوجود الفرنسي في الجزائر". هل صمد ذلك كله أمام حتمية التاريخ ومقاومة الجزائريين؟

أبداً لم يصمد بل انهار في خضمّ ثورات ومقاومات متتالية، كان أكبرها ثورة الاستقلال المظفرة (1654 ـ 1962)، ومثلما جاء كسارق للأرض غادر الاستعمار ذليلاً. وحتى الآن ما زال الكثير من الفرنسيين لا يصدقون بأن الجزائريين استرجعوا الأرض والعرض والبلد والهوية، وما زالت المعركة مستمرة ضد مخلفات الاستعمار في مناحيها المتعددة.

بعد الاستقلال، ظلت فرنسا تبحث عن طرق لدفن جرائمها الدامية ودفع عمليات الإبادة في حق الجزائريين إلى مجاهل النسيان. وكان رهانها الأساس في ذلك على عامل الوقت الكفيل بإنهاء جيل المجاهدين والثوار، ثم يصبح الأمر مجرد قصص من الماضي. لكن في عام 2012 اعتبر وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير في مدينة تيبازة الجزائرية، أن مشكلات الذاكرة بين الجزائر وفرنسا ستنتهي عندما يموت جيل المجاهدين، لكن السياسي الجزائري أبو جرة سلطاني رد عليه بوضوح قائلاً إن "محمد يلد محمدا وكوشنير يلد كوشنير".

ويقصد سلطاني أن الأجيال الجزائرية التي حفرت في ذهنها كل مشاهد القهر والتسلط والظلم والتجهيل والطغيان الاستعماري، ستبقى حيّة. وهو ما أظهرته مطالب الاعتراف والاعتذار والتعويض عن جرائم الاستعمار الموجهة الآن إلى فرنسا، والتي تعاظمت أكثر من أي وقت مضى. وبات محكوماً آجلاً أم عاجلاً على الدولة الفرنسية دفع الحساب، وهذا مكتوب في النشيد الرسمي الجزائري "يا فرنسا إن ذا يوم الحساب".

في يوم الأرض في فلسطين، ومهما مرّ من عمر النكبة والشتات، تصبح تجربة التحرير الجزائرية بكل تفاصيلها أكبر درس يجب على الفلسطينيين التمثل به، لاستعادة الأمل في تحرير الأرض والإنسان، بعد إحباط وخيبات مؤلمة وعقود من الاحتلال الذي يعتاش على التواطؤ العربي والخذلان الأممي. لكن الفصل الأكثر أهمية في الدرس الجزائري بالنسبة للفلسطينيين، هو الاتكال على النفس وتحرير الإرادة والقرار الوطني، والعودة إلى سبيل المقاومة. لا التطبيع سينجح ولا السلام ممكن مع دولة تقوم على الدم.