اغتيال رئيس هايتي عشية استحقاقات انتخابية

08 يوليو 2021
قُتل مويز وأُصيبت زوجته بجروح (فرانس برس)
+ الخط -

اغتال مسلّحون، فجر أمس الأربعاء، رئيس هايتي جوفينيل مويز في منزله، في العاصمة بورت أو برنس، في توتر جديد في البلاد التي تشهد أزمات سياسية واقتصادية وإنسانية متلاحقة، أججها تفشي وباء كورونا. ويُشكّل الحدث تحوّلاً مفصلياً قبل نحو ثلاثة أشهر على استحقاق 26 سبتمبر/أيلول المقبل، الموعد المنتظر لثلاثية انتخابية: إجراء الاستفتاء على الدستور، إجراء الانتخابات الرئاسية، وإجراء الانتخابات التشريعية. ويتوّج الاغتيال أسابيع طويلة من العنف في هايتي، تخللتها توترات أمنية عدة، بدأت من الإعلان عن محاولة اغتيال مويز في 7 فبراير/شباط الماضي، مروراً بحروب العصابات التي تدور رحاها في العاصمة. صباح أمس، أعلن رئيس وزراء هايتي كلود جوزيف أن "مجموعة مسلحة تضم عناصر أجانب مجهولين يتحدثون الإنكليزية والإسبانية (اللغتين المعتمدتين في البلاد هما الكريولية الهايتية والفرنسية)، هاجمت مسكن الرئيس عند الساعة الواحدة فجراً بالتوقيت المحلي، وقتلته بالرصاص في عمل وحشي ولاإنساني". وأضاف أن زوجة الرئيس أصيبت في الهجوم، ونُقلت إلى المستشفى. وأعلن جوزيف أنه "يتولى الآن مهام قيادة البلد"، داعياً المواطنين إلى الهدوء، وأكد أن "الشرطة والجيش سيضمنان النظام"، لكن دوي الأعيرة النارية ظلّ يتردد في أنحاء العاصمة.

من المقرر إجراء استفتاء دستوري وانتخابات في 26 سبتمبر
 

وهناك مخاوف من انتشار الفوضى في هايتي التي تعاني من الانقسام السياسي وتواجه أزمة إنسانية متنامية ونقصاً في الغذاء. وندّد البيت الأبيض بالاغتيال ووصفه بـ"المروّع". وذكرت السفارة الأميركية أنها ستغلق أبوابها بسبب "الوضع الأمني الراهن". وجاء الاغتيال بعد نحو خمسة أشهر على اندلاع احتجاجات عنيفة في البلاد، بدأت مع عزل حكومة هايتي ثلاثة من قضاة المحكمة العليا، بعد أن تحدث مويز عن "محاولة للانقلاب" عليه، واعتُقل 23 شخصاً بينهم عسكريون، من بينهم قاضي المحكمة العليا جوزيف ميسين جان-لويس، الذي اختارته المعارضة "رئيساً انتقالياً". ودفع اعتقال العسكريين ضباطاً ملثمين ينتمون إلى قطاع "ساخط" من قوة الشرطة الهايتية المعروفة باسم "فانتوم 509"، إلى اقتحام عدة مراكز للشرطة في العاصمة بورت أو برنس، وأحرقوها مطالبين بإطلاق سراح رفاقهم. واعتبرت المعارضة في هايتي أن مويز يجب أن يتنحى، لأن فترة ولايته البالغة خمس سنوات، انتهت في 7 فبراير/شباط الماضي بعد انتخابات عام 2015، والتي كانت محل خلاف. في المقابل، رفض مويز ذلك، معتبراً أنه تولى السلطة في فبراير 2017، بعد فوزه في انتخابات جديدة عام 2016، وتعهد بالتنحي العام المقبل. واتهمت المعارضة مويز بخرق الدستور، مع فشل حكومته في إجراء الانتخابات التشريعية في 2019، وترك البرلمان من دون نواب والسماح للرئيس بالحكم بمرسوم، منذ يناير/كانون الثاني 2020. وخلال عهده، توالى سبعة رؤساء وزراء على رئاسة الحكومة في أربع سنوات، آخرهم كان جوزيف الذي كان من المفترض تغييره هذا الأسبوع بعد مكوثه ثلاثة أشهر في المنصب، وتعيين أريال هنري مكانه. وأيدت الولايات المتحدة مويز، معتبرة في حينه أنه "ربما تدعم الجدول الزمني لمويز"، وأن على "الزعيم الجديد أن يحل محل مويز في فبراير 2022". وفي أكتوبر/تشرين الأول 2018، حاول مجهولون اغتيال مويز في منطقة بون روج في العاصمة، أثناء مراسم وضع الزهور عند النصب التذكاري للإمبراطور جان جاك ديسالين، مؤسس هايتي المستقلة. وقام حراس رئيس الدولة بإجلائه سالماً إلى مكان آمن. وذكرت صحيفة "هايتي ليبر" في حينه أن اثنين من حراس الرئيس أصيبا بجروح أثناء تبادل لإطلاق النار مع المهاجمين الذين تمكنوا من الفرار، حسب ما أفادت مصادر أخرى. وإضافة إلى الأزمة السياسية، فقد تزايدت عمليات الخطف للحصول على فدية في الأشهر القليلة الماضية، في مؤشر جديد على النفوذ المتزايد للعصابات المسلحة في الدولة الكاريبية. وتغرق هايتي أيضاً في فقر مزمن وتواجه كوارث طبيعية متكررة. وأبدت المعارضة رفضها المشاركة في الاستفتاء الدستوري، المدعوم من مويز، خصوصاً أنه يهدف إلى تقوية السلطة التنفيذية. وتمسكت المعارضة بالدستور الحالي الصادر في عام 1987 بعد سقوط الدكتاتور جان كلود دوفالييه عام 1986، وينص على أن "أي مشاورات شعبية بهدف تعديل الدستور في استفتاء، ممنوعة رسمياً". وسبق أن طالب مئات المتظاهرين بإجراء تحقيق للكشف عن مصير 3.8 مليارات دولار من عائدات البلاد البترولية التي يكتنفها الغموض، والتحقيق في عائدات اتفاق "بيترو كاربي"، وهو تحالف بين فنزويلا وعدد من دول البحر الكاريبي لبيع البترول لتلك الدول بأسعار تفضيلية وشروط ميسرة، وتم إنشاؤه عام 2005. مع العلم أن تقارير أجهزة المحاسبة كشفت عن اختفاء مبالغ كبيرة من عائدات هايتي من تجارة البترول والطاقة في إطار هذا التحالف، من خلال استخدامها في مشروعات حكومية متعثرة أو تحويلها لجهات مجهولة. وتعاني هايتي من أزمة صحية، مع تحذير اتحاد الصيادلة فيها، أواخر الشهر الماضي، من مخاطر إدخال لقاحات مزيفة إلى البلاد، بعد أن سُمح للقطاع الخاص باستيراد لقاحات مضادة لكورونا، في حين أن الدولة لم تُطلق حتى الآن أي حملة عامة لتطعيم السكان. وقال الاتحاد إن "هناك خطراً كبيراً من إدخال لقاحات مزيفة ضد كورونا إلى هايتي، بسبب التكاثر المحتمل لنقاط البيع غير الخاضعة للرقابة".

مخاوف من انتشار الفوضى في هايتي التي تواجه أزمة إنسانية متنامية ونقصاً في الغذاء

وذكّر بأن "هايتي ليس لديها مختبر لمراقبة الجودة يمكنه التحقق مما إذا كان أي لقاح مزيفاً أم لا". وهايتي واحدة من الدول القليلة التي لم تبدأ بعد حملة التطعيم. وأوضحت وزارة الصحة أنها يجب أن تتلقى 130 ألف جرعة من لقاح أسترازينيكا "بين أوائل يوليو/تموز الحالي ومنتصفه"، عبر برنامج "كوفاكس" الذي تديره منظمة الصحة العالمية. وتتشارك هايتي جزيرة واحدة مع جمهورية الدومينيكان، ومنذ الاستقلال عن فرنسا في عام 1804 (اعترفت باريس بالاستقلال في عام 1825)، لم تستقر الأحوال السياسية والأمنية في هذا البلد. وفي عام 1957، بدأ عهد دوفالييه، الأب فرانسوا، الذي استمر حتى 1971، ثم الإبن جان كلود، الذي استمرّ عهده حتى عام 1987. بعدها تحولت البلاد إلى مرحلة ديمقراطية، لكن انقلاباً عسكرياً وقع في عام 2004 أطاح الرئيس جان برتراند أريستيد، الذي فرّ إلى أفريقيا الوسطى، متهماً الأميركيين بتدبير الانقلاب ضده. وفي 12 يناير/كانون الثاني 2010، تعرّضت هايتي لأسوأ كارثة طبيعية، مع وقوع زلزال بقوة 7 درجات، أدى إلى مقتل بين 100 ألف و316 ألف شخص، وفقاً لبيانات متعددة.

(العربي الجديد، فرانس برس، رويترز)

المساهمون