طالب وفد من نساء الحراك الشعبي في السويداء، جنوبيّ سورية، الرئيس الروحي لطائفة الموحدين الدروز، الشيخ حكمت الهجري، بالعمل على تنفيذ القرار الدولي 2254، الذي يضمن حق السوريين في العيش بدولة علمانية يسودها العدل والقانون.
وقالت ممثلة عن الحراك الشعبي أمام الهجري وعدد من زواره إن "الجوع بدأ ينهش شعبنا، وانتشرت المخدرات وثقافة العنف بين أبنائنا، فقضى بعضهم وهُجّر آخرون، واستشرى الفساد في مؤسسات الدولة، لهذا فقد حرقنا مراكبنا ولن نتراجع قبل أن نحقق دولة القانون لكل الشعب السوري".
من جهته، أثنى الشيخ الهجري على المشاركة الكبيرة للنساء في الحراك الشعبي، قائلاً: "أنتنّ وجه هذا الحراك السلمي الحضاري، نفخر بكنّ، ونتمنى أن يحافظ الحراك على وجهه الحضاري"، مضيفاً: "لقد قدمتم للعالم أبهى الصور عن حضارة شعبنا ونضاله السلمي، فأنتم البناؤون ونصف المجتمع الأهم".
وأجاب الهجري عن تساؤلات المشاركات، قائلاً: "لن نقبل أن يطلب أبناؤنا إلى أية جهة بناءً على تقارير كيدية أو بغير حق، فالممارسات غير الصحية ستبطل، وآخر دواء هو الكي"، مشيراً إلى محاولات تخويف أبناء المحافظة خارج السويداء. وشدد بقوله: "لن نقبل بعد اليوم أن يقود البلد المزاجيات الأمنية، فهي من أوصلت البلاد إلى هذا الانهيار، والشعب هو من سيقود البلد".
وأكَد الهجري أنه "من هذه الأرض انبثقت كل القوانين الإنسانية على مرّ التاريخ، ومن لا يحترم القوانين كان من كان فهو ليس من هذه الأرض، وسنبقى أقوياء وقوتنا في سلميتنا، فطالب السلام أقوى من الذي يواجهه بالسلاح والأساليب الأخرى".
ويتواصل الحراك الشعبي في ساحات محافظة السويداء، وبدأ يأخذ شكلاً من الحالة الاعتيادية والعمل اليومي لدى العديد من المشاركين، فبعضهم يشارك يومياً في ساحة الكرامة وسط مدينة السويداء، وآخرون يتجمهرون مساءً للمشاركة في إحدى البلدات ضمن الوقفات المسائية، بينما استبدل الغالبية كل التزامات يوم الجمعة بوقفة الحراك.
وليس بعيداً عن مواقف الشيخ الهجري، شبّه الشيخ حمود الحناوي، شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الثاني، الحراك الشعبي بـ"ثورات الأجداد" على الاستعمار العثماني والاستعمار الفرنسي، في أثناء استقباله لجمهور من الحراك الشعبي وأبناء بلدات الريف.
وأضاف: "الأصوات التي ارتفعت في السويداء اليوم هي ذاتها التي ارتفعت سابقاً في وجه الاحتلال العثماني والفرنسي وكل الاحتلالات، ونحن ما زلنا نتغنى بدماء شهدائنا وببطولات آبائنا وأجدادنا، وأنتم وقفتم اليوم موقف الآباء والأجداد، وأنتم تعيدون للتاريخ المواقف الرجولية بشجاعة وصبر".
ونبه الحناوي من "الانجرار وراء الفتن ومن التفكك"، وطالب المتظاهرين بوحدة الصف والحفاظ على الجانب الحضاري والسلمي للحراك، مشيراً إلى ما يحاك ويُتهم به أبناء المحافظة من ادعاءات بالتقسيم، واصفاً إياه بأنه خطير، ولكن الأخطر منه هو التفكك ضمن المجتمع الواحد، وفق قوله، مطالباً المحتجين بـ"الوعي والحيطة والحذر والصمود والتماسك". وأكد أن "من يسعى لتقسيم وتفكيك البلاد لن يستشيرنا".
وختم الحناوي: "ليس هنالك أثمن وأغلى من الكرامة، ومن كلمة الكرامة التي تهز النفوس والضمائر وتهز الشعوب وتهز العروش".
هذه المواقف الثابتة والمتقدمة لمشيخة العقل قابلها في الشارع حضور لافت لرجال الدين لم يُعهد سابقاً في حراك شعبي، حيث تقدم البعض منهم الوفود المشاركة من جميع القرى والمدن، وهتفوا بكل الشعارات الداعية لإسقاط النظام وتحقيق القرار الدولي 2254.
ويقول الباحث والناشط السياسي سليمان كفيري، لـ"العربي الجديد"، إن "هذه الانتفاضة فرضت نفسها على كل المعنيين في الداخل السوري والخارج وكل الأحرار في العالم وعلى القوى الفاعلة الإقليمية والدولية، وقدمت دروساً يمكن استنتاجها والعمل عليها، وأولها أنه يمكن لرجل الدين أن يكون علمانياً أمام خيمة الوطن ويسعى لبناء دولة المواطنة الديمقراطية والعلمانية، وحضوره الكبير في ساحات التظاهر والاعتصام هو رسالة لكل رجال الدين من جميع الأديان، مفادها بأن يكونوا قريبين من دولة المواطنة ودولة القانون ودولة العلمانية التي تحقق العدالة الاجتماعية بين مكونات الشعب السوري".
وأضاف كفيري: "الدرس الثاني الذي قدمته انتفاضة السويداء يتمثل بالدور الحضاري والإنساني المتميز الذي تقوم فيه النساء المشاركات، مؤكدة للعالم أنها شريك أساسي في بناء المجتمع المدني ودولة المواطنة".
وأكّد أن الأمر الثالث الذي يمنح القوة لهذه الانتفاضة هو سلميتها "ولن ننجر إلى المواقع التي يسعى إليها النظام، سنبقى سلميين حتى نحقق أهدافنا في التغيير الوطني الديمقراطي"، مشيراً إلى أن الأهم في هذا الحراك الشعبي هو "امتزاج الشعب السوري ووحدته أمام أسس وثوابت وأهمها سورية موحدة أرضاً وشعباً، وهذا هدفنا الأسمى الذي نواجه به كل التيارات الظلامية التي تسعى لتقسيم سورية شعباً وأرضاً".
وختم الكفيري حديثه لـ"العربي الجديد" بالقول: "لقد سقطت في هذه الانتفاضة ورقة اللعب على الأقليات الطائفية، فنحن في صراع أكثرية سورية مع طغمة أقلية حاكمة، وسقطت أكذوبة النظام انتصر في ساحات السويداء".