قالت مصادر مصرية مطلعة على الاتصالات الجارية بين مصر وتركيا على المستوى الأمني من أجل تطبيع العلاقات بين البلدين لـ"العربي الجديد" إن "هناك ما يمكن وصفه بالتقدم خطوة للأمام في سبيل تطبيع العلاقات، حدثت خلال الأيام الماضية".
إسقاط ملف المطلوبين الأمنيين المصريين
وأوضحت المصادر أن "الاتصالات الأخيرة شهدت إسقاط ملف المطلوبين الأمنيين من جدول الملفات محل التشاور بين البلدين، بعدما أكد الجانب التركي استحالة تنفيذ ذلك المطلب، وفي المقابل أكد تقديمه تطمينات وُصفت بالمناسبة للمسؤولين المصريين بشأن المعارضة المصرية الموجودة على الأراضي التركية".
وأضافت المصادر أن "تركيا تتبع منذ فترة سياسة تصفير المشاكل مع العديد من دول المنطقة التي شهدت علاقاتها معها خلافات في السنوات الأخيرة ومنها المملكة العربية السعودية. ولذلك، حرصت أنقرة على وقف أنشطة المعارضة المصرية على الأراضي التركية، لا سيما أنشطة جماعة الإخوان المسلمين، والتي كانت تزعج مصر كثيراً".
وتابعت المصادر أن "القاهرة كررت طلباتها في الفترة الأخيرة، بتسليم بعض الأشخاص، فيما رفضت أنقرة ذلك، فكان الحل الوسط في ذلك الأمر هو إرسال هؤلاء الأشخاص إلى بلدان ثالثة".
القاهرة كررت طلباتها في الفترة الأخيرة، بتسليم بعض الأشخاص، فيما رفضت أنقرة ذلك
العلاقات بين أردوغان والسيسي
وأشارت المصادر إلى نقطة لا تزال تقف عقبة في طريق تطبيع العلاقات الكاملة بين مصر وتركيا وهي "العلاقات على مستوى الرؤساء، وهي النقطة التي لا ترغب أنقرة في تنفيذها فوراً".
وتابعت المصادر "لكن مع ذلك، فإنه خلال الاجتماعات التي عقدت بين المسؤولين من الجانبين، أرسل المصريون رسائل تفيد بأن الاعتراف الرسمي من قبل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بأن الرئيس عبد الفتاح السيسي هو الرئيس الشرعي لمصر، شرط أساسي لتحسين العلاقات بين البلدين".
وأضافت المصادر أنه "على الرغم من أن السيسي وأردوغان لا يتحدثان بشكل مباشر، إلا أنهما لم يعودا يستهدفان بعضهما البعض، حتى أن بعض الشخصيات التركية رفيعة المستوى تحدثت وجهاً لوجه مع الرئيس السيسي في مناسبات مختلفة".
وبحسب المصادر فإن المشاورات القائمة منذ بداية العام الحالي "لم تكن تسير على وتيرة واحدة". وأشارت إلى أنه "خلال الأشهر القليلة الماضية، كان هناك توافق على عقد اجتماعات معلنة بين مسؤولين رسميين في البلدين، أحدها كان مقرراً له في مارس/ آذار الماضي، قبل أن يجري إرجاؤه، ثم إلغاؤه لاحقاً".
ومطلع يونيو/ حزيران الحالي، زار وزير الخزانة والمالية التركي نور الدين نباتي، القاهرة للمشاركة في الاجتماع السنوي للبنك الإسلامي للتنمية، في خطوة كانت الأولى من نوعها، إذ يعد الرجل أول وزير تركي يزور مصر منذ 9 سنوات. وفي غضون ذلك، تسلم مسؤول تركي مهمات عمله في القاهرة كقائم جديد بأعمال سفارة بلاده في مصر بعد انتهاء مهمة سابقه.
تفاهمات تركية مصرية بشأن الملف الليبي وشرق المتوسط
ولفتت المصادر إلى أن الأيام الماضية "شهدت الانتقال إلى الحديث عن خطوات عملية بشأن الملفين الأبرز على صعيد اهتمامات البلدين".
وأوضحت أن المشاورات "تناولت بالتفصيل المطالب المصرية بشأن الملف الليبي، فيما وضع الجانب التركي تصوراته بشأن منطقة شرق المتوسط والتي تمثل له أهمية قصوى".
ونهاية العام الماضي، أعلنت مصر التزامها بإحداثيات الجرف القاري التي أعلنتها أنقرة في منطقة شرق البحر المتوسط، لتفتح الباب أمام تركيا لإجراء ترتيبات خاصة بها في تلك المنطقة.
ووفقاً لأحد المصادر المطلعة على المشاورات بين البلدين، فإن "الأمور لم تعد بعيدة، ونقاط الخلاف تقاربت بدرجة كبيرة". ولفت إلى أنه "تم التوافق خلال آخر اللقاءات التي جرت على المستوى الأمني، على إنهاء كافة الأمور العالقة بشأن الملف الليبي، قبل الانتقال إلى إعلان مواقف وترتيبات بشأن الأوضاع في شرق المتوسط".
الاعتراف الرسمي من قبل أردوغان بأن السيسي هو الرئيس الشرعي لمصر، شرط أساسي لتحسين العلاقات
وقال المصدر إن الجانب المصري "أبلغ المسؤولين الأتراك بأن أي تحرك رسمي على صعيد ملف منطقة شرق المتوسط، قد يؤزم العلاقة بين مصر واثنين من أهم حلفائها خلال الفترة الماضية، وهما اليونان وقبرص. لذلك، فإن الأمر يتطلب مزيداً من الوقت لحين ترتيب القاهرة أوضاعها مع نيقوسيا وأثينا بالشكل الذي لا يعطل التعاون المشترك بين البلدان الثلاثة".
وأوضح المصدر أن المسؤولين المصريين "أكدوا على أن ما تطلبه تركيا بشأن منطقة شرق المتوسط من مصر، لا بد أن تقابله إجراءات تركية على صعيد الملف الليبي تتناسب مع حجم تلك المطالب".
وأشار المصدر إلى أن التقارب الأخير بين إسرائيل وتركيا "من شأنه أن يسرع وتيرة التقارب المصري التركي، في ظل مساعي تل أبيب لتوسيع التعاون في مشروعات الطاقة مع مصر وتركيا".
وأضاف المصدر أن "من بين أهم الأسباب التي سرعت من وتيرة تحسن علاقات تركيا مع الدول التي كانت علاقاتها معها سيئة، مثل الإمارات والسعودية ومصر، هو رحيل الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، وحل الأزمة مع دولة قطر".
وأشار المصدر إلى أن "زيارة مستشار الأمن الوطني الإماراتي طحنون بن زايد إلى أنقرة (في أغسطس/آب الماضي)، ولقاءه أردوغان، أنهى بعض الملفات التي كانت متعثّرة بين مصر وتركيا، وشجع القاهرة على المضي قدماً في الاتصالات مع أنقرة، بعد أن كانت أبوظبي تحاول عرقلتها سابقاً".
وعلى صعيد الملف الليبي، لفتت المصادر المطلعة إلى "تفاهمات مصرية تركية جرت أخيراً على صعيد الأوضاع السياسية في ليبيا، مع قرب انتهاء مسار خريطة الطريق المعتمدة من قبل ملتقى الحوار السياسي الليبي برعاية الأمم المتحدة، وذلك في 22 يونيو الحالي".
تم التوافق على إنهاء كافة الأمور العالقة بشأن الملف الليبي، قبل الانتقال إلى إعلان مواقف وترتيبات بشأن الأوضاع في شرق المتوسط
وخلال الأسبوع الماضي، استقبلت تونس اجتماعا بشأن ليبيا حضره ممثلون عن حكومات الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا وإيطاليا وألمانيا ومصر وتركيا، فيما استأنف مجلسا النواب والدولة مفاوضات المسار الدستوري في القاهرة أمس، والتي تناقش النقاط الخلافية التي رُحلت من الجولة السابقة.
كذلك، استأنفت اللجنة العسكرية الليبية "5+5" (تضم خمسة مسؤولين عسكريين عن مليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر وخمسة آخرين عن حكومة الوفاق السابقة) اجتماعاتها في تونس الأسبوع الماضي بعد انقطاع لأشهر عدة، لمناقشة الترتيبات الخاصة بتنفيذ الاتفاقات المعلقة منذ عامين، وعلى رأسها اتفاق خروج القوات الأجنبية وتوحيد الجيش.
بدوره، ذهب رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية ووزير الدفاع عبد الحميد الدبيبة وعدد من قادته العسكريين، إلى مدينة أزمير التركية الأربعاء الماضي، للمشاركة في مناورات عسكرية.
إلى ذلك، كشفت المصادر أن الفترة الماضية "شهدت تنفيذ الجانبين (التركي والمصري) مطالب على صعيد تسهيل حركة الاستثمارات بينهما، كان من بينها أمور متعلقة بصدور التأشيرات لصالح رجال الأعمال والمواطنين في البلدين، بخلاف تسهيلات أخرى متعلقة بالتحويلات البنكية، ومراجعات أمنية كان من شأنها تعطيل الإجراءات وإلحاق خسائر للمستثمرين في البلدين، إذ جرى تجاوز معظم العقبات المتعلقة بذلك خلال الاتصالات الأخيرة".